شعار قسم مدونات

2016.. حصار فلسطين يتفكك والمقاومة تصمد

blogs - hamas
لا يبدو أن قطاع غزة فقط هو الذي عانى من الحصار الإسرائيلي العربي عام 2016 وما قبله وإن كانت وطأته في غزة أصابت الناس في قوتهم وصحتهم وحرية حركتهم، بل إن الشعب الفلسطيني بأكمله وبقضيته وقواه المقاومة تم استهدافه بهذا الحصار.

فقد اشتد الحصار على غزة بعد ملحمة العصف المأكول عام 2014 لتشارك فيه (الشقيقة الكبرى) مصر في محاولة لضرب حماس وإخضاعها بعد أن باتت تشكل القوة الصامدة الوحيدة في المنطقة، ومصدر إلهام للثورات العربية. فصارت مصر السيسي – مع بعض الدول العربية – رأس الحربة في الحرب على الإسلام السياسي وقواه في المنطقة بعد أن شكلت الثورات العربية بطموحها نحو الحرية والتغيير تهديدا للأنظمة الديكتاتورية والمتسلطة، وكان يمكن لها إن نجحت أن تشكل فرصة سانحة لفلسطين لرفع سقف الأنظمة العربية من إسرائيل وتعزز دور الشعوب في مواجهتها.

أمسكت واشنطن عن استخدام الفيتو ضد مشروع القرار لتسلط الأضواء من جديد على مدى إيغال هذا النظام في التحالف مع إسرائيل ضد القضايا القومية وعلى رأسها فلسطين.

وحاول السيسي ونظامه المستبد أن يدفع المقاومة في غزة للاستسلام للعدو الصهيوني مستخدما بذلك كافة أساليب الضغط السياسي على حماس وحصار أهل غزة بإغلاق المعبر معظم أيام السنة ظنا منه أن ذلك سيدفع أهلها للثورة على حماس وحكمها. ووصل حد التآمر إلى إغراق الأنفاق بين مصر وغزة بالماء لدفع حماس والمقاومة للاستسلام لسياسة الحصار والتجويع وإلقاء سلاحها الذي بات يمثل السلاح الأوحد المشهر في وجه إسرائيل في ظل غرق إيران وحزب الله في الوحل السوري وتفكك ما كان يسمى الممانعة العربية.

واستكمل السيسي تآمره بإطلاق مبادرة هشة للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين زايدت في انخفاض سقفها على المبادرة العربية والدعوة الفرنسية لعقد مؤتمر سلام في باريس. وتمادى هذا النظام الانقلابي أكثر عندما قرر سحب مشروع قرار إدانة الاستيطان من مجلس الأمن استرضاء للإسرائيليين ومحاولة حمايتهم من إدانة تخوفا من عدم استخدام واشنطن الفيتو ضد مشروع القرار الذي أعادت تقديمه دول عربية وغير عربية.

وأمسكت واشنطن عن استخدام الفيتو ضد مشروع القرار لتسلط الأضواء من جديد على مدى إيغال هذا النظام في التحالف مع إسرائيل ضد القضايا القومية وعلى رأسها فلسطين.

من جانب آخر، بدأ عدد من الأنظمة سياسة تطبيع مع العدو في محاولة لكسب دعم حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة لمواجهة التدخل العسكري الإيراني في المنطقة، على اعتبار قوة التأثير الإسرائيلي في سياسات الولايات المتحدة في المنطقة. وتطلب هذا تلبية شروط إسرائيل وهي إضعاف حماس وغض الطرف عن الاستيطان والقبول بيهودية الدولة. ولهذا تشكلت لجنة أطلق عليها الرباعية العربية جمعها محاربة الإسلام السياسي والتقرب من إسرائيل، ما أدى لتراجع الدعم المقدم عربيا لفلسطين وتراجع مكانة الصراع مع الكيان الصهيوني لدى هذه الأنظمة.

