قلوبنا قبور مظلمة، يدفن بها خوف قاتل، يجرعنا ألما سابقا لأوانه، فيصير العذاب عذابين، عذاب اللحظة و عذاب انتظارها. |
لست مدربة في التنمية البشرية، ولا أقوم الآن بدور مروضة لأفعالكم وتصرفاتكم، ما تقرأونه الآن ليس إلا نمذجة لواقع أغلبيتكم. حدث يوما ما، وأنت تتجول أو تتجولين رفقة الأصدقاء، حدث وأنك لم تتذوق لذّة لقاء الشلّة. هذا لأنك طيلة الجولة وأنت تلتفت يمنة و يسرة خشية لقاء أحدهم تزعجك رؤيته. أسبوعين يفصلانك عن اجتياز مباراة شفوية، أو امتحان ترقية، أسبوعين من حبك الأحداث ومن التخيّلات السلبية ، ربما أرتبك وأنسى كل ما سهرت اللّيالي لحفظه، ربما تكون لجنة التّحكيم قاسية، قد تبدو علي علامات الخوف جليّة وأنا أناقش أطروحتي.
"زوجتي حامل، و لي أربع بنات، ماذا لو أنجبت بنتا أخرى، ماذا سيقول الأهل و الجيران، كيف سأستطيع تحمل مصاريفهم وأنا المثقل بالديون، كيف سألبّي حاجياتهم و دخلي الشهري ما كان يكفي حتى لإطعام هذه الأفواه " تخوفات، توقعات مشؤومة، احتمالات مربكة، هوس واضطراب من المستقبل ، هواجس قد تودي بك إلى الدمار، حمّى حارقة قد تصيبك في أحرأيام الصيف، شعور بالغثيان، أو ربما نوبات قلبية، كل هذه الكوابيس بسبب المستقبل ولأجل المستقبل، وماذا يحضره لي وحش المستقبل. ماذا لو؟ " أو "ربما قد يحدث " عبارات توغّلت فينا، فصارت تحاصرنا وتعيينا ،ألفناها حتى ألفت تعادينا، فما قدمنا قدما إلا أننا تراجعنا مهرولينا!
قلوبنا قبور مظلمة، يدفن بها خوف قاتل يجرعنا ألما سابقا لأوانه، فيصير العذاب عذابين، عذاب اللحظة و عذاب انتظارها. عقولنا تكيفت على التفكير في المجهول، ومنحه أكثرمن قيمته، فبمجرد وصول ذلك المستقبل، نحسه رتيبا دون طعم، لا يستحق كل ذلك الوقت و الجهد الذي بذلناه في حبك أحداثه المختلفة تماما عن تخوفاتنا و توقعاتنا .
لنتقن فن عيش اللحظة، و لنطلق جناحينا و نعانق الأيام عناقا حارا، فكل يوم يمضي لن يعود، و لن يتكرر، إذا فلنحسن استقباله ووداعه ,.. ولنغتنم تلك اللّحظات التي كتب لها أن تخلق بين الوداع و الاستقبال.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.