شعار قسم مدونات

لَوْ أنَّها تلْتفِتُ مرَّة أُخرَى

blogs- الجمال
يبْدأ اهتِمامُ الفتاة بنفْسِها منذ صِغرها إلى أن تَصِير شابَّةً فامرأةً، في هذه المرحلِة بالضبط غالبا ما يبدأ ذلك الاهتمام في التَّراجُع تحت عُذر السِّن أو الزواج أو الأمومة. النساء والمرايا أصدقاء أقرباء جداً، علاقة المرأة بِجَمالها تبتدئ منذ الصِّغر، منذ نُعُومَة أَظافِرِها، فما إن تصير الفتاة في سن الخَامسة تقريباً حتى يبدأ ذلك الاهتمام في الانبثاق؛ تحمل بين يديها الصغيرتين مشطا تمشط به شعرها وهي واقفة أمام المِرآة تنظر لنفسها، وأحيانا كثيرةً تسرِق أحمر الشفاه من والدتها، لتضَعه على شفتيها الصغيرتين، وقد تكسر رجلها من كثرة محاولاتها اللامتناهية المشي بكعب خالتها العالي..

وقد تجدها غارقةً وسط كوْمةٍ من مساحِيقِ التجميل، ملامِحُ وجهها البريء تعلوها براءة ملطَّخة بأحمر الخدود والماسكارا، وكأنها ولدت على فطرة الاعتناء بجمالها؛ وكثيرا ما تتنافس هي وصديقاتُ حيِّها أيتهن الأجمل، فتجدهن ينظِّمن مسابقات جمال، تكونُ الفائزة فيها دائما الشَّقراء صاحبةُ الشَّعر الحريري والعيون الزرقاء، أو ربما صاحِبةُ الشَّعرِ الأسود المنسدل والعيون العسلية (في هذه الحالة لا تَقطُنُ الحيَّ شقراء).
 

مهما قيل لي إن جمال الإنسان داخله، أجيب أن جمال الإنسان الداخلي لا يكتمل إلا بخارجه، غيرَ أن النِّسَبَ تختلف من شخصٍ لآخر كُلٌّ حسَبَ جُودِه.

هكذا هُنَّ النساء يبدينَ اهتماماً كبيرا بأنفسهن، يتنافسْنَ مِنْ أجل إبراز جَمالِهن، لكن ما الذي يحَدِّدُ تلك المعايير في اخْتِيارِ الأجمل؟! لماذا تُعتبَر النساءُ في أغلبِ المُجتمعات والثقافاتِ ذوات الشَّعر الحريري الأَجَمل، وذوات العيون الزرقاء أجمل، وصاحِباتُ الجِسمِ الممشوق والبشرةِ الصافية البيضاء أجمل؟! لماذا تسعى النساء الأخريات جاهدات لإقصاء أنفسهن؟! و لماذا هذا الإقصاء؟ هل لإرضاء أنفسهن مثلا؟!
 

لِمُدَّة طويلةٍ كُنْتُ في صَفِّ النساء اللَّواتي يقصين أنفسهن، اللواتي يحرِصنَ جاهدات على امتلاك معايير الجَمالِ التي نَحَتَها الزمن على جِباهِ النساء. كنت كلما رأيتُ نفسي في المرآة بحثتُ عن تلك المعايير، لم يكن شعرِي المتموج يعجبني، رغبت في شعرٍ أملسَ بشدَّة، تلامسه الريح فيُرَفْرِف، عُيُوني البنية، هالاتي السوداء، البثور في وجهي وجَسدِي غيرِ المَمشوق، كُلُّها كانت تثِيرُ اشمئزازي، تجعلني غَير راضية تماما عن نفسي، أرفض بسببها الرؤية في المرآة، أعلم أنني لست الوحيدة وأن هناك نساء كثيرات كلما رأين أنفسهن في المرآة عَبَسن واشْمأزَزْن، سواء بسبب أجسادهن أو ملامح وجوههن غير المؤهلة للحصول على جائزة نوبل للجمال.
 

لأولئك النساء أخط كلماتي اليوم، أنا امرأة مثلكن اُدْرِكُ تماماً إدمانكُنَّ على مساحِيق التجميل، ورغبتكن العميقة والفطريَّة في أن تَظْهَرْنَ جميلات، و مهما قيل لي إن جمال الإنسان داخله، أجيب أن جمال الإنسان الداخلي لا يكتمل إلا بخارجه، غيرَ أن النِّسَبَ تختلف من شخصٍ لآخر كُلٌّ حسَبَ جُودِه. لأولئك النساء اللواتي طالما رأين أنفسهن في المرآة، ولم يتمكَّنَّ من رؤية انعكاسهنَّ بشكل واضح، الْتَفِتْنَ مرَّةً واحدةً أخرَى، فقَطْ مرة واحدة أخرى، الْتَفِتْن وحاولن فَكَّ رُموزَ وشيفرات الانعكاس الضَّوئِي أمَامَكُنَّ، كما ترِدْنَ أنتُن لا كما يريدُ المجتمع وتريد الثقافة، و تَذَكَّرْنَ أنَّ قَانُونَ الانِعِكَاسِ واحد: كلُّ النساءِ جميلات دُونَ استثناء.
 

اليَومَ كُلَّما وقفت أمام المرآة صَبَبْتُ كمية هائلة مِنَ الحُبِّ عَلَى كلِّ ذرَّةٍ منِّي، هَالاتِي السَّودَاء لم تَعُد تُخْجِلُني، هالاتي التِي ظهرت نتيجة حلمٍ أقْضِي الَّليْلَ مستيقظة مِنْ أجْل تحقيقه، نتيجة أهدافٍ أحارب عتمة الليل من أجل بُلُوغِها يوماً، من أجْلِ غدٍ مشرق، لماذا الخَجَلُ إذن؟! ألا يعني خجلي من هالاتي خجلي من السعي وراء بلوغ أهدافي؟ اليوم صار قلبي ينبض حبا لكل تفاصيلي.
هكذا فقط في لحظة كانت كبزوغ الفجر، أدركت أنني لم أعد في حاجة لارتداء فستان المرأة الباربي بعد اليوم.
 

اجلسي في العتمة وأنصتي لهمسك بهدوء، مارسي الحياة، اكسري كل القوالب التي وضعها المجتمع لا تدعيها تفسد حياتك.

سيدتي فكي شعرك والمسيه بأطراف أصابعك، تَحَسَّسِيه، إنه جزء من امرأة جميلة رائعة، فلابد أن يكون هو الآخر رائعا. سيدتي لا بثورك ولا حواجبك الكثيفة ولا هالاتك السوداء تفسد جمالك، سيدتي لا الخطوط على جسدك ولا آثار الولادة القيصرية على بطنك توقف تدفق هرموناتك الأنثوية.

اربطي شعرك و تمعني جيدا في كل جزيئة من وجهك الجميل، امرأة جميلة أليس كذلك!! اخلعي ملابسك، أغمضي عينيك وتحسسي ذراعيك، نهديك وعنقك، تحسسي كل جزء من ذلك الجسد الذي طالما رفضته و أقصيته، تحسسي آثار الولادة القيصرية، ارفعي رأسك و انظري في المرآة ثم كرري "رائعة أنا"، اجلسي في العتمة وأنصتي لهمسك بهدوء، مارسي الحياة، اكسري كل القوالب التي وضعها المجتمع لا تدعيها تفسد حياتك، انزعي كل تلك الملصقات التي طالما ألصقت على جباه النساء، كفي عن تشييء نفسك.
 

لا الشعر الأسود ولا الأشقر، لا البشرة البيضاء ولا السوداء، لا العيون العسلية ولا الزرقاء ولا حتى الخضر، لا الجسم الممشوق ولا البدانة ولا الأرداف الممتلئة، لا طول القامة ولا قصرها تجعل منك إنسانة جميلة، إنما هو حبك لنفسك تماما كما أنت، إنما هو رقيك، طهارة قلبك، نقاء ضميرك، روحك المرحة، أدبك وعلمك وثقافتك هي ما تجعل منك سيدة جميلة، سيدة تسعى جاهدة لتطوير نفسها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.