شعار قسم مدونات

ورطة الإنسان الناقص

blogs - man

لا أعتقد أن هناك عبارة محددة أرددها لنفسي كتعويذه لتطرد ما بداخلي كلما شعرت بضيق أو أصابتني نوبة فتور، إنني في هكذا مواقف يكون مزاجي طاغياً جداً وقد يؤثر بشكل سلبي على إنجاز ينبغي تحقيقه، إنني حينها أستحضر مقولة "شكسبير" الخالدة في "هاملت" وأقول لنفسي بكل حزم "أكون أو لا أكون".
 

إنهما خياران حادّان لا تهاون أو وسط فيهما، إما أن تستحق كسلك وما يترتب عليه أو تستحق همّتك وجهدك وما يترتب عليه أيضاً، وفي كلا الحالتين يقع ثقل واضح على الروح وسوف تدرك هذا بقطبيه تماماً " إما أن تكون قوياً بما يكفي، أو تتسوّل حياتك من الآخرين" وحاول ألا تُقَلّد الأقوياء لأنك إذا قَلَّدتَ القوي فهذا يعني أنك تَقَبّلت ضعفك.
 

الإنسان الناقص هو شخص ضعيف لا يُحسِن سوى أن يكون عربة لحصان شخص آخر، لا يعرف كيف يكون حراً وربما لا يعي مدى أهمية أن يكون كذلك، يُتقن العيش داخل القطيع وزخم الصورة العامة، لذلك يسهل إخضاعه والسيطرة عليه وهذا لا يليق بنا كبشر، إنه لا يوجد أسوأ من أن تتحوّل إلى جزء بليد كآلة قديمة، تتحرك بمعزل عن إرادتك ووجودك ورغباتك وحقيقتك، لتدرك متأخرا أنك وإزاء الحياة بوصفها تجربتك الذاتية، لست موجوداً ولا تتمتع بثقل ذاتي يُفصِح عنك.
 

يا أصحاب الميدان لا تُحَرّكوا طواحينكم قبل أن تزرعوا قمحكم فإن ضجيجها الفارغ عورة، ولا تزرعوا بذور قمحكم قبل أن تحرثوا أرضكم فإن غرسها مَضيعة.

الإنسان الناقص هو الذي لا يملك شجاعة الاعتراف بالأخطاء لأن هذا يعني للعاديين تخريباً للصورة التي صنعوها لأنفسهم، إنه الخوف من تهاوي بيت العنكبوت، ذلك الذي يشبه سور الصين في ذهن من صنعوه، أما الإنسان الحقيقي والواعي فإنه يعترف بأخطائه كل يوم، ويرتكب المزيد في ذات اليوم، الإنسان الحقيقي هو صنيعة الأخطاء المرتكبة بنزاهة وقلق"ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم".
 

الإنسان الناقص هو الذي اختار أن يكون تجربةَ مُرّة في حياة شخص آخر بدلاً من أن يكون إلهاماً وعوناً، هذا ذنب جاري لا خلاص منه، لأنك ما إن خذلت شخصاً سيصير بعدك عديم الثقة في كل أحد بعد خيبته فيك، يشعر مع كل خيبة أمل أن روحه تنحدر حتى أسفل الجحيم، يشعر أنه يتكوّر أسفل قبو وأن أحداً لا يمكنه إخراجه منه، فلا تخذل مَن أتى إليك بكل طاقته، لا تُغَرِّب أحداً رآك وطناً، لا تلطم خداً كان ينتظر قُبلة، ولا تنكأ جرحاً كان ينتظر يداً تربط عليه.
 

الإنسان الناقص هو الذي يريد أن تصل "ذاته" ويُسمَع صوته لا أن تصل رسالته، يحمل الرسالة كلما أوصلته ويتركها إذا أثقلته، يتثاقل عند النفير ويُسارِع حين تأتي الغنائم، أول الحاضرين عند الطمع وآخرهم عند الفزع، أحرص ما يكون على شرف المقدمة وإن لم يكن أهلاً لها، طامح للخلود على أنه قائد الثورة والمقاومة، وكم له من أقنعة.
 

الإنسان الناقص هو شخص شاسع الأريحية، يميل إلي تقديس الناس العاديين، يقضي مع سياسي أو كاتب أو شيخ يومين ويناديه في الثالث بالعبقري أو حُجة زمانه أو العظيم، شخص يفتقد إلى الذوق أولاً وإلى الدقة والمعيارية والعمق، وغالباً سيصبح كل الأشخاص حوله عباقرة ذات يوم، سيبقى هو الشخص الذي يحتاجونه دوماً ليشعروا بوجودهم.
 

نهاية أقول..
إنني أتوق إلى جيل يُرَبي ذاته ولا يعرف أمه ولا أبيه، جيل قويّ تتخلّق الثقة في ذاته التي تعرف نفسها جيّداً، جيلاً نافراً مُتَفَرِداً مُستَقِلاً مَشّاءً بقدر ما يكون إنساناً، يغرق نفسه في البحر ليتعلم السباحة، يُجابه ضعفه بكل الطرق شجاعة وجرأة وصرامه، يصعد بنفسه قِمَماً لا يستطيعها حتى إذا وصل لقمة وجدها وحدها لا تكفي، جيلاً يُصادق ذاته بكل عيوبها كي يكون وجهها الحقيقي الأصيل لا قناعها الخائف الزائف.
 

يا أصحاب الميدان لا تُحَرّكوا طواحينكم قبل أن تزرعوا قمحكم فإن ضجيجها الفارغ عورة، ولا تزرعوا بذور قمحكم قبل أن تحرثوا أرضكم فإن غرسها مَضيعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.