شعار قسم مدونات

هوليوود كما لم تشاهدوها من قبل

blogs هوليوود

دفعت هوليوود بأعظم أفلامها إلى العالم، بكلفة إنتاجية غير مسبوقة، مبذولة من رصيدها الأخلاقي وسمعتها. خرج فيلمها الواقعي الجديد إلى العلن ببطولة شخص منتفخ البدن متغطرس السلوك ومتبلد الإحساس اسمه هارفي واينستاين، هو منتج الأفلام الأشهر تقريباً. تواطأ مجتمع هوليوود بأسره على إخراج الفيلم عبر حقبة مديدة، مع ضلوع النخبة الأمريكية ووسائل الإعلام في إنتاج العمل الذي لا يُنصَح بمشاهدته لمن هم دون الثامنة عشرة.

بطل الفيلم ليس عابراً في هوليوود، فهو من أساطينها ومتنفذيها. فقد ظلّ المنتج الشهير هارفي واينستاين حاضراً في المناسبات والمواسم، يتقدّم الصفوف في احتفالات الأوسكار التي تعقبها تحرشاته التقليدية بالنساء والفتيات، دون أن يستلّ أحدهم سيف الغضب على تفاصيل لا يمكن حجبها أو أن تجرؤ إحداهن على البوح بفصول الابتزاز والإرغام والاستغلال التي قاستها.

حظي واينسناين المولود سنة 1952 لأسرة يهودية بنفوذ مذهل في هوليوود على مدار عقود، عُرف خلالها بالغطرسة والخشونة التي لم يقع الاعتراف بها في التقارير الإعلامية أيضاً، وما هو من ذلك أفظع أنه دأب على استعمال سلطته بإرغام نساء الشاشات على المرور بقنطرة قسرية على فراشه الآثِم. وفيرة هي القصص التي همس بها القوم في هوليوود عن مسلك واينستاين المشين هذا، لكنهم تطبّعوا معه وسلّموا به تسليما، دون اعتراضات أخلاقية، حتى من أوساط النخب في واشنطن العاصمة التي تمنح انطباعاً الآن بأنها لم تكن قد سمعت بشيء مما كان يجري خلف ستار التواطؤات الصامتة، ولم تبصر ذيولَه المبللة بالعار والشنار.

 

كل من جرّب فتح ملفات واينستاين كافأه
كل من جرّب فتح ملفات واينستاين كافأه "إعصار هارفي" بضغوط مجتمعية معززة بفريق موسع من المحامين؛ بما أحبط محاولات من سوّلت لهم أنفسهم الإمساك بأطراف الخيوط الآثمة التي تتصل به
 

أواصر الاستغلال

امتدت أواصر واينستاين وأمثاله إلى أروقة النخبة بما فيها الكونغرس، وحتى إلى البيت الأبيض من خلال دعمه المباشر لحملات مرشحي الرئاسة الديمقراطيين وآخرهم هيلاري كلينتون. تعلم السيدة هيلاري جيداً من هو هارفي، ولم يسعها سوى الإعراب عن "الصدمة" من سلوكه؛ لكنها فعلت فقط بعد أن فاحت الفضائح وأزكمت أنوف العالم. وفي منشآت أقامها واينستاين، مثل الشركة الضخمة التي تحمل اسمه، تدرّبت ابنة الرئيس السابق أوباما، كي تتأهل لولوج عالم العمل، وعلينا ببراءة ساذجة أن نقتنع بأنها لم تسترق السمع إلى أي همس هناك ولم تقصّ على أسرتها شيئاً من المخبوء.

لكنهم الآن في هوليوود وأوساط النخب الأمريكية منشغلون بعزل الفضائح وحصرها في شخص هارفي مع تأويل نهجه المشين باضطرابات نفسية وسلوكية كما حدث مع سفاح لاس فيغاس، دون مساءلة أي سياقات ثقافية وفلسفية في البيئة أو فحص ملابسات الصنعة ونزعاتها الاستغلالية للنساء أساساً. يتحدث القوم عن قائمة الفضائح دون الاعتراف بأنّ هذه الحالة المُخزية ما كان لها أن تنشأ في هوليوود وأن تتواصل عقوداً، وأن تتفاقم بلا هوادة لولا دوامة الصمت التي تواطأت معها من حوله. لم يجرؤ العارفون على البوح ولا على كشف أطراف الخيوط، رغم محاولات متفرقة سابقة خارت قواها سريعاً.

