شعار قسم مدونات

شذرات من واقعنا المرير

blogs - صحف عربية
1- صحافة الرصيف
حوادث السير، جرائم الاغتصاب، السرقات المسلحة، لقطات العهر والفضائح، أخبار أهل العفن، الصراعات السياسية، عناوين تختزل اهتمامات صحفنا الوطنية، وتجعل الصورة السوداوية التي تشكلت في ذهننا عن هذا الوطن المغبون تزداد قتامة.

هل حقّا بتنا نحيا بين وحوش بشرية، وذئاب مسعورة، غاية مناها إشباع شهوتها، وتحقيق مُتَعها المريضة؟ هل تجردنا من كل حسّ إنساني وباتت قوانين الغاب تحكمنا؟

لماذا صحافة الرصيف تتناسل بيننا كخلايا سرطانية مع رداءة منتوجها شكلا ومضمونا؟ هل نلومها أم نلوم من يقتفي أثرها ويشجع على استمرارها؟ وهل هي فعلا مرآة لهذا المجتمع الكئيب الذي اندحرت فيه كل القيم الإسلامية الجميلة؟ أم أنها مرآة تعكس واقعا يريدوننا أن نصدقه فنعيشه ونتعايش معه؟

شعور بالغثيان يعتري كل ذي مروءة وهو يتابع البرامج الاجتماعية التي تقتات من جراح الفئات المعوزة، وتُمْعن في سرد مآسيهم بطريقة استعراضية تشي بخبث عميق للجهاز الإعلامي.

هل خلا المجتمع من أهل الفضل والخير، وهل جفّت ينابيع الكلمة الطيبة ومواضيع الأدب والجمال الحقيقي التي تحفز على الحياة والعطاء؟

هل نقاوم هذا التيار الجارف رغم ضعفنا، أم نلوذ بعزلة تحمينا من هذا العبث وتنقذ ما تبقى من خير فينا فنعضّ على أصل شجرة حتى يأتينا الموت؟

2- شغب الملاعب
أحداث الشغب التي تشهدها الملاعب الرياضية كل حين، خير شاهد على الأزمة الأخلاقية التي يعيشها هذا الجيل، أزمة بتنا نشهد الكثير من فصولها في بيوتنا ومدارسنا وشوارعنا العمومية. روح تدمير مقيتة تتملك هؤلاء القاصرين والشبان، فتستحثهم على المرور على كل جميل مرور الجراد على الحقول الخضراء. أرواح باتت معلقة في حبّ المستديرة تدور معها كالرحى في متاهة لا قرار لها.. عقول مغيّبة بأفيون هذا العشق، وقلوب مستهترة ترنو نحو السراب الذي يسمونه "نصرا"، وكأنها ستحطم بعده حصون القهر والاستبداد، وتتربّع فوق عرش المجد والخلود!

حوادث الشغب عنوان صادق وصادم عن السنوات العجاف التي تنتظر الأمة أن تحياها في ظل جيل همّه الأوحد إشباع غريزته وشهوته، والانتصار لفريقه لا الانتصار لأمته..

طالما لا نعرف كيف نلعب كما الأمم المتحضرة فلنوقف هذه المهازل ولنمنعها عن صبياننا وشبابنا حتى يفقهوا قواعدها!

3- مراسم العزاء
تجردّت مراسم العزاء من كثير من معانيها الوعظية، وبات حضورها طقسا عاديا في عُرف كثيرين، يقصدونها كما يقصدون حفلا من حفلات السمر، فتراهم يتجاذبون أطراف الحديث التافه بعيدًا عن الاتعاظ بحدث الموت، وينخرطون في الضحك والقهقهة وتذكر المواقف الطريفة وهم في بيوت العزاء، دون مراعاة لمشاعر المكلومين من أهل البيت. والأدهى والأمرّ تلك الولائم التي تُهيأ في ليلة الوفاة والتي ينسقها ممون الحفلات كما ينسق ولائم الأفراح والأعراس. فهل تبلّدت حواسنا فما عادت تؤثر فينا نوائب الدهر؟

4- مسابقات الغناء
طوفان مسابقات الغناء التافهة كما ابتلع كثيرا من شباب الأمة ورمى بهم في دوامته الساحقة لكل قيم الفضيلة الماحقة لكل ذرات الحياء، بدأ يلتف على أطفالها، في مخطط صهيوني مُمَنْهج مُمعنٍ في كسرها، وتوجيه أنظار أطفالها وشبابها لكل ما هو غثٌّ وحقير. أمرٌ مثير للأسى أن تُبصر الآباء والأمهات يصطحبون هؤلاء الصغار ليتنافسوا كالبُلَهَاء على أجمل صوتٍ، كأننا نغرس في نفوسهم الصغيرة أن طريق المجد والنجاح يبدأ بأول نعيقٍ تطرب له تلك القلوب اللاهية العابثة، ويزكّيها إعلام فاجر ناقم عن الإسلام ومبادئه.

