شعار قسم مدونات

شراء ما لا تحتاج بما لا تملك

BLOGS- شراء
يعتبر مؤشر مبيعات التجزئة من المؤشرات ذات الدلالة على النشاط الاقتصادي بشكل عام. ويأخذ المستثمرون هذا المؤشر بعين الاعتبار عند اتخاذ القرارات الاستثمارية بكونه يشتمل على دلالات تتعلق بتوفر السيولة وتسهيل الائتمان وتحفز الرغبة الإنفاقية لدى الناس.
 

ومن أهم الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار في سوق التجزئة أن الغالبية العظمى من زبائنه هم من الطبقة الوسطى فما دون. ووفقا لقاعدة باريتو فإن 20% من الناس يملكون 80% من الثروة في حين أن 80% من الناس يمتلكون 20% من الثروة، واستنادا عليه فإن غالبية زبائن التجزئة هم بالضرورة من الـ 80% الذين يملكون 20% من الثروة، لذلك يعتمد سوق التجزئة بشكل رئيس على التسهيلات الائتمانية الاستهلاكية الممنوحة للأفراد من أجل الحصول على حاجيات حياتهم وتحسيناتها.
 

تعتبر الأسواق الناشئة ومنها أسواقنا العربية لاسيما الخليجية؛ من أهم أسواق التجزئة على الصعيد العالمي، وذلك لتوفر السيولة والرغبة لدى الزبائن في الإنفاق على السلع. ومن المهم ذكره أن سوق التجزئة عبر الإنترنت أصبح يشكل جزء كبيراً من تجارة التجزئة العالمية.
 

البطاقات الائتمانية تعمل وفقا لنظام محوسب أعمى لا يفرق بين الإنفاق الضروري والحاجي والتحسيني. فمن ينفق من بطاقة الائتمان على علاج طبي ليس كمن ينفق على وجبة طعام في مطعم فاره.

وما دام الأمر متعلقا بالطبقة الوسطى وما دونها، يبرز التمويل الاستهلاكي أو التمويل الشخصي كعنصر فعال في تحفيز تجارة التجزئة. وتعتبر بطاقات الائتمان من أبرز أساليب التمويل الاستهلاكي في أيامنا هذه، حيث تسعى البنوك الإسلامية والتقليدية إلى ترويجها بكافة الطرق الجهنمية على عملائها. فلا يكاد يخلو شارع رئيس أو واجهة بناية عالية من إعلان عن بطاقة الائتمان لبنك ما. ولسنا هنا بصدد الحديث عن خفايا ودهاليز بطاقات الائتمان التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم المالي والمصرفي، بقدر ما نحن بحاجة إلى تأمل الجانب الإسرافي لبطاقات الائتمان.

من المحتمل أن يكون هناك حاجة لبطاقات الائتمان لأنها توفر تسهيلا عظيما في الحصول على المال في الزمان والمكان المحددين، وضمن السقف المحدد. لكن هذه العظمة ربما تتحطم على أبواب الشهوات فيصبح الإنسان مفرطا في الإنفاق على أشياء تحسينية وربما ترفيهية في حياته، فيصبح مدينا مقابل الحصول على تلك الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها.
 

ولست هنا لأصدر فتوى فقهية لتحديد ما يجب إنفاقه مما لا يجب إنفاقه لأنني ببساطة لست فقيها. لكني أكاد أجزم أن من تتاح له الأموال على سبيل الدين بسهولة يمكن له أن يتحول من القصد في الإنفاق إلى التبذير، وذلك تبعا لشهوات النفس البشرية. فمن هو المسئول عن التبذير المتعلق بالبطاقات الائتمانية؟
 

ربما يظن البعض أن المسؤولية تلقى على عاتق البنوك، وهذا فيه إجحاف بالبنوك. نعم هي تتحمل جزء كبيرا من المسئولية لكن ليس كلها. ومن مسؤولياتها أن الإسراف في التمويل الاستهلاكي لا سيما المتعلق بالبطاقات الائتمانية يسهم في تضخم الأسعار، مما يسبب الحرج ليس لشريحة حاملي البطاقات وحسب، بل للمجتمع بأسره، وربما يضر بشكل أو بآخر بالمقصد الشرعي الضروري المتمثل بحفظ المال.
 

ولنا في فقاعة بطاقات الائتمان الأمريكية خير دليل، حيث يعيش الكثير من الأمريكان فقط ليسدد فواتير البطاقات، في الوقت الذي بلغت فيه ديون بطاقات الائتمان في العام 2008 قرابة تريليون دولار!! فأين بنوكنا المركزية من مثل هذه الفقاعات في ظل الإقبال المحموم من قبل البنوك على ترويج بطاقات الائتمان؟

نحتاج إلى حملات توعية مستمرة لحملة البطاقات للتنبيه على عواقب حملها وأساليب التعامل معها حتى نصل به إلى حالات "لا يقتنيها ولا يقتنيها".

أما الجزء الآخر من المسؤولية فيتحمله حامل البطاقة، وذلك لأن البطاقات الائتمانية تعمل وفقا لنظام محوسب أعمى لا يفرق بين الإنفاق الضروري والحاجي والتحسيني. فمن ينفق من بطاقة الائتمان على علاج طبي ليس كمن ينفق على وجبة طعام في مطعم فاره! وفي كلتا الحالتين هناك رسوم باهظة توضع على كاهل حامل البطاقة جراء استخدامها، ورسوم أخرى تفرض عليه حتى وإن لم يستخدمها "رسوم الإصدار السنوية".
 

إننا نحتاج إلى ضبط ممارسات البنوك في ترويج البطاقات ومنحها، وذلك من قبل السلطات المختصة أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني مثل جمعيات حماية المستهلك، وهنا لعلني أسوق مثالا على إعلان لأحد البنوك الإسلامية كان موضوعا على مساحة إعلانية في إحدى العواصم الخليجية وكان عليه صورة "جيت سكيينج" "للتزلج البحري" وبجانبه بطاقة ائتمان وكتب من تحتهما: "اقتنها لتقتنيها"!
 

ومن جهة أخرى نحتاج أيضاً إلى حملات توعية مستمرة لحملة البطاقات للتنبيه على عواقب حملها وأساليب التعامل معها حتى نصل به إلى حالات "لا يقتنيها ولا يقتنيها" أو "يقتنيها ولا يقتنيها" على أقل تقدير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.