شعار قسم مدونات

سنة جديدة.. أية تساؤلات؟ (1)

blogs- 2017

لو طرح حاليا سؤال واحد في مختلف بقاع هذه الأرض، حول الذي يجري في العالم، لوجدت ربما، في هذه الظرفية الراهنة، أجوبة متقاربة. فرغم اختلاف الأحداث والأوضاع، وتباعد زوايا النظر والمقاربات، يكاد الكل يجمع على أن هناك تغيرا يحدث، وعهدا جديد بصدد التشكل.

بمجرد اتضاح هوية الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية، خرج الرجل الثاني في حزب الجبهة الوطنية اليميني الفرنسي "المتطرف" فلوريان فيليبو" بتصريح، يقول فيه حرفيا أن "هناك عالم ينهار، وعالمنا في صدد التشكل". حسب فيليبو، النظام العالمي الذي بني على أنقاض الحرب العالمية الثانية يتساقط، ليفسح المجال لعودة الروح القومية الوطنية المنغلقة، القلقة على هويتها.
 

كل منصت لحكايات التعايش بين الأديان والثقافات في العالم الإسلامي تجعله مؤمنا بأن هذه المنطقة قادرة على تقديم نموذج قيمي وأخلاقي يساهم في اجتراح مسارات قادرة على إصلاح العجلة الحضارية.

إنه واقع متغيرٍ ومتسارع نفتتح به السنة الجديدة، يشهد فيه العالم اختلالا لمنظومته السياسية والثقافية والأخلاقية. واقع، تسارعت فيه الأحداث والأزمات، كاشفة بذلك مدى هشاشة المنظومة الغربية وضعف قدرتها على التحكم في نظمها الاجتماعية والثقافية. يشير فرانسيس فوكوياما في مقاله الأخير، إلى أن العالم يشهد انهيارا للقيم الديموقراطية بمفهومها الليبرالي، فاسحا المجال للمزيد من التعصب القومي والشعبوي، الذي يهوي بشكل متسارع حسب رأيه، بالنظم والقواعد التي بني عليها هذا العالم.
 

لقد أصبح الغرب في عصر عودة القوميات الحالي "Age of identities" عاجزا عن إدارة فضائه الاجتماعي وتنوعه الثقافي "Multiculturalism crisis"، وشهد تصاعدا لظواهر مثل الإسلاموفوبيا. فأصبح جليا أن العالم في حالة مخاض -بالرغم من أن هذا النقاش ظل قائما لعقود بين الأوساط الأكاديمية-، ينتظر انبثاق منظومة جديدة بديلة/ مُصَلحة لسابقتها المترهلة، ولكن يبقى التساؤل الأجدر، ما موقعنا من كل هذا الذي يحدث؟ أين العالم العربي من هذا التغيير؟

ربما أسَال عالمنا العربي الكثير من الحبر خلال السنوات الماضية، ولا نجد أية جدوى في إعادة الغوص في التحليلات والتفسيرات التي تناولت حالة أزمة الهوية التي نعيشها، والتي تذكيها الانقسامات المجتمعية والطائفية المتصاعدة، وربما هناك إجماع، بأن أي حديث عن تشكل نظام عالمي جديد، بمنظومة قوى جديدة وقيم جامعة مغايرة، يضع العرب خارج "اللعبة"، في دور المتفرج غير القادر على المساهمة في النقاش الحضاري القائم. ولكن أليس باستطاعتنا حقا الانخراط في هذا النقاش الحضاري؟
 

كل ذي بعد نظر يرى من خلال الاستقراء التاريخي للمنطقة العربية، رغم الانتكاس وكل مظاهر الانحطاط الحضاري الذي شهدته خلال العقود الماضية، ما يدفعه إلى التفاؤل والتنبؤ بمستقبل أشرق. فمن جهة، القارئ لتاريخ نهضة الشعوب، يدرك أن بشاعة العنف والاقتتال التي شهدناها ليست جديدة، وبالتالي ليست إلا صفحة سوداء زائلة في منطقة عُرفت بعمقها التاريخي وسمو قيمها وثقافتها المجتمعية، وما هي إلا دليل على قرب انبثاق مستقبل أفضل لشعوب هذه المنطقة.

ومن جهة أخرى، كل منصت حصيف لحكايات التعايش بين الأديان والثقافات في العالم الإسلامي قبل قرون خلت تجعله مؤمنا بأن هذه المنطقة بقيمها المعرفية والأخلاقية، قادرة على تقديم نموذج قيمي وأخلاقي يساهم في اجتراح مسارات أخرى قادرة على إصلاح العجلة الحضارية.
 

الخلل ليس في قيمنا إذن، فهي قادرة بكل تأكيد على طرق البديل الفلسفي والمعرفي القادر على إصلاح العجلة الحضارية الإنسانية، ولكن أين تكمن المشكلة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.