شعار قسم مدونات

المجد لمن قال "لا"

blogs- صحفي
إنّ شهادتك، شهاداتك، وصف مثقف أو دارس، مهنة صحافي أو أي مهنة أخرى لهي أشياء تكميلية لا غير، فيما القيم التي تحمل سواء تلك الأخلاقية أو المهنية هي فعلا ما يجعلك تستحق وصفا من الأوصاف ورتبة ما من الرتب. تواجدك في بيئة تقنن حرية التعبير والحريات عموما، تسنّها وتعاقب أّول مطبّق لها، أمر لا يعني أن تكون خاملا خوّافا متنصّلا من مهامك وواجباتك نحو نفسك، وكحق وواجب نحو غيرك.
 

ينشغل الرأي العام في الجزائر بما تريده الأجندة، أجندة قادته وهم على الأرجح مسئولون برتب رفيعة حتى مديري صفحات فييسبوكية، لست من مناصري نظرية المؤامرة خصوصا في عصر كهذا، لكن الرأي يقاد ويعبر البوابات وحرّاسها وهذا واقع لا مهرب منه، في الآونة الأخيرة، لو تسأل جزائريا ما عن الاستاذة صباح لسرد بإطناب؛ هي كذا وكذا وفعلت كذا، لكنك لو توجه ذات السؤال عن الصحافي محمد تامالت ستعرفه قلة وتتغاضى عنه ألوف وليس هو بالمستهدف شخصيا، وإنّما لا تشمله الأجندة فقط، وقد تعودنا ها هنا على الأجندات حتى صيرناها قدرا محتوما، كل ما يخرج عنها مكروه وما هو منها محبوب مرغوب في صالح الوطن، في صالحه رغما عن أنفك ويجب أن تتفاعل معه كفرد من القطيع.
 

في مواقف كثيرة هنا بدل أن يبني الصحافي هدّم نفسه، بدل أن يكون مهووسا بحقوق وحريات الناس صار جبانا حتى استأسدت عليه الإعلانات، جعلته عاريا من كل شيء حتى من قيمة الرحمة.

محمد تامالت صحافي وشاعر جزائري مقيم ببريطانيا، اشتهر بنقده "اللاّذع" للسّلطة الجزائرية ممثلة في رئيس الجمهورية والوزراء، على رأسهم الوزير الأول، وبجرأته في تناول حياتهم الخاصة، ما يسمّى عند البعض بالنقد "اللاّذع" هو مجرد ممارسة لمهنة الصحافة في أبسط مسمياتها، ولكن من اعتاد الخضوع والهروب من مسئولياته المهنية يتجنب الخوض في هذه المسائل، حتى استحال كل من يخوض فيها غريبا متهما بالمشي في تيار "خالف تعرف".
 

لطالما كان هذا النمط من التفكير مثيرا للغثيان، حبس تامالت بعد عودته للجزائر قادما من بريطانيا بعد وعود بعدم المتابعة القضائية عند دخوله الجزائر لقاء الكف عن التعرض لشخص الوزير الأوّل، وجاءت هذه الوعود من قبل عبد المالك سلال عن طريق النائب في البرلمان حسين عريبي حسب رواية الصحافي سعد بوعقبة في عموده بجريدة الخبر الجزائرية.

غير أنّ تامالت اعتقل بعد ثلاثة ايام من قدومه من طرف مصلحة حلّت ولم تعد تنشط كضبطية قضائية، ثم قدّم لوكيل الجمهورية الذي أودعه الحبس الاحتياطي رغم أنّ المواد القانونية التي توبع بشأنها لا تستدعي الحبس الاحتياطي إضافة إلى الدستور الأخير الذي يمنع سجن الصحافيين بناء على خلفية ارتكاب جنح القذف، ثم تم الحكم عليه بسنتين سجنا نافذا وغرامة مالية بتهمتي إهانة هيئة نظامية والإساءة إلى رئيس الجمهورية، مما جعل هذا الأخير يدخل إضرابا عن الطعام تواصل لغاية تدهور حالته الصحيّة و دخوله للعناية المركزة.
 

المحيّر هنا في مثيلات هذه القضايا ليس تسلّط السلطة ولا عدم احترام الحريات ولا سجن واعتقال الذين ينادون بها، المحيّر هو ردّة الفعل، ولست هنا أحرّض الموتى بل ألومهم، إذ كيف لممتهني سلطة رابعة لا بل سلطة أولى أن لا يقفوا وقفة رجل واحد إزاء من يلعب بحرياتهم كأفراد أوّلا مهما كان من يكون؟ أين الذين يتغنون بيننا ليل نهار بخبرتهم في المجال الصحافي وهم في قضية بسيطة لزميل لهم يخرسون وتذهب ريحهم؟ من جعل الصحافة راكعة فيما كان دورها دوما التركيع، من لا يؤمن بأنه أكل يوم أكل زميله الناقد اللاعب بالنار؟، أين هم مناصرو صباح الذين نصروها حتى بالقصائد؟
 

في قضية الأستاذة صباح أطلّ إعلاميون وصحافيون علينا بصدور عارية تفديها وتفدي فعلتها، لكننا في قضية محمد تامالت لبسنا الأكفان حتى لا يصيبنا ريح ولا اشتباه ريح ولا يخرج منا حتى!، لكن العورة عورة فعل ولو تغطينا بالتراب.
 

مهنة الصحافة للشجعان، للذين يعرفون حق وقدر القلم، وقبله حق وواجب احترام حرية الآخر، فما بالك لو كان هذا الآخر صحافيا؟ في مواقف كثيرة هنا بدل أن يبني الصحافي هدّم نفسه، بدل أن يكون مهووسا بحقوق وحريات الناس صار جبانا حتى استأسدت عليه الإعلانات، جعلته عاريا من كل شيء حتى من قيمة الرحمة، أين هم من صدعوا رؤوسنا بنعت الصحافي القدير والكبير والمخضرم؟، أين هو الإعلامي فلان؟ أين هي القنوات الأولى بثا وجماهيرية؟ من يملك وقتا لكل الألقاب والنعوت لن يملك وقتا للدفاع عن الحريات.
هذا المقال قد يتبع …ربما

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.