شعار قسم مدونات

الاختلاف قوة!

مدونات - باولينيو برشلونة
"أعترف بأننا اشترينا أفضل اللاعبين، لكن ليس بالضرورة أن يكونوا هم النوعية التي يحتاجها الفريق وقتها. فريق كرة القدم يشبه فرقة الموسيقى، من الممكن أن تضم أشهر عشرة عازفين لآلة الغيتار، لكن عازف البيانو غير موجود، وبالتالي لن تنجح أبدا المقطوعة الموسيقية التي ينتظرها الجمهور بفارغ الصبر".
 

يصف مانويل بليغرني في حوار سابق موسمه الوحيد مع ريال مدريد، ويلخص فشله رفقة الميرينغي بصورة فنية رفيعة المقام، واضعا يده على السبب الرئيس من وجهة نظره، إنه التشابه في كل شيء، وافتقاد التنوع المطلوب اللازم لخدمة المجموعة عند تأزم الأمور. هو نموذج قريب من المشروع الذي قد يفشل لأنه يضم 10 مهندسين دون أي عامل، وفي لحظة ما يكون الكل في أشد الحاجة إلى هذا الشخص الذي يختلف عنهم، حتى يُنجز ما عجزوا عن تحقيقه.

 

وبالحديث عن عمال المستديرة، علينا البدء بفوز آرسنال هذا الأسبوع، بعد أن كتب المدفعجية شهادة وداع رونالد كومان مدرب التوفيز، مع تألق كبير للويلزي أرون رامزي جندي الوسط. ويعرف الجمهور رامزي بأنه اللاعب الذي يتعرض للإصابة من فترة لأخرى، مع حدوث حالة وفاة لأحد المشاهير كلما سجل هدفا من باب الدعابة والسخرية، لكنه عندما يتمتع بلياقة قوية ويشارك في عدة مباريات متتالية فإنه يقدم أداء ثابتا ويضيف الكثير إلى منطقة الارتكاز، خصوصا مع جمعه بين الشق الدفاعي والهجومي، وقطعه المستمر من الخلف إلى الأمام تجاه منطقة جزاء المنافس، مستغلا الفراغات المتاحة في القنوات الشاغرة.

 

سجل رامزي هذا الموسم هدفين وصنع مثلهما في بطولة الدوري الإنجليزي، وسدد اللاعب على المرمى 22 تسديدة في 8 مباريات، بواقع 3.4 تسديدة في كل 90 دقيقة من إجمالي عدد الدقائق التي لعبها حتى الآن. وتعتبر هذه الإحصائية معبرة بشدة عن ما يعرف بمركز "البوكس تو بوكس" في التكتيك الجديد، أي لاعب الوسط الذي لا يقف في نصف ملعبه فقط، بل يتقدم باستمرار تجاه الثلث الأخير لصناعة وتسجيل الأهداف مستخدما سلاح الركض وخيار التسديد من بعيد.

 

لاعب متوسط الميدان لأرسنال أرون رامزي (رويترز)
لاعب متوسط الميدان لأرسنال أرون رامزي (رويترز)

 

لعب فينغر بالثلاثي لاكازيت، سانشيز، أوزيل في الهجوم، مثلث قائم على المهارة والخفة وتبادل المراكز، مع وجود ظهيرين على الأطراف ولاعب ارتكاز دفاعي ممرر بقيمة تشاكا، ويشترك كل هؤلاء في قدرتهم على الاحتفاظ بالكرة وطلبها، فقط أرون رامزي لديه القدرة على التحرك من دونها، لذلك يعتبر بمنزلة المُكمّل لهم بالشق الهجومي، فأوزيل يفضل التمرير بينما سانشيز يملك المهارة، ويعود لاكازيت كثيرا للبناء ومساندة الوسط في الحيازة والسيطرة، لذلك يأتي أرون من بعيد بسرعته واندفاعه وشغفه في اكتشاف الفراغ، ليكون خير سند لهجوم آرسنال الجديد الذي عرف طريق النجاح أمام إيفرتون.

 

ومن إنجلترا إلى إسبانيا في سنوات سابقة، حينما دفع رافا بينيتيز الثمن غاليا بعد سماعه لنصيحة فلورنتينو بيريز ودفعه بكل النجوم أمام برشلونة في كلاسيكو البرنابيو 0-4، ولعب الريال بالثنائي مودريتش وكروس في المنتصف، رفقة بيل وخاميس رودريغز على الجناحين، بينما شغل رونالدو وبنزيما مركز المهاجم بالتبادل، ورغم قوة هذه الأسماء وبراعتها فإن أصحاب الأرض ظهروا بصورة كارثية، وسيطر الكتلان بالطول والعرض من دون ميسي حتى النصف الثاني من المواجهة، ليستمر المدرب الإسباني فيما بعد لفترة وجيزة، قبل أن تتم التضحية به لصالح زين الدين زيدان.

 

زيزو نجم كبير، سوبر ستار خارج الملعب وداخله، لا يحترمه اللاعبون فحسب، بل أيضا يهابه فلورنتينو بيريز، لذلك نجح الفرنسي في فرض كلمته داخل غرفة الملابس، ومنع الرئيس من التدخل في التشكيلة كما كان يحدث سابقا، والعهدة على الصحافة الإسبانية، ليفوز المدرب في أول صراع خفي، ويضع كاسيميرو كأول لاعب داخل التشكيلة الأساسية، وكأنه ينتقم لزميله القديم ومواطنه ماكيليلي، الفرنسي الذي طرده فلورنتينو من أجل النجوم.

 

كاسيميرو يدافع بامتياز، يغطّي خلف زملائه ويعطي الأمان لتقدم الأظهرة، إنه لاعب الارتكاز الدفاعي كما يقول الكتاب من خلال قيامه بالعرقلة المشروعة والافتكاكات المثالية، لكنه تطور كثيرا في الفترة الأخيرة ليصعد إلى الهجوم ويسجل أهدافا حاسمة أمام فرق بحجم برشلونة ويوفنتوس ومانشستر يونايتد. ويخدم البرازيلي تكتيك فريقه بالكرة ومن دونها، حيث يعود بنزيما خطوات للخلف، حتى يصبح على رأس مثلث الوسط أمام مودريتش وكروس للتمرير وصناعة المثلثات الهجومية، بينما يصعد كاسيميرو إلى قلب منطقة الجزاء خلف رونالدو ليحصل على الكرة في أماكن مثالية، أو ينطلق بين الخطوط هاربا من الرقابة ليستخدم قدمه في التسديد، هكذا تضاعفت مهامه في الآونة الأخيرة، ليلفظ لقب الجندي المجهول ويدخل إلى عالم الجماهير من الباب الواسع.

 

 لاعب الارتكاز في ريال مدريد البرازيلي كاسيميرو (رويترز)
 لاعب الارتكاز في ريال مدريد البرازيلي كاسيميرو (رويترز)

 

وبعد أن أصبح كاسيميرو هو المثال جن جنون جماهير برشلونة بالصيف الماضي بعد رحيل نيمار وفشل التعاقد مع فيراتي وكوتينيو، لتذهب الإدارة بعيدا وتقرر التعاقد مع باولينيو، اللاتيني المنسي في دهاليز الكرة الصينية، في مفاجأة كبيرة أذهلت الجميع أصدقاء وأعداء. ولا يملك لاعب السيلساو الصفات التي تؤهله لارتداء قميص البلاوغرانا، ويبتعد أميالا عن الحامض النووي الخاص بنجوم برشلونة، على مستوى التمرير والتمركز والاحتفاظ بالكرة تحت ضغط، لذلك توقع معظم المتابعين فشله قبل حتى أن يرتدي قميص الفريق.

 

وبعيدا عن معدلات النجاح والفشل مع بقاء مباريات عديدة في الموسم الحالي فإن باولينيو ظهر بصورة لا بأس بها في البدايات، صحيح أنه أقل من معظم زملائه في الخروج بالهجمة من الخلف، لكنه يتفوق على غيره في الارتقاء والتعامل مع الكرات الرأسية، والاندفاع الهجومي نحو مرمى المنافسين، مع تسجيل الأهداف من كل الأوضاع ومختلف الزوايا، لذلك شارك أساسيا في أكثر من لقاء، وساعد برشلونة في خطف نقاط مباراة خيتافي، وضمان الفوز أمام إيبار وأكثر من منافس آخر.

 

يلعب فالفيردي مؤخرا بمزيج بين (4-3-2-1) و(4-4-2)، يضع المدرب جناحا صريحا على اليمين، ويراهن على سواريز كنصف جناح ونصف مهاجم في سبيل حصول ميسي على حرية أكبر بالعمق، لذلك يضع روبرتو كظهير أيمن في بعض المباريات حتى يدخل إلى العمق ويترك الخط لزميله ديولوفيو، كذلك يغطي بجوار بوسكيتس وإنييستا في المنتصف، خصوصا عندما يشارك باولينيو أساسيا، لأن البرازيلي يلعب باستمرار على مقربة من ميسي، وكأنه مهاجم إضافي داخل منطقة الجزاء، ليملأ الفراغ الناتج عن تحول سواريز إلى الطرف، ويساعد زميله الأرجنتيني في خلخلة دفاعات الغير وهز الشباك، عملا بمبدأ التنوع والاختلاف اللازم لزيادة قوة الفرق الكبيرة في السنوات الأخيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.