تمنح فضائح هوليوود المتراكمة هذه شهادات رسوب لصحافة عجزت عن كشفها في وقتها؛ ولمنظمات غير حكومية لم تتعقّب سرديّات الأروقة الموصدة؛ ولمنظمات مدافعة عن حقوق النساء لم تفلح في اقتحام قلعة التواطؤات حول الحالة. انتصرت السطوة الذكورية المتنفذة بالتواطؤات غير المرئية معها، فمن بوسعه أن يبوح بوقائع لها أثمانها المدفوعة من خيوط النفوذ وشبكات المصالح وفرص الارتقاء والتعاقدات السخية؟!

أثقال معنوية مضاعفة ملقاة على كواهل النساء والفتيات اللواتي يُتركن عرضة لتحرشات وصور من الاستغلال البشع مع محاصرتهن بما يردعهن عن الصراخ أو الشكوى

انشغلت الصحافة بمطاردة فرائس سهلة عندما أخذت تقتنص ممثلاً هنا أو هناك من وجوه هوليوود بعد مزاعم بتورطه بحالة تحرش أو واقعة اغتصاب؛ لكن من كان يقوَى في مجتمع الشاشات والأضواء على واينستاين تحديداً، هذا الذي انغمس في مسالك الاستغلال الجنسي والابتزاز المشين والتحرش المخزي حتى أذنيْه؟

كل من جرّب فتح ملفات واينستاين كافأه "إعصار هارفي" بضغوط مجتمعية معززة بفريق موسع من المحامين الحاذقين وفِرَق العلاقات العامة؛ بما أحبط محاولات من سوّلت لهم أنفسهم الإمساك بأطراف الخيوط الآثمة التي تتصل به.

وخلال ذلك رضخت حالمات بالصعود إلى منصة الأوسكار لأشنع صنوف الابتزاز، انصَعن واحدة تلو الأخرى لرغبات وحش بملامح بشرية ظلّ يحظى بالتصفيق والثناء باعتباره من صانعي نجمات الشاشة. بزغت وجوه عبر الشاشات حقاً؛ لكن بعد أن انطفأت كرامتها الإنسانية في مخدعه.

أثقال معنوية مضاعفة ملقاة على كواهل النساء والفتيات اللواتي يُتركن عرضة لتحرشات وصور من الاستغلال البشع مع محاصرتهن بما يردعهن عن الصراخ أو الشكوى. من بوسعه التسليم الآن بأنّ أوضاع النساء في أمم تعلن ولاءها للحداثة هي على ما يُرام حقاً؟

أليس مثل هذا معروفاً أيضاً في حقول أخرى تستوجب الفحص الذي لا يرغب القوم بالإقدام عليه؟ ثمة روايات رائجة عن عالَم الأزياء مثلاً، الذي تتنافس فيه فتيات من شرائح عدة على الفوز بشرف مشية القطة التي تجعلهن مادة استعمالية للفرجة والمطاردة البصرية على المنصّات، مع الانصياع الجبري لمعايير نمطية في قياسات البدن وحركات الجسد وسكناته. تنتصب قاماتهن المحنّطة على المنصات مختزنة أرواحاً ذابلة وكيانات معنوية وقع تهشيمها بضراوة غالباً؛ وبعدوان مادي – جنسي أحياناً. تتزاحم فتيات من ببئات فقيرة في مكاتب متعهدي تصدير عارضات الأزياء، فيخضعن ابتداء لفحص جسدي على طريقة أسواق النخاسة في أزمان غابرة. يقع انتقاء من تتوافق مواصفاتهن مع المعايير وتخرج أغلبيتهن منكسرات الخواطر. تصعد "الناجحات" منصّات العروض بخطوات مفروضة بصرامة، فتطاردهن الكاميرات حتى ذبول أبدانهن، وقد يقعن في قبضة السموم البيضاء وإدمان الخمر قبل الدفع بهنّ إلى الهامش لاستيعاب جيل جديد من القامات الممشوقة. ألا يستحق ملف تشييئ المرأة وتسليعها، هو الآخر، وما يماثله في حقول متعددة، مراجعة قيمية وثورة أخلاقية وانتفاضة مبدئية وكثيراً من البوح الآمِن وشجاعة الإنصاف؟!

 

تبقى هوليوود نموذجاً لا يصحّ التهاون مع انزلاقاته الجسيمة، فانحرافاتها تترك ندوباً في وعي مجتمعات ممتدة على ضفاف الأمازون وأرجاء أفريقيا وجزيرة العرب وأقصى الشرق وما بين ذلك وما وراءه أيضاً
تبقى هوليوود نموذجاً لا يصحّ التهاون مع انزلاقاته الجسيمة، فانحرافاتها تترك ندوباً في وعي مجتمعات ممتدة على ضفاف الأمازون وأرجاء أفريقيا وجزيرة العرب وأقصى الشرق وما بين ذلك وما وراءه أيضاً
 

شقوق في جدار الصمت

من بواعث الاستبشار أنّ جدار الصمت الذي يحيط بشيوع التحرشات الجنسية في عالم العمل والإدارات والحياة السياسة وصناعة السينما يشهد تصدّعات ويدفع بإحراجات لبؤر الحالة، كما يتجلّى مثلاً في موجة الاعترافات التي تتدفق الآن عبر مواقع التواصل الاجتماعي من نساء، لدى كل منهن تجربة صادمة مع أشباه هارفي واينستاين، وإن احتفظت الأغلبية الصامتة بجراحها دون بوح، أو أتيْن بإفصاح جزئي يخشى الكشف عن الهوية الذاتية.

أكثر ما يبعث على الصدمة في حالة واينستاين هذه؛ أنه قد سُمح لها بأن تنشأ وأن تتفشى بلا مقاومة من أولئك تحديداً الذين يقتطعون حصّة لا تُضاهَى من وجبات التثقيف الجماهيري للمجتمعات والأجيال عبر العالم، والتي يعمدون خلالها إلى تكييف الوعي الجمعي والفردي عبر فنون المرئي والمسموع الأخاذة. إنْ سقطت هوليوود أخلاقياً على هذا النحو فإنّ التذكير واجب بأنها المدرسة الأولى والجامعة الأبرز، وأنها المعهد والمعبد بالنسبة لمليارات البشر، وسلطانها واسع وممتد وعميق بفعلها المباشر وبالطقوس التي تنحتها لما وراءها من بؤر المحاكاة السينمائية ومضارب الفنون والصناعات الإعلامية والثقافية عموماً عبر البيئات المتنوعة. وتبقى هوليوود نموذجاً لا يصحّ التهاون مع انزلاقاته الجسيمة، فانحرافاتها تترك ندوباً في وعي مجتمعات ممتدة على ضفاف الأمازون وأرجاء أفريقيا وجزيرة العرب وأقصى الشرق وما بين ذلك وما وراءه أيضاً.

من واجبات اللحظة فحصُ الأعمال السينمائية التي كان واينستاين وعصبته وأشباهه ضالعين في إنجازها من قريب أو من بعيد، لكنّ مراجعةً أوسع بمعايير أخلاقية وقيمية تبقى مطلوبة لعموم ما أنجزته هوليوود وأخواتها بما فيها السينما العربية، خاصة في ما يتعلق بتقاليد استغلال النساء والفتيات تصريحاً وتلميحاً وتطبيع سلوك التحرش وتقديمه في مقامات فكاهية مُستأنسة كما في أفلام عادل إمام ومن أعقبه مثلاً. ثمة جدل في هذا الصدد جدير بالإثارة في هذا التوقيت تحديداً، عن الأنماط الاستغلالية الفيزيائية والرمزية المتعددة بحق النساء والفتيات التي تتخلّل الشاشات، وهي مسألة مزمنة لكنها مسيّجة بمحظورات مجتمعية مغلّظة أو "تابوات" حداثية لا يقع الإقرار بوجودها أحياناً. فمن بوسعه أن يناقش بجرأة في حضور سطوة هوليوود على الأذهان والوجدان؟!

لكنّ هوليوود الآن هي من رسمت بفضائحها المذهلة هالة الشكوك حول تماسُك مقولات تحرر المرأة وانعتاقها واقتدارها في أنطمة تعلن ولاءها للحداثة. فما يبدو واضحاً من خلال هذه الحالة النموذجية التي تشغل الدنيا والناس هذه الأيام؛ أنّ السطوة الذكورية ما زالت تعمل بلا هوادة، وما جرى تقريباً أنّ السطوة أعادت إنتاج نفسها بطرق تتيح لها فرض شروطها وكسب تواطؤات مجتمعية معها حتى من بؤرة هي الأكثر سطوعاً وانكشافاً إعلامياً في وعي الأمم؛ إنها هوليوود باختصار.

غابت الشجاعة الأدبية عن هوليوود وعن أوساط النفوذ النخبوي والإعلامي من حولها الذي يتجاوز الولايات المتحدة حتماً إلى بلدان شتى عبر البحار، بما يتشابك مع سلطة المال والأعمال والصناعات الثقافية والقوى الناعمة للأمم

ألا يبدو صادماً أنّ النساء والفتيات اللواتي افترستهن السطوة إياها لم يجدن فرصة بوح أو جرأة إفصاح ولا نافذة إنصاف وحماية طوال عقود؟ غابت الشجاعة الأدبية عن هوليوود وعن أوساط النفوذ النخبوي والإعلامي من حولها الذي يتجاوز الولايات المتحدة حتماً إلى بلدان شتى عبر البحار، بما يتشابك مع سلطة المال والأعمال والصناعات الثقافية والقوى الناعمة للأمم.

وما أظهرته الحالة أيضاً أنّ المسكوت عنه رهيب وهائل ومذهل وممتد ومتجذر، وأنّ حزمة من التابوات تفرض سطوتها في مجتمعات ترفع شعارات الحداثة وتتباهى باقتحام المحظورات ونفي المقدسات. والجانب الآخر مما يتجلى للعيان هو أنّ المساواة بين الرجل والمرأة وتكافؤ الفرص في الإدارات والحياة العملية وفرص الصعود الاجتماعي ما تزال جميعها شعارات جوفاء عاجزة عن البرهنة عن مصداقية تحققها في العديد من البيئات والأوساط والحقول. فالتحرشات وممارسات الاغتصاب والابتزاز والاستغلال الجنسي تتحرك عبر فجوة السلطة من أعلى إلى أسفل مستغلة النساء والفتيات غالباً على أيدي ذكور يمنحهم الواقع القائم فرصاً سخية لمحاصرة الضحية والإجهاز عليها. يحدث هذا في خواتيم العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

 

لحظة الهراوات الأخلاقية

يتراكم جبل الفضائح في هوليوود ومن المرجّح أنّ تفاصيل الصدمة ستطبع وعي أجيال الحاضر، لكن من المهم الإقرار بأنها ليست "فضائح داخلية" في معقل الصناعة السينمائية؛ بل قضية حساسة تمس الحق العام لمجتمعات الأرض أيضاً، فالصناعة التي افترشت شاشات العالم تفرض على الأمم الانشغال بما يجري في ثناياها، فما تم كنسه تحت بساطها الأحمر إنما هو كناية عن تقاليد سابغة عبر أقاليم الأرض، وهو ما تتكشّف فصول جديدة ومذهلة منه الآن.

إنها ساعة المشاهدين أيضاً، الذين عليهم مواكبة هذا "الفيلم" بمعزل عن تناول الذرة المفرقعة، فهي لحظة الإمساك بهراوات أخلاقية مدبّبة لاستعمالها على طريقة أفلام الحركة والمطاردة والفتك في أزقة الضواحي المعتمة. فالمتزاحمون على شراء التذاكر لهم الحق، كل الحق، في المراجعة الصارمة والمحاسبة الدقيقة إزاء بضاعة تسرّبت إليها العفونة حملتها إليهم شاشات اكتنز أصحابها الأموال الطائلة من مبيعات التذاكر ذاتها. إنها ساعة النقّاد ولحظة المشاهدين، الذين لا يصحّ بهم التهاون مع الفضائح، بل عليهم أن يجعلوا من أربابها والمتواطئين معها عبرة لمن يعتبر.

لكنها ليست لحظة للتشفي والانتقام؛ بل هي موقف إنصاف أخلاقي ومبدئي لكل كرامة إنسانية سُحقت ولم تجد من يمنحها اعتبارها، وهذا في السينما، ومواقع العمل، والمراتب الإدارية، والحياة العامة، والأروقة السياسية أيضاً.

 

 إفصاحات معظم الضحايا لم تجد فرصتها في الواقع إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسم MeToo أساساً، ثم تلقفتها الصناعة الإعلامية التي أفاقت متأخرة على ما يجري
 إفصاحات معظم الضحايا لم تجد فرصتها في الواقع إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسم MeToo أساساً، ثم تلقفتها الصناعة الإعلامية التي أفاقت متأخرة على ما يجري
 

تحرشات في برلمانات أوروبا

وإن تعلّق الأمر بأروقة السياسة فإنّ الملفات المُخزية تتراكم في الأحزاب والوزارات والمجالس النيابية عبر أوروبا، ومنها عشرات من حالات الاستغلال الجنسي والتحرشات المنسوبة إلى نواب في البرلمان الأوروبي ذاته، طبقاً لتقارير وإفادات نشرتها مجلة "بوليتيكو" وصحيفة "صنداي تايمز" وغيرهما. وعلى طريقة واينستاين تقع بعض هذه الممارسات المشينة في صورة مقايضات غير أخلاقية لقاء وعود بالتوظيف أو بالتواطؤ في مواقف سياسية. تكتسب الحالة ذروة ساخنة في موعد محسوب من كل شهر، عندما يحمل النواب وطواقمهم الحقائب من المقر الرئيس في بروكسيل إلى المقر الثاني للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، بما يفتح هامشاً أوسع للاستغلال الجنسي، طبقاً لإفادات من داخل حزب الخضر الأوروبي. ما يلفت الانتباه بصفة خاصة أنّ ضحايا التجاوزات الجنسية في برلمان الوحدة خشين جميعاً في التقارير المنشورة من مجرد الإفصاح عن هوياتهن، حفاظاً منهن على وظائفهن أو تحسباً من مضاعفات ومتاعب إضافية. إنه خيار اللوذ بالصمت الذي يلفّ معاناة قاهرة وشديدة الوقع على النساء والفتيات في أبرز منابر العالم مناداة بحقوق النساء والفتيات، أي البرلمان الأوروبي. أي مفارقة هذه؟!

تأتي الأنماط الاستغلالية الفاحشة عادة ضمن فضاءات ممارسة السلطة بأنواعها. وقد أظهرت تقارير في النمسا خلال سنة 2017 أنّ طالبي اللجوء فيها واجهوا حالات وفيرة من الاستغلال الجنسي ترتّبت على حاجات اللاجئين للحماية والرعاية وإجراء معاملات، ولم يسلم من مثل هذا أطفال قاصرون بالطبع. إنّ أولئك الذين يُسيئون استغلال سلطاتهم على هذا النحو أيضاً يحملون في دواخلهم مذهب واينستاين في السلوك؛ لكن بمنسوب يلائم حدود سلطتهم التي تفترس فتاة لاجئة بحاجة إلى معاملة أو لاجئاً قاصراً تم وضعه في حماية أسرة. إنهم نماذج مصغرة من واينستاين على أي حال، وقد شاهدوا جميعاً حصصهم من أفلامه.

العالم مدين لهوليوود على أي حال، لأنّ الفضائح التي فاحت منها أشعلت جدلاً لم يتحقق حتى لمزاعم ارتبطت باسم دونالد ترامب قبيل انتخابه لرئاسة الولايات المتحدة. لعله بريق هوليوود تحديداً الذي أنعش الاهتمام بالحالة الآثمة ومنحها فرصة أفضل لإحساس الجمهور بها وفحص ما يناظرها في أوساط عدة من حوله، لكنّ إفصاحات معظم الضحايا لم تجد فرصتها في الواقع إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ووسم MeToo أساساً، ثم تلقفتها الصناعة الإعلامية التي أفاقت متأخرة على ما يجري.

على الجمهور حبس أنفاسه الآن، فالحبكة الدرامية لم تبلغ ذروتها بعد، وما زال الجدل الساخن في بواكيره التي تؤْذِن بمفاجآت صادمة، بما يستدعي الإمساك بالهراوات استعداداً لتهشيم أصنام الاستغلال الفاحش في هذا العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.