شعار قسم مدونات

اكتشف موقعك من القرآن

blogs قرآن

الناظر إلى حالة المسلمين في واقعنا المعاصر يمكنه أن يرصد أربعة توجّهات في كيفية التعامل مع القرآن الكريم وقراءته، تشكّل ثلاثة من هذه التوجّهات أزمة كبيرة في الفكر المسلم، تعيق الأمة عن فهم دينها وعن الاستفادة من الخطاب القرآني باعتباره رسالة الله الأخيرة للبشرية.

 

وفي هذه التدوينة، سآخذ القارئ الكريم معي في جولة قصيرة تصفُ هذه الأنواع الأربعة في قراءة القرآن، ليس لهدف نظري استقصائي فحسب، بل لهدف أسمى، وهو أن نسأل أنفسنا، أنا وأنت أيها القارئ، بكل وضوح وصراحة وصدق: أين نحن من القرآن؟ هل قمنا فعلا بأداء حقوقه كما ينبغي؟ وهل نتعامل معه باعتبار ما نزل من أجله؟

 

هذا ما أدعو القارئ إلى التفكير فيه وهو يطالع هذه الأنواع الأربعة، راجيًا من الله أن تكون وقفة صادقة مع النفس، ومراجعة ذاتيّة لتعاملنا مع رسالة الله الأخيرة للبشرية، عسى أن يثمر ذلك إصلاحا على مستوى الفرد، نلمس أثره على مستوى مجتمعاتنا وشعوبنا.

 

في غرائز الآدميّين موجودٌ أنّ من كلَّمَ آخرَ بشيء أرادَ بذلك تشريفه وبرّهُ وإلطافه، فاستمع إلى كلامه بأذنه لاهيا عن ذلك بقلبه؛ أنّه يسقط من عينه، فكيف بربّ العالمين
في غرائز الآدميّين موجودٌ أنّ من كلَّمَ آخرَ بشيء أرادَ بذلك تشريفه وبرّهُ وإلطافه، فاستمع إلى كلامه بأذنه لاهيا عن ذلك بقلبه؛ أنّه يسقط من عينه، فكيف بربّ العالمين
 

القراءة الطقوسية

أعني بالقراءة الطقوسية للقرآن أن يقرأه المسلم كما تُقرأ التمائم، يردّدها دون أن يفهم معناها، أو حتى لو عرف قيمته فهو يمرّ على الكلمات والآيات مرورا سريعًا، لا يعلق في عقله معنى، ولا ترسخ في قلبه قيمة، وبالجملة فهو لا يفقه ما يقرأ، وإنما يقرأ القرآن أداءً للتلاوة المطلوبة شرعًا، راجيا الحصول على بركة القرآن ورضى الرحمن.

 

ولكن هل يرضى الرحمن عن عبدٍ لا يُعير خطاب الله الذي يقرؤه بلسانه ويلامسه بعينيه أي اهتمام، وإنما يمرّ على الحروف والكلمات دون أن يفقه منها شيئا؟ إنّ الإنسان يغضب لو خاطبكَ فاستمعت إليه ثمّ علمَ أنّك تتصنّع الإنصات، وأنّ عقلك وقلبك منصرفين عن كلامه، لا يتجاوز نُطقهُ قرْعَ طبلَتَيْ أذنَيك! فكيف بالله الخالق؟

 

يقول الحكيم الترمذي في كلام قيّم في كتابه "نوادر الأصول": "فإنّ القرآن موعظة، والله يحبُّ أن تُعقَل عنه مواعظه ونصائحه ولطائفه، وفي غرائز الآدميّين موجودٌ أنّ من كلَّمَ آخرَ بشيء أرادَ بذلك تشريفه وبرّهُ وإلطافه، فاستمع إلى كلامه بأذنه لاهيا عن ذلك بقلبه؛ أنّه يسقط من عينه، فكيف بربّ العالمين، يُخاطب عبيده بشيءٍ يريد بذلك إظهار ما لهم عنده من الأثرة والمحبّة، ويحبّ أن يعجّل أوائل برّه في عاجل محياهم؛ ليتلذّذوا به ويفرحوا، فمرّ عليه هذا التالي له يهذُّهُ هذًّا [أي يسرده ويقرؤه سريعًا] وقلبُه في عمًى عن ذلك.

 

أو خاطبَ بعضَ عبيده بوعيده يريد أن يؤدّبه بذلك حتى ينجع فيه [أي يعمل فيه ويؤثّر] ويتأدّب، فمرّ على خطابه تاليًا له وهو يهذُّهُ؛ لَمَقَتَهُ. وقد أدّبَ الله عباده ودلّهم على الترتيل فيه، فقال: {وَرَتّلِ القرآنَ تَرْتيلًا}، وقال عزّ وجلّ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ}، وقال: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

 

فإنّما دلّهم على الترتيل والتمكّث والتؤدةِ فيه والتدبّر؛ ليصلَ إليهم نفعُ ذلك، فأفضلهم قراءةً أعقلهم عنه، فمن أسرعَ القراءة وعقلَ عنه؛ كان في نور عظيم وعلياء منزلةٍ، فذاك لفضل نوره، ومن قصّر عن ذلك؛ فالتفكّر والتدبّر خيرٌ له وأنفع".

 

المشكلة بالقراءة الاستطلاعية أنّها تفتقد البعد
المشكلة بالقراءة الاستطلاعية أنّها تفتقد البعد "الرسالي" الذي هو صُلب خطاب القرآن، وتتغافل عن السياق الذي تقتطع منه "اللفتات"
 

القراءة الاستعراضية

وهي القراءة التي تستهدف الإبهار ومحاولة استخراج "العلوم" و"اللفتات" التي تثير الجمهور المعاصر؛ كالحديث عن تضمّن القرآن لنظريات أو اكتشافات علمية حديثة، أو الحديث عن "المرأة في القرآن" بشكل غير موضوعي وغير علمي لنبيّن للآخر بأنّ الإسلام "كرّم المرأة"، وهي ممارسة استعراضية تنطلق من موقع "المدافع" من جهة، وباستراتيجية "التسويق" من جهة أخرى، حيث يتم عرض القرآن كمنتج جميل فيه من العلوم التي اكتشفها البشر ومن الحقوق التي أعطوها للمرأة وغير ذلك من الموضوعات "المثيرة" للاستهلاك الإعلامي!

 

يمارس هذا النوع من القراءات في الغالب "مفكّرون" و"مثقّفون" أو أنصاف مثقّفين من روّاد وسائل الإعلام المختلفة، ويستخدمون في سبيل ذلك إجراءات البتر والاقتطاع التي تعزل العبارات القرآنية المستشهَد بها عن سياقها الخطابي، وتقدّمها بهدف "إثارة الدهشة".

 

الإشكالية في هذا النوع من القراءات أنّه يفتقد البعد "الرسالي" الذي هو صُلب خطاب القرآن، ويتغافل عن السياق الذي يقتطع منه هذه "اللفتات". وفضلا عن ذلك، فهو يُهمل واجب تقديم رسالة القرآن وخطابه لأولئك المخاطَبين الذين يستهدفهم، فبدلا من استهداف أسماعهم بهدايات القرآن، يستهدفها بلفتات استعراضية تُبعد القارئ عن فهم القرآن كرسالة وكخطاب.

 

القراءة التطويعية هي القراءة التي تحاول إسقاط أفكار وقيم معاصرة على النصّ القرآني وفهم هذا النصّ على ضوئها، بدلا من الكشف عن الخطاب الكامن بالقرآن ومحاولة "تقويم" الواقع به

ينتشر هذا الخطاب الاستعراضي تحت عبارات نسمعها كثيرا مثل: "هل تعلم كم مرة ذكرت كلمة كذا في القرآن ولماذا"؟ "هل تعلم أنّ القرآن اكتشف نظرية كذا قبل البشر بألف وأربعمائة عام"؟ وغيرها من النماذج الشبيهة، التي تعزل الناس عن حقيقة القرآن وكونه "رسالة" لهداية البشر قبل كل شيء.

 

ومن أمثلة ذلك ما ذكره الدكتور علي منصور كيالي عندما كان في لقاء مع إحدى المهتمات بالقضايا النسائية فسألته سؤالا لا علاقة له بخطاب القرآن وقضاياه وهو: "ما العلاقة بين ليلة القدر والأنوثة"؟

 

فأجاب: "الأنثى مصدر السكون عند الرجل.. خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها". ثم قال عن الليل إنه "للسكن أو السكون، فالليل هو المؤنث، فهو له طابع السكون والأنثى لها طابع السكون.. أما النهار فهو ذكوري، يخرج الرجال للعمل والحرب والقتال.. ولنكن صادقين: للغش والخداع! فهو مجتمع ذكوري.. لذلك الطاقة السامية، والطاقة الرائعة، والطاقة التي لها صفة الأنوثة والرفع لا تنزل إلا في الليل… إلخ..".