فأيّ خير يرتجى من أجيال جلّ همها الظفر بمقعد يكفل لها شهرة مزيفة، ويدرُّ عليها أموالا تعتقد فيها خلاصها ونجاتها وما هي إلا طوق يمعنُ في اقتيادها بِذُلٍّ في سبيلٍ شيطانِيّ قذِر؟

5- وقاحة
شعور بالغثيان يعتري كل ذي مروءة وهو يتابع البرامج الاجتماعية التي تقتات من جراح الفئات المعوزة، وتُمْعن في سرد مآسيهم بطريقة استعراضية تشي بخبث عميق للجهاز الإعلامي اللاهثِ خلف رفع نسب مشاهدته بعيدا عن أية أخلاقيات مهنية. لكن الغريب والمقزز في الآن نفسه تلك الجرأة التي تلمسها في الحاضرين الذين لا يجدون غضاضة في كشف أسرارهم وفضح أسرهم والتنكيل بماضيهم. فرحماك ربي من هذا العبث!

تنتابك حالة من التذمر والحسرة وأنت تتابع برامج الترفيه والتثقيف في وسائل إعلامنا العربي، فقد استبدَّ التَّوافه بالشاشات الصغيرة، وغدتْ اللهجات العامّية والسوقية لغة الإعلام العربي.

6- آلة التصوير
حين تغدو آلة التصوير بأيدي سفهاء، لا عقل يوجههم، ولا شرع يزجرهم، ولا خُلق يضبط سلوكاتهم، فتوقع أن تتناسل على مواقع التواصل "فيديوهات" تخدش الحياء، وتقتحم الخصوصيات، وتزيّف الحقائق، وتُحيل حياة الضحايا إلى كوابيس تفتك براحتهم، وتدكّ حصون أمنهم.. بل الأدهى والأمرّ حين توثق للحظات الموت بدمٍ بارد، وتنقل لحظات الانتحار بشكل بشعٍ يحكي الاحتضار التام لكل القيم الإنسانية.

7- سخافة
كثير من الجلسات النسائية تعتريها السطحية وتُغلّفها التفاهة، فجُلّ حديثهن تقصٍّ لأخبار فلان وفلانة، وتتبع لمسار حوادث شخصية الهدف منها التفاخر والتباهي أكثر من الاعتبار والنصيحة، فرصة ثمينة تغتنمها كثيرات لاستعراض ما احتوته خزائِنُهن من ملابس وإكسسوارات، وغنيمة كبرى أن يتزامن الحدث مع موضوع نسوي شائك كطلاق أو نزاع حيث تكثر النصائح والتوجيهات المجانية. وإن حدث وتكلّمْن في الدين أو السياسة مرّوا مرور الكرام وأداروا دفّة الحديث على عجلٍ بقولهن "دعونا من هذا الآن".. لذا أجدُني أتجنبها ما استطعتُ إلى ذلك سبيلا.

8- مكْر
تنتابك حالة من التذمر والحسرة وأنت تتابع برامج الترفيه والتثقيف في وسائل إعلامنا العربي، فقد استبدَّ التَّوافه بالشاشات الصغيرة، وغدتْ اللهجات العامّية والسوقية لغة الإعلام العربي، مع انحطاط فاضحٍ في المستوى الأخلاقي وتدنٍّ مخيف في الجانب المعرفي يجعلانِكَ تتأكد أن عالمنا العربي الإسلامي ضحية سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير أجيالنا، وللأسف نجحوا في ذلك، إذ غدتْ النجومية الصاعدة على أنقاض القيم والأخلاق ديدن أجيال اليوم. والله المستعان.

9- الديوث
حين تقترنُ الدياثة بالذكورة فلا تسلْ عن الرجولة.. مناظر تثير الاشمئزاز تلك التي تعج بها كثير من المنتجعات الصيفيىة -حتى العائلية منها-، ترى الأم والبنات بملابس المسبح والأب يتقدمهم ويقودهم مسترخصا عرضه، غير عابئٍ بالناظرين، بل تراه ضاحكا ملْءَ فِيهِ ممازحا "حرمه المصون".

فأين هؤلاء من غيرة الصحابة الكرام التي تعلموها من غيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ أين هؤلاء من قول الإمام علي رضي الله عنه: "أما تغارون أن تخرج نساؤكم؟ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج". 

بل لِتبكي النساء غيرة وأسفاً حين تسمعنَ عن غيرة سعد رضي الله عنه وهو يقول "لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه على آله وسلم فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَ الله لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَالله أَغْيَرُ مِنّي".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.