شعار قسم مدونات

معجزة الحرية

dove
كنت أسير بين زوايا وطني، فأرى علامات الشيب تظهر على وجوه شبابٍ قد هرموا وهم لم يتجاوزوا الثلاثين من عمرهم، حينها عرفت معنى "شاب وهو شباب" كنت أسير فأرى الحزن في عيون الثكالى والأرامل، وأرى الدمع لامعًا بين الجفون، أرى الدمع يسيل على خدود الأطفال الحريرية، وأعلم أنه كلما سقطت دمعة من أعينهم، تسقط معها مكانة مائة حاكم، أرى أبا يتحدث مع نفسه! يتساءل كيف أستطيع تأمين مستقبل أبنائي؟ أسير فأحن إلى وطني قبل أن يغطيه الظلم.
 

ثم أتساءل في نفسي: متى سيلتئم جرحك يا وطني؟ متى سيشبع الظالمون من الدماء؟ متى سيتوقف ذاك النزيف الذي كاد يُميت؟ لكن سرعان ما كان يأتيني يقينًا بأن النصر قادم لا محالة، يأتيني يقينًا بحدوث معجزة تغير مجرى التاريخ، قد كان يقيني محاربًا لعبارة اليأس "المعجزات انتهت منذ زمن الأنبياء" تلك العبارة التي تحمل بين حروفها جُلّ معاني الإحباط، حاربتها بكل ما أوتيت من قوة، حاربتها بيقيني الذي كان يحدثني دومًا بأنه لابد من حدوث معجزة ما، لابد من حدوث معجزة الحرية، لابد من يومٍ ترتوي فيه زهور بلادي بالماء بدلًا من الدماء.
 

أعلم ان تلك المعجزة تأخرت، ولكنها ستحدث يومًا ما، ربما لا أشهد هذا اليوم ولكنه سيأتي حتمًا، شاء الظالم أم أبى، سيأتي سيتحقق حلمي، ويهتف العالم أجمع بحدوث تلك المعجزة الكبرى، حينها ستعم الفرحة الأوطان.

لابد من نصرٍ سيأتي مُعمراً ما أفسدته الحروب في وطني، وها أنا أكبر ويكبر معي حلمي حلم معجزة الحرية. حلم أن أرى الأمن والعدل يسود أوطاننا. حلم أن يأتي الصباح على وطني بلا طاغٍ يحكمه، ويشرد أبنائه، وينهب خيراته، حلم أن يأتي الصباح على وطنى فلا يزيغ عنه الأمن ولا العدل، وطن تسود فيه رائحة الياسمين واللافندر، لا رائحة الشظايا والقذائف، وطن يقربنا من السعادة لا الموت.
 

وطن به أنهار صافية لذة للشاربين، لا أنهار دماءٍ رعبٍ للناظرين، وطن يعم فيه البهجة لا الهرج. وطن تُباع فيه الشموع لا تُلقن فيه دروس في كيفية الهروب من الظلام، وطن يحصد من أراضِيه زرع لا جثث، وطن تُشيد فيه المدارس لا السجون، وطن لا تُهدم فيه المساجد، ولا تُنتهك فيه الحرمات، وطن تُقدّس فيه الورود لا تُقذف بالقنابل، وطن لا تزهق فيه روح، ولا يزهق فيه إلا الباطل.
 

الوطن الحر هو أملنا المنتظر، هو حلمنا بعد تلك الثورات التي أصبحت مجرد ذكرى، الوطن الحر هو حلمي وحلمك، وحلم كل البشرية، هو الحلم الذي اتفق عليه كل الأحرار، وسعوا ويسعون وسيسعون إليه بكل قوتهم، الوطن الذي أضحى معجزة يشك البعض في حدوثها، لكنها ستحدث. فلنترك الشك وسوء الظن اذًا، ونتفكر في قوله تعالى "ألا إن نصر الله قريب" هذا وعدٌ رباني، ولن يخلف الله وعده، سننتظر، وستحدث المعجزة.
 

أعلم أن تلك المعجزة تأخرت، ولكنها ستحدث يومًا ما، ربما لا أشهد هذا اليوم ولكنه سيأتي حتمًا شاء الظالم أم أبى، سيأتي سيتحقق حلمي، ويهتف العالم أجمع بحدوث تلك المعجزة الكبرى، حينها ستعم الفرحة الأوطان، حينها سيُخذل كل ظالمٍ بظلمه، وسيُعاقب كل جانٍ على ما جنى، حينها سيعود كل لاجئ إلى موطنه، ويعود كل مغتربٍ إلى أحضان أرضه، ويحرر كل أسيرٍ، ويتزين الوطن استعدادا لعُرس الحرية، حينها سيفتح الوطن أبوابه مستقبلًا الثوار المنتصرين، حينها ستعود الروح إلى الأوطان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.