شعار قسم مدونات

لغة أهل الفيس

blogs - facebook
يرتاح القارئ للأسلوب البسيط في الكتابة، ويضوج من التعقيد، ويمل أيضًا من اللف والدوران، ويريد يوصل بكل مقال مكتوب إلى آخر سطر بأقل وقت، لهذا كثير من الكتّاب والمنظّرين في الشأن العام – وخاصة في الشأن السياسي – لم تجد أطروحاتهم الفكرية وآراؤهم الإصلاحية طريقها إلى أنظار الناس وأسماعهم بالشكل اللي كانوا يطمحون له، والسبب هو ليس اعتمادهم على أساليب تقليدية وطرق قديمة في نقل أفكارهم ورؤاهم فحسب، بل لاستخدامهم اللغة الفصحى التراثية، تقرأ لهم وكأنك تقرأ شعرًا لأبي تمام أو المتنبي.. وحديثي هنا في الشأن السياسي تحديدًا.

طبعًا لا ننكر فضل هؤلاء الكتّاب في تحليل أسس النظام الديمقراطي، ولا نقلل من سعيهم في إيجاد طريق لهذا النظام، لكن اعتمادهم على كلمات غير دارجة وجمل مقعدة وعبارات مزركشة، جعلت من تلك الأفكار حبيسة التفاعل اللحظي، لهذا يمكن القول أنها لم تؤثر فينا تأثيرًا فعليًا، صحيح أننا ممكن أن نهتز لها ونتفاعل مع كاتبها، لكنّ هذا الاهتزاز وهذا التفاعل ظاهرة شكلية أو وقتية ليس إلا، بدليل سرعان ما يزول تأثير ذلك التفاعل وينطفئ جذوته في أذهان الناس.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل حقًا لغة المقالات أو التدوينات اليوم باتت تنفر منها القراء؟ وهل المفسبكين على حق عندما انحازوا إلى الألفاظ العامية المناوئة للفصحى؟!

والشيء بالشيء يذكر؛ اليوم وفي ظل انتشار الهوس بمواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت المشكلة تزداد تعقيدًا، لان الجمهور هو اللي يقيم مضمون تلك الكتابات، وهو اللي يتحكم – عن طريق تفاعله مع تلك الأفكار – بالسلب أو الإيجاب، باختصار الجمهور هو الحكم.

في الغالب يميل جمهور مواقع التواصل الاجتماعي إلى المنشورات المقتضبة والعبارات المشحونة. لا بل أنهم يحبون المفردات العامية، ويعشق البعض منهم "الجلفي" أو لهجات القرى والريف العراقي، طبعًا من الظلم تسمية اللهجة العامية بـ "الجلفي" ، العامية لغة العامة، وهي مناسبة للاستخدام في وسائل الإعلام باعتبارها إحدى تقنيات التواصل اللغوية. لهذا بعض نجوم التواصل الاجتماعي – أو الكُتّاب المفسبكين – استطاعوا أن يستغلوا هذا الحب وهذا العشق، بأن يجعلوا كل كتابتهم الفيسبوكية باللهجة العامية – أو بالجلفي أحيانًا – حرصًا على تفاعل الجمهور مع كتاباتهم؛ الجمهور الباحث عن المتعة واللاهث وراء الدهشة، فاستطاعوا أن يضيفوا إلى مدارك متابعيهم مفاهيم ديمقراطية جديدة، باستخدامهم مفردات قريبة من الذائقة الأدبية لعامة الناس.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل حقًا لغة المقالات – أو التدوينات – اليوم باتت تنفر منها القراء؟ وهل المفسبكين اليوم على حق عندما انحازوا إلى الألفاظ العامية المناوئة للألفاظ الألفاظ الفصحى؟! لكنّ السؤال الأكبر ما الذي يجعل جمهور مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعل مع تلك المنشورات أو الكتابات بشكل مختلف عن تفاعله مع المقالات أو التدوينات؟ ألا يدعونا كل ذلك في التمهّل واعادة النظر إلى لغة التدوين، تلك اللغة التي تهتم بالرتابة الأدبية، فيما ينحصر توجيهها إلى فئات معينة من المجتمع؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.