شعار قسم مدونات

مصر العطشى للفرح

مدونات - تأهل منتخب مصر كأس العالم

انطلقت صرخات الفرح ودوت الزغاريد وانهمرت الدموع من ملايين المصريين في الداخل والخارج يوم الأحد الماضي عقب إحراز النجم المتألق محمد صلاح هدف تأهل المنتخب لكأس العالم في روسيا العام المقبل، تلك الصرخات والدموع التي كشفت اشتياق الملايين لفرحة تقترن باسم مصر منذ أن غطت سماءها قوات النكد والغم، الفرحة الكبيرة التي انتزعت آهات الملايين كانت تحمل في جوانبها كثيرا من الألم الذي يعيشه المصريون بين غياب كثير من أصحاب الفرح الذين كانوا يستحقون أن يكونوا في القلب منه وهموم أخرى تملأ قلوب الناس المشتاقة للبهجة والسعادة التي حرمتهم منها قوات النكد.

 

كانت المدرجات يوم أول أمس تبحث عن أصحابها الذين غيّبتهم مذبحتان مروعتان من تدبير الأمن، وآخرين تمت محاكمتهم ظلما على قتل أصدقائهم وزملائهم، كانت المدرجات تبحث عن مصطفى طبلة وسيد مشاغب وباقي كابوهات الألتراس والمشجعين الذين غيّبتهم سجون السيسي ظُلما وقهرا، والذين أُدينوا بقتل أصحابهم وزملائهم الذين رأوهم يُقتلون اختناقا ودهسا داخل شرك حديدي نصبه المجرمون بالاشتراك مع البلطجي الشهير سيئ الذكر والخُلق رئيس النادي الكاره للمشجعين والألتراس، كان الملعب يبحث عن معشوقه ومحبوب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج الخلوق الذي شهد له كل من عرفه عربا وعجما والذي نكّل به السيسي ونظامه وحرمه وحرمنا من أن نراه في بيته ومكانه داخل المستطيل الأخضر، كانت الأعين والقلوب طوال المباراة تشتاق للماجيكو محمد أبو تريكة ساحر الكرة المصرية الذي أمتع الملايين لسنوات طويلة بسحر تسديداته وجميل أخلاقه والذي وضع السيسي اسمه على قوائم الإرهابيين بكل وقاحة أثارت دهشة واستغراب وسخرية الملايين حول العالم حتى اتهموا السيسي بتجميل وجه الإرهاب حينما اتهم هذا الإنسان الخلوق بانتمائه إليه.

 

قرار السيسي بصرف مبلغ مليون ونصف جنيه كمكافأة لكل لاعب ذكّر الناس بما حاولوا أن ينسوه؛ فهذه الملايين التي يوزعها السيسي جباها من جيوبهم
قرار السيسي بصرف مبلغ مليون ونصف جنيه كمكافأة لكل لاعب ذكّر الناس بما حاولوا أن ينسوه؛ فهذه الملايين التي يوزعها السيسي جباها من جيوبهم

 

تلك الفرحة التي غمرت شوارع مصر لم تنس أن تذهب إلى ميدان التحرير وتملؤه حبا وفرحا واشتياقا، فذلك هو المكان الذي أسعد الملايين بأيام عزة وكرامة وشرف تشتاق القلوب إلى رؤيتها مرة أخرى، ولكن كانت تلك الفرحة تُخفي وراءها ملايين الهموم التي تحملها الصدور، عشرات آلاف من الشباب كانوا يستحقون أن يكونوا في تلك اللحظة في الشوارع مبتهجين بمنتخبهم ولكن غيبتهم معتقلات الظلم، ملايين آخرين غيبتهم الغربة والسفر بين لاجئين وفارين من ظلم الديكتاتور العسكري وآخرين بحثا عن الرزق بعد أن نهب الفساد أرزاقهم وخيرات بلادهم، ملايين آخرين ابتهجت قلوبهم لهذا الفوز رغم وجعهم وألمهم من الفقر والغلاء الذي يطحن أكبادهم بسبب قرارات الطاغية وأعوانه.

 

حتى تلك الفرحة استكثرتها قوات مكافحة الفرح على الناس، فخلال المباراة لم ينس المعلق الرياضي الشهير سيادة لواء الشرطة السابق أن يرمي بالكلام على النشطاء وشباب الفيس بوك ويزايد عليهم في وطنيتهم، متناسيا أن هؤلاء الشباب هم الذين كيل لهم المدح والشكر سابقا على وطنيتهم التي يدفعون ثمنها اليوم غاليا، ثم جاء قرار السيسي بصرف مبلغ مليون ونصف المليون جنيه مكافأة لكل لاعب ليذكّر الناس بما حاولوا أن ينسوه ولو لدقائق، فهذه الملايين التي يوزعها السيسي يمينا ويسارا هي تلك الملايين التي يجْبيها من جيوبهم بقرارات فاسدة وظالمة كل أسبوع، فحينما سمع الناس بهذا الخبر تذكروا حال المدارس والمستشفيات المهملة والمهدمة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي، تذكروا أن هذه الملايين من الجنيهات بخل بها سيادته في النهوض بالتعليم وتذكروا جملته البلهاء "يعمل ايه التعليم في وطن ضايع".

 

كانت القلوب المليئة بكل تلك المآسي والهموم وغيرها الكثير في أمس الحاجة إلى فرحة من القلب، فالشعب الذي عاش عمرا يعرف نفسه بأنه "شعب ابن نكتة ويموت في الضحك" أصبح يبحث عن ابتسامة ولو لدقائق قليلة تُنسيه مُر الأيام الذي جاء مع دبابات الجنرال، فاللهم أدم على هذا الشعب فرحته، وعجّل بالفرحة الكبرى التي تُنهي هذا العصر الأسود الكئيب وتُعيد إليه السعادة والبهجة، ومليون مبارك لمصر. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.