وفي هذا الإطار امتد الحصار السياسي ليشمل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بمحاولة استبداله بمحمد دحلان أو غيره في فتح لتقديم الاستحقاقات المطلوبة والمذكورة آنفا لإسرائيل وللمساهمة في إضعاف حماس عسكريا وسياسيا، وإضعاف حركة فتح بتعميق الصراعات والخلافات داخلها، حيث ما زال دحلان رغم هزيمته في المؤتمر السابع لفتح يسعى للرئاسة ويطمح لها لتحقيق أهداف مموليه من العرب.

وأسهم هذا النزاع داخل فتح في تراجع سقف مواقفها (المتراجعة أصلا) من الصراع مع العدو إلى درجة أن عباس دعا إلى بلورة ما جاء في خطابه في المؤتمر السابع ودعا فيه إلى المقاومة السلمية فقط إلى برنامج متفق عليه في فتح!

وفيما بقيت حركة حماس ومعها ثلة من قوى وأبناء الشعب الفلسطيني ترفع سيف المقاومة ضد إسرائيل، فقد كان التركيز الإسرائيلي – العربي على حصارها أشد وأقوى ليس فقط من خلال حصار قطاع غزة، وإنما أيضا بملاحقة ومطاردة المقاومين والتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في هذا الإطار، وصولا إلى اغتيال نشطاء عرب يساندون المقاومة تقنيا وعسكريا، حيث تمثل ذلك باغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري في ظل صمت عربي مريب لاختراق جهاز الموساد للدول العربية وتنفيذ اغتيالات فيها!

وشمل هذا الأمر أيضا محاولة خنق حركة حماس ماليا عبر تضييق دول عربية وبتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة الخناق على نشاطات الجمع المالي لها وملاحقة نشطائها الماليين ومن يدعمهم.

صمدت حماس في ميدان المعركة مع المحتل وأثبتت دورها في انتفاضة الأقصى واستمرت في محاولة استعادة دورها في المقاومة بالضفة والقدس.

وامتدت يد إسرائيل إلى فلسطينيي 48 لتحظر نشاط الحركة الإسلامية هناك وتستمر في ملاحقة رمز الصمود ومواجهة الأسرلة الشيخ رائد صلاح، في محاولة منها لفصل هذا الشعب عن محيطه الفلسطيني ومنعه من التفاعل مع قضايا الشعب الواحد والحيلولة دون تحفيزه للانتفاضة عبر مواجهة مخططات الاحتلال في المسجد الأقصى وتحفيز الشعب والأمة للدفاع عنه من سياسات التهويد.

ولكن الأشهر الأخيرة شهدت تفككا في الحصار العربي السياسي للمقاومة، إذ بدأت مصر في الانسلاخ عن محور الرباعية بالتوجه نحو إيران ودعم جرائمها في المنطقة وإدارة الظهر لحليفها السعودي.

وصمدت حماس في ميدان المعركة مع المحتل وأثبتت دورها في انتفاضة الأقصى واستمرت في محاولة استعادة دورها في المقاومة بالضفة والقدس ما شكل فشلا للحصار الإسرائيلي- العربي عليها.

وفي الجانب الآخر فشلت إسرائيل في الحصول على الدعم الغربي لسياساتها الاحتلالية بعد خلافها مع واشنطن وأوروبا حول الاستيطان، كما لم تقدم لبعض الأنظمة العربية دعما وازنا في مواجهة إيران ولم تتقدم موجة التطبيع العربي لتشمل الجانب الشعبي على الإطلاق.

لم ينل الحصار من الفلسطينيين ومقاومتهم، وتغلبوا على جوعهم وعطشهم وآلامهم وتمكنوا من الاستعداد ثانية لمواجهة إسرائيل ونفخوا الروح في الانتفاضة في الضفة والقدس ولا يزالون، والحرب لا زالت سجالا بين المتآمرين على أمتهم وعل الفلسطينيين والقوى التي تحاول نيل حريتها في العالم العربي. ولن ينال اليأس من هذا الشعب ولا هذه الأمة المناصرة له، والعاقبة ستكون للشعوب لا للمحتلين ولا الجلادين الذين يتآمرون معهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.