شعار قسم مدونات

طموح الأنثى العربية

blogs - مرأة عربية
يستفزني استخدام البعض لكلمة "شريكة" عندما يصف زوجته وهو لا يفقه من الشراكة شيئا، فزوجته فقدت كيانها الإنساني لحظة زواجهما؛ فقدت طموحها الوظيفي لحظة زواجهما؛ فقدت قدرتها على القرار والتحرك وتحولت من إنسانة مستقلة إلى ملحق إنسان؛ أو بالأصح موظف بدون امتيازات في مؤسسة الزوج العتيدة، ماذا يفقه بعض بل معظم الرجال في مجتمعاتنا عن الشراكة الزوجية سوى مسؤولية الزوجة عن كل شيء داخل حدود بيته ومسؤوليته في حدود عمله، ماذا يفقه معظم الرجال عن دور المرأة في المجتمع سوى الإنجاب والتربية. الصورة النمطية التي تحتل عمق ثقافتنا التربوية العربية والمقولات الجاهلية التي نكررها في آذان الأنثى منذ طفولتها تجعلها جاهزة للتحوّل إلى كَيَان تابع أو مملوك للزوج لحظة زواجهما لا كيان شريك وأساسي في بناء عائلة طبيعية، في بيئة طبيعية!

عزيزتي الأنثى "الطموحة".. يتحول المجتمع الطبيعي المتوازن إلى مجتمع ذكوري خالص تذوب فيه أدنى حقوقكِ؛ ليس نتيجة لسلطة الرجل القاهرة بالمقام الأول، بل نتيجة لتنازلكِ عن طموحاتكِ وتنازلكِ عن المشاركة بشكل فعّال في تنمية محيطكِ وبيئتِك، أما عن اعتقادكِ بأنّ أولادك بحاجة لك في كل دقيقة وكل ثانية وأن التربية هي وظيفة تحتاج إلى تفرغ فهذا منطق فقير وأعوَج على أقل تقدير.

لست أجرؤ على تصنيف المرأة العاملة بقيمة أعلى من غيرها أو العكس، لست باحثا نفسيا.. ولا مناضلا متطرفا في الحقوق الاجتماعية، أنا أرى.. أسمع.. أفكّر ثم أتفاعل.

أنا ابن أم عظيمة، أكبر مصدر فخر واعتزاز لي، طبيبة أسنان تعمل لثمان ساعات يوميا وهي أم لستة أطفال، بدوام صباحي ومسائي؛ أما أبي فيعمل مستثمرا في قطاع التعليم وأيضا بدوامين صباحي ومسائي، هل يؤثر ذلك على الأطفال من ناحية دراسية أو تربوية، نعم يؤثر بشكل إيجابي جدا، تسألني كيف؟ أقول لك أن جميعنا "الأبناء" متفوقون دراسيا ولله الحمد؛ وعندما أعود بالزمن إلى طفولتي أشعر بالامتنان لأسلوب تربية أعطاني مساحة للاختيار والقرار والتعلّم من خياراتي برقابة مباشرة في عمر مبكر جدا.

نعم.. كنت أسمع مقولات من البيئة المحيطة بنا عن تربية الخادمات وغيرها وكنت أعتبرها مضحكة وتُثير شفقتي فعلا لقائليها، فمَع أن بيتنا لم يخلو من خادمة إلا أنني بالكاد أذكر إحداهُن، فلا تسيطر الخادمة على دور وقيمة الأم في التربية إطلاقاً إلا بعد ان تتخلّى هي عن دورها، سواء كانت عاملة ومخلصة لعملها أو متفرغة في البيت تلهو في حياة اجتماعية تافهة بعيدة عنهم.

أنا شخص يؤمن بأن عمل الأم "مهما كان" له أثر كبير على الأبناء، فهي تصنع قدوة حقيقية وليست "نظرية" أمام أبنائها بل ونموذج مثالي لقيمتها الفعّالة في المجتمع، بالإضافة إلى أنها تمنحهم مساحة مستقلّة لتستطيع أن تقيّم قراراتهم واتجاهاتهم منذ مراحل مبكرة جدا وليس كما هو حال معظم شباب اليوم الذي لا ينفصل اعتماده عن والديه إلا بعد وصوله إلى المرحلة الجامعية؛ بالإضافة إلى أن العمل مهما كان سيرفع من مستوى نضجها وتفاعلها وتفهّمها للمجتمع بشكل كبير جدا وبالتالي يكسر حواجز كثيرة بين الأم والأبناء في كل المراحل العمرية خصوصا المتأخرة منها، فتلك المنظومة العائلية المثالية التي تضع الأم في منصب المسؤول المشترك عن العائلة وليست مجرد فرد تحت رعاية الزوج مثلها مثل الأبناء، هذه المنظومة هي التي تصنع في عقل الأبناء أعظم قيمة حب.. احترام.. تقدير وتعظيم للأم؛ الأعظم على الإطلاق.

كلمة ختامية..
لست أجرؤ على تصنيف المرأة العاملة بقيمة أعلى من غيرها أو العكس ولم أفعل ذلك في حياتي، لست باحثا نفسيا ولا أحد جهابذة العلم التربوي ولا مناضلا متطرفا في الحقوق الاجتماعية، أنا أرى.. أسمع.. أفكّر ثم أتفاعل، ما أشاركه هو مجرد رأي خاص عن واقع أعيشه سأكتب عنه الكثير لاحقاً، دمتم بعقل يا سادة.. ضد التيّار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.