 

وبلغ به الأمر أن يتعدّى على مقام الأنبياء لإتمام مشهده "الاستعراضي"، فقال إنّ النحل مملكة أنثوية، ولذلك هي ناجحة ومتقنة ومنتجة. أما نبيّ الله يعقوب عليه السلام وأبناؤه فهم مجتمع ذكوري، ولذلك عجز يعقوب – بزعمه – عن ضبط أبنائه، ولذلك قاموا برمي أخيهم في الجبّ، بل قام يوسف عليه السلام – بزعمه – بأخطاء عندما زاد من معاناة والده حين أخّر الكشف عن شخصيته لإخوته، واتهم أخاه الصغير ظلمًا بالسرقة ولم يقل لهم أخبروا أباكم بأنني حيّ.. كل ذلك لأنّه مجتمع "ذكوري" كما يقول كيّالي!

 

كل هذا العبث الاستعراضي بكتاب الله من أجل ماذا؟ لإثارة الدهشة لدى الاتجاه الذي يخاطبه لا أكثر.. وأين ذلك كلّه من خطاب القرآن؟!

 

القراءة التطويعية

آن الأوان أن تخشع قلوبنا لذكر الله وما نزلَ من الحقّ، وأن نلتمس في آيِ الكتاب خطابَ الله بارئنا، فنستقبله بقلوبنا وعقولنا معًا

وهي القراءة التي تحاول إسقاط أفكار وقيم معاصرة على النصّ القرآني وفهم هذا النصّ على ضوئها، بدلا من الكشف عن الخطاب الكامن في القرآن ومحاولة "تقويم" الواقع به. أي إنّ من يمارسون هذه القراءة، والتي يسمّيها بعضهم "قراءات معاصرة"، يتوجّهون إلى كتاب الله وهم مشحونون بالأفكار والمفاهيم العلمانية المعاصرة؛ حول السياسة والمجتمع، والأسرة والمرأة، والأخلاق والقيم، ومن ثم يحاولون إعادة تفسير القرآن ليتلاءم مع هذه القيم العلمانية!

 

وفي هذه القراءة يفقد القرآن قيمته الرسالية باعتباره خطابا مُنشِئًا كما قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، لأنّ الأقوم في نظر القارئ التطويعيّ هو ما تواضعَ عليه مَن يُهيمنون على مقدّرات البشرية في واقعنا المعاصر، ويصبح التوجّه للقرآن هو لإسناد هذه الآراء والأفكار المسبقة في مختلف القضايا، باعتبار أنّ للقرآن سطوته في نفوس المسلمين!

 

ولقد كان باستطاعة هؤلاء أن يدْعوا لأفكارهم وقيمهم العلمانية بمعزل عن كتاب الله، فسيكونون حينذاك أكثر مصداقيّة مع الناس وأكثر اتّساقًا مع أنفسهم، ولكنّهم أبَوْا إلا أن يأتوا بالمضحكات، فوجدنا الدكتور محمد شحرور على سبيل المثال يفسّر قوله تعالى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} بأنّ لكلّ ذكر مثل حظّ كلّ أنثى، خلافا لإجماع الصحابة وكلّ علماء الأمة، بل خلافا لما تقتضيه اللغة، مستشهدا بالمتغيّرات الرياضية تارة، وبكلام عاميّ ركيك تارة أخرى، زاعمًا أنّ الله عزّ وجلّ لو أراد أن يجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين معًا لقال "للذكر مثْلا حظّ الأنثى"! ويكفي هذا القول من شحرور لبيان ضعفه بالعربية، فالعبارة التي ذكرها ركيكة، وأيسر ردّ عليه هو أنّ الحظّ هنا هو النصيب، فجعل نصيب الذكر الواحد كنصيب الأنثيين، ولو أراد جعْل نصيب الذكر كنصيب الأنثى لقال: للذكر مثل حظّ الأنثى.

 

وبغضّ النظر عن ركاكة استشهادات شحرور، وأنّ المسألة محسومة بإجماع الصحابة وجميع من تبعهم من أئمة الدين واللغة، وبأنّ شحرور الذي يكثر من الخطأ في اللغة لن يكون أعلم بكتاب الله من العرب الأقحاح الذين نزل الكتاب بينهم وبلغتهم، ولا من أئمة العربية على مدى القرون.. بغضّ النظر عن ذلك كلّه، فإنّ الهدف من هذا التحريف لمعنى الآية هو التماهي مع المعايير الليبرالية المعاصرة الحسّاسة تجاه مظاهر عدم المساواة مع المرأة، ولهذا كان ينبغي لشحرور إعادة تأويل الآية لإبطال المعنى الشرعي الذي تنطق به بوضوح شديد، فهذه قراءة "تطويعيّة" لا تنطلق من معايير القرآن وقيمه، بل من الأهواء والمعايير العلمانية لتجعلها حاكمة على آيات القرآن.

 

لقد آن الأوان أن تُصغي عقولنا وقلوبنا حين نسمع قول الرحمن {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ}، وأن تُنصتَ فطرة الإنسان فينا حين نسمع قول الحنّان {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}
لقد آن الأوان أن تُصغي عقولنا وقلوبنا حين نسمع قول الرحمن {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ}، وأن تُنصتَ فطرة الإنسان فينا حين نسمع قول الحنّان {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}
 

كلّ هذه المحاولات المضحكة هي إسقاطات من الواقع على القرآن، أي يتحوّل الواقع إلى "خطاب مُنشئ"، ويصبح القرآن "مادة طيّعة" تتشكّل وفقًا لما تُمليه أهواء الناس، بدلا من أن يكون خطابُ الله لعباده هو الخطابَ المنشئ كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}. ومن أراد المزيد حول الكيفية التي يتم فيها الوصول إلى هذا الفهم التحريفيّ التطويعيّ للقرآن فليقرأ تدوينتي "لماذا لا نفسّر القرآن لغويّا؟"، وتدوينتي "هل هناك ترادف في القرآن؟".

 

القراءة التدبّرية

وبعدُ، فقد آن الأوان بعد عرض هذه المسالك الغافلة عن هداياتِ القرآن أن تخشع قلوبنا لذكر الله وما نزلَ من الحقّ، وأن نلتمس في آيِ الكتاب خطابَ الله بارئنا، فنستقبله بقلوبنا وعقولنا معًا، لِنَشيدَ حياتَنا الراشدة بعيدًا عن الأهواء والغوايات..

 

لقد آن الأوان.. أن ننفضَ غبار القرون عن مصاحف النور، ونفتح أعيننا المغمضة لترى بنور الله ضياء الحقّ، فنسير فيه على درب الهداية: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

 

إذا كانت أوصاف القرآن في كتاب الله عظيمة، فهل يُعقل أن يكون تعاملنا معه تعاملَ الغافلين عن خطاب فيه موعظة وشفاء وهدى ورحمة ونور وإبانة وبصائر وبيّنات وبرهان؟

لقد آن الأوان.. أن نكسرَ أقفالَ قلوبنا الصدئة بحقائق الفرقان، ليحيا مواتُ قلوبنا بمنابع القرآن: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}.

 

لقد آن الأوان.. أن تُصغي عقولنا وقلوبنا حين نسمع قول الرحمن {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ}، وأن تُنصتَ فطرة الإنسان فينا حين نسمع قول الحنّان {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}.

 

لقد آن الأوان.. أن تتفطّر قلوبنا حبًّا وضراعةً ورغبةً ورهبةً حين نُطالع مشاهد القرآن، وأن نُلقي بنفوسنا سَلَمًا بين يدَيْ إلهنا تبارك اسمه حين نقرأ آيات توحيده. فقد قال عزّ شأنه في مطلع هود: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}، وقال جلّ جلاله في مطلع الزمر: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}. فأبانَ بذلك عن مقصد كتابه الأسنى وهو إفراده سبحانه بالعبادة.

 

لقد آنَ الأوان.. فها هو كتابُ الرحمن جاءنا واعظًا لفطرة النسيان فينا، وشفاءً لجوعاتِ قلوبنا، ورحمةً لهفواتِ ضياعنا، وهدايةً لمضلّات خُطانا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}. {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}. {قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ}. {وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}. {قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ}.

 

فإذا كانت هذه أوصاف القرآن في كتاب الله، فهل يُعقل أن يكون تعاملنا معه تعاملَ الغافلين عن خطاب فيه موعظة وشفاء وهدى ورحمة ونور وإبانة وبصائر وبيّنات وبرهان؟ وليت شعري كيف يمكن الاستفادة من كلّ ذلك ونحن نقرؤه دون فقه لخطابه ودون أن نعرض حياتنا عليه لنقوّمها بمعاييره وتوجيهاته؟ ألم يأن الأوان لأَوْبةٍ إلى رياض القرآن بعد طول الغفلة والشرود؟ بلى آن الأوان.. بلى!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.