شعار قسم مدونات

الفلسطينيُ الذي باع أرضه

blogs - aqsa wall
في عامي الأول من الغربة، وهو عامٌ مثقلٌ بحب الوطن والشوق إليه كما تعلمون،قالت زميلتي في كلية الطب، تعقيباً على استشهاد مجموعة من الفلسطينيين: "هؤلاء أناسٌ باعوا أرضهم وينتظرون منا أن نحررها لهم".

كانت هذه أول صدمةٍ عروبيةٍ تلقيتها في الغربة وعلمت يومها أننا وحدنا (ربما معنا القليل من الأحرار ولكننا وحدنا فعلياً) نقاتِلُ ونُقتلُ وحدنا… لطالما عانى الفلسطينيُ من هذه العبارة، بل وربما كانت أشد وقعاً على نفسه من صواريخ الطائرات وقذائف الدبابات،فهي تتهمه بالخيانة المباشرة الصريحة بعد كل ما قدمه من تضحيات،تنسف وجود قضيته العظيمة بلا أدنى رحمة أو موضوعية،تسلبه أسمى ما يملك بهتاناً وظلماً،فدعونا نرجع لأصل هذه العبارة حتى نكُون موضوعيين بعض الشيء:

– تركزت أطماع الحركة الصهونية على فلسطين من بداية القرن التاسع عشر ،فحاولوا بشتى الطرق
الحصول على الأراضي الفلسطينية ،وبالطبع كان من ضمنها شراء الأراضي، ولكن هناك عدة حقائق يجب ذكرها لفهم ما حدث بشكل منطقي عقلاني:

أولاً: عانت الدولة العثمانية من ضغوطٍ شديدة من بريطانيا حول أرض فلسطين وقوبلت تلك الأطماع بالرفض الشديد من العثمانيين في بادئ الأمر.
إلا أن الضغوط البريطانية على الدولة العثمانية أخيراً أنتجت وضع قانون (تصرف الأشخاص الحكمية) لعام 1910 الذي أعطى الشركات حق التملك والتصرف بالممتلكات غير المنقولة، وقد تمكنت المؤسسات الصهيونية من إستغلال بعض بنود هذا القانون والتحايل غير المشروع على بعضها الآخر لتجد لنفسها فرصةً للحصول على أراضٍ في فلسطين، ونجحت الضغوط البريطانية في تغيير بعض القوانين العثمانية لتفسح المجال أمام المؤسسات الصهيونية، التي كانت الدولة العثمانية حريصة على عدم تمكينها من أراضي فلسطين.

من لا يؤمن بحق هؤلاء المظلومين لا أعتبره مثقفا من وجهة نظري، وطبعاً الكثير من المثقفين العرب وللأسف بعض الكتاب حتى لا يؤمنون بقضية فلسطين وصرح بعضهم بذلك علانيةً.

ثانياً: تعاون اليهود مع بعض السماسرة العرب عديمي الوطنية (وهم موجودون بالطبع في كل زمانٍ ومكان فنحن لسنا ملائكةً تمشي على الأرض) فكانوا يقومون بشراء الأراضي لأنفسهم من الفلسطينيين ثم يقومون ببيعها لليهود وهذا الأمر كان مدعوماً من قبل الحركة الصهيونية بمبالغٍ طائلة،وبعض هذه الممارسات ما زال يستخدمها الإحتلال في الحصول على ما تبقى من أرض القدس،فهل من العقل أن نلوم كل الفلسطينيين على أفعال بعض هؤلاء المرتزقة ونشكك في وجود قضيتهم التي تحمل من الأسى ما يكفي للعشرين قرن المنصرمة والقادمة.
وفي نفس هذا الوقت حارب الفلسطينيون الأحرار هؤلاء السماسرة بشتى الطرق للحفاظ على تراب هذا الوطن،والذود عنه بأي وسيلة كانت،حتى أنهم اتهموا من يبيع أرضه لليهود بالخيانة ورفضوا دفنه في مقابر المسلمين!

ثالثاً: كان هناك بعض بعض العائلات العربية (الإقطاعية) التي كانت تقطن خارج فلسطين وتملك مساحاتٍ شاسعة من أراضي فلسطين مثل عائلة سرسق التي باعت أراضيها في سهل مرج ابن عامر لليهود، وتم تهجير الفلسطينيين المقيمين بها! وغيرها من العائلات التي ما زالت أسماؤها مكتوبة في كتب التاريخ ليومنا هذا.

رابعاً: في عهد الانتداب البريطاني تم رفع الضرائب باستمرار على الأراضي والفلاحين والتي لم يكن يطيقها الفلاح الفلسطيني، الذي يزرع أرضَه زيتوناً لا يكفي لأسرته حتى، أوقمحاً لا يكفي لخبزه، أو شعيراً لا يكفي لبغلته،فكيف يقدر على دفع هذه الضرائب الباهظة،فاضطر بعض الفلسطينيين حينها لبيع أراضيهم وسداد ديونهم.

– الجدير جداً بالذكر هنا أنه على الرغم من استخدام كل الطرق السابقة لم يستطع اليهود الحصول إلا على ما نسبته 7.6 % من مساحة أراضي فلسطين، فلو كان الأمر بهذه السهولة كما يظن البعض لمَ قامت العصابات الصهيونية بقتل وتهجير الفلسطينيين وارتكاب المجازر المروعة في حقهم؟!

– يبدو أنّ مرددي هذه الجملة لم يقرأوا التاريخ ولم يسمعوا بثورة البراق وثورة عام 1936
وعن عبد القادر الحسيني وعز الدين القسام وعطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي
وعن دير ياسين ومخيم جنين والنكبتين والإنتفاضتين وحروب غزة المتكررة وحصارها.

ربما لجأ بعض العرب لهذه العبارة للتخلي عن مسؤوليتهم في الدفاع عن فلسطين وتحويلها من قضية العرب كافة لقضية الفلسطينيين فقط، كما يحدث الآن مع السوريين!

– الإيمان بقضية فلسطين والدفاع عنها هو أحد ركائز أي فكرٍ قويم برأيي، فمن لا يؤمن بحق هؤلاء المظلومين لا أعتبره مثقفا من وجهة نظري، وطبعاً الكثير من المثقفين العرب وللأسف بعض الكتاب حتى لا يؤمنون بقضية فلسطين وصرح بعضهم بذلك علانيةً.

– هذه العبارة المشؤومة تذكرني بموقفٍ حصل مع جميع أهالي قطاع غزة أثناء العدوان الاسرائيلي عام 2014 والذي كان الأشد والأطول في تاريخ القطاع ،فأذكر أننا كنا نعاني يومها من طول مدة انقطاع التيار الكهربائي وننتظر عودته بشدة لنتابع الأخبار على التلفاز والإنترنت، الداخلية المكتوبة بلون الدم والخارجية التي تمحورت حول مفاوضات الهدنة وآراء ومواقف بعض الدول في الحرب، ولكن كان هناك بعض الإعلاميين العرب الذين يفرحون أو يشمتون ( لا أعلم الكلمة المناسبة لهذا الفعل القذر ) بالحرب على غزة ويبررونها، بل حتى رأى بعضهم أن الطرف المظلوم المضطهد هو المواطن الإسرائيلي،يا لحظي!

لا أعلم هل يمشي دمٌ في عروق هؤلاء الأشخاص مثلنا أم يمشي في عروقهم القار الأسود المحمل بالكراهية والحقد على فلسطين وأهلها،صحيحٌ أن الحرب ظالمة جائرة منقطعة الأمل ولكن كان تعاطف وتضامن الأحرار معنا كافياً لمواصلة هذه المعاناة وتحمل أشكالها المرعبة وبث الأمل فينا بعد فنائه المتكرر كل يوم ،ولكن شعور الوحدة في مواجهة هذا العدو شعورٌ لا يحسد عليه أحد،خاصةً إن كان بسبب الأشقاء العرب الأشاوس حماهم الله!

ربما لجأ بعض العرب لهذه العبارة للتخلي عن مسؤوليتهم في الدفاع عن فلسطين وتحويلها من قضية العرب كافة لقضية الفلسطينيين فقط، كما يحدث الآن مع السوريين!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.