شعار قسم مدونات

"أهرمة" الشباب العربي

blogs-الشباب نقمة

"جاء فلان ومعه شبابه!"، للوهلة الأولى تظن أنك ستقابل مسناً يرافقه مجموعة من الشباب، أو كهلاً برفقة مجموعة من الشباب، لكن…! ترى رجلاً في مقتبل شيخوخته تجاوز الثمانين قبل عام أو أكثر، وحوله مجموعة من الشباب تجاوز أكبرهم سن الستين وتخطى أصغرهم سن الخامسة والأربعين! لا مبرر لك لأن تتفاجأ فالأمر عادي في المؤسسات العربية، علمانية كانت أم إسلامية، ديمقراطية كانت أم دكتاتورية، حاكمة كانت أم محكومة، حكومية كانت أم أهلية. فكلمة شباب تحولت من دلالة للعمر إلى دلالة للولاء فالعجوز شاب طالما لم يفقد قدرته على التصفيق والمدح، والعكس صحيح أيضاً الشاب عجوز طالما لا يجيد التصفيق والمدح والسكوت في كثير من الأوقات.

يحفظون بعضهم عن ظهر قلب
حتى لا ندخل في متاهة التعميم علينا أن نعي تماماً أن ما نسميه اليوم بالتصفيق والمدح والموافقة الدائمة لم تأتي غالباً من منطلق المداهنة إنما أتت من أن البعض ممن كانوا شباباً في يوم من الأيام، كبروا مع بعضهم وأمضوا سنوات عمرهم مشكلين مجموعة متماهية الأفكار والآمال.

"التغيير" تلك الكلمة التي طالما أثارت المشاكل والنقاشات العاصفة بين الشباب والقيادات المسنة، ولو أننا أخذنا الموضوع بنية حسنة، وهو الأغلب في الأوضاع السليمة، فإن معظم تلك القيادات قد حققت خلال عملها أضعاف ما كانت تطمح له.

فتشكل تلك المجموعة عن قصد أو دون قصد سداً منيعاً بوجه الدماء الجديدة وأي مسيرة تطوير، ولأنهم كبروا معاً وقضوا عشرات السنين بجانب بعض فهم حفظوا بعض عن ظهر قلب، الأمر الذي غالباً ما يعطي انطباعاً بأن هناك اتفاقاً غير معلن لتقاسم النفوذ فترى المسؤول ومن حوله "الشباب" الذين يبصمون ويصفقون ويبدلون الأسماء والمناصب فيما بينهم بما شبهه البعض بلعبة الكراسي.

فعليك ألا تتعجب إن رأيت رئيساً ما بعمر الواحد والثمانين وحوله مجموعة من "الشباب" ذوي العقود الستة أو السبعة. ومع كل يوم يمسك به أولئك "الشباب" بمفاصل العمل في المؤسسات، تزداد مأساة أهرمة الشباب، ولا أبالغ أننا لو وجدت النية الصادقة لمؤسسة ما بإعطاء الشباب حقهم لوجدنا على الأقل جيلين أو ثلاثة من الشباب المحرومين من حقوقهم، الذين ربما قد شاخت أمالهم وأحلامهم، واغتيل طموحهم، وقتلت مشاريعهم في دروج تصورات تطوير العمل والمؤسسات العاملين فيها.

الخوف من التغيير والرضى بالقليل
"التغيير" تلك الكلمة التي طالما أثارت المشاكل والنقاشات العاصفة بين الشباب والقيادات المسنة، ولو أننا أخذنا الموضوع بنية حسنة، وهو الأغلب في الأوضاع السليمة، فإن معظم تلك القيادات قد حققت خلال عملها أضعاف ما كانت تطمح له، وإن كان ذلك إيجابياً إلا أنه يجعل طموح القائد محدوداً مما يجعله يحطم ويتصدى لأي محاولة طموحة تفوق ما كان يتوقعه، دون أخذ الفرص المتاحة للأجيال القادمة بأي حسبان.

الأمر الذي إن قسناه على الوضع الراهن فإنه يعني الرضى بالقليل وهذا ما يعني على مستوى المؤسسات الرضى بالانحسار والتراجع. وكما قال أحد الأصدقاء "التغيير لا يعني أننا على خطأ بل أن هناك هدفاً قد أنجز"، وكون البعض قد نجحوا بتحقيق أحلامهم فهذا لا يعطيهم الحق بأن يصادروا أحلام الآخرين، فكم شاخ الشباب دون أن يشعروا وهم يطالبون بحقوقهم في تطوير مؤسساتهم؟! 

عن أي شباب نتحدث؟
إن عدنا إلى نظرية أن نجد مؤسسة تؤمن بإتاحة الفرصة للشباب ليتولوا أمورهم لوجدنا أن أول من يسنون أسنانهم هم أبناء العشرينات من عمرهم وأبناء الثلاثينات وبعض من أبناء الأربعينات، أي أننا أمام ثلاثة شرائح من الشباب الذي تمت أهرمته عن قصد أو دون قصد.

ما نحتاجه اليوم ليس فقط السماح للشاب أن يصبح رئيساً أو مسؤولاً بل أن نفعل مشاركة الشباب في المؤسسات على مختلف الأصعدة، وإلا علينا أن نطلب من الشباب أن يوقفوا مشاريعهم ليبلغوا الثمانين علهم ينجحون بالوصول إلى مواقع قيادية.

فعن أي شباب يجب أن نتحدث وأي من الشباب يجب أن يأخذوا حقوقهم؟ 
ربما إن أردنا أن نتيح الفرصة لكل شاب أن يأخذ حقه في المشاركة بإدارة مؤسسته علينا أن نقلص الفترة الانتخابية للنصف، ونقلص معها فترات السماح بإعادة الانتخابات لنفس الشخص، الأمر الذي لا يمكن أن يقبل به أي من "الشباب" الذين تحدثنا عنهم في بداية المقال.

وصول الشباب قد لا يحل المشكلة
إن سألتني عن رأيي أقول لك أن المشكلة ليست فقط بأن يصل الشباب إلى مواقع القيادة وهذا حقهم، لكن المشكلة الأساسية هي تغييب دور الشباب من قواعد المؤسسات وحتى رأسها والاكتفاء بإعطائهم المهام التنفيذية فقط، فالاحتقان الذي يدور في المؤسسات الرسمية والأهلية والحزبية سببه الأساسي ليس غياب الشباب عن مراكز القيادة فحسب إنما تغييب دورهم في العمل وإن تفاوت ذلك بين مؤسسة إلى أخرى.

ما نحتاجه اليوم ليس فقط السماح للشاب أن يصبح رئيساً أو مسؤولاً بل أن نفعل مشاركة الشباب في المؤسسات على مختلف الأصعدة، وإلا علينا أن نطلب من الشباب أن يوقفوا مشاريعهم ليبلغوا الثمانين علهم ينجحون بالوصول إلى مواقع قيادية وأن يقضوا أعمارهم يعملون بطاقتهم الدنيا ويبددوا جهودهم هنا أو هناك، معلنين نجاح أهرمتهم وهم في عز شبابهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.