شعار قسم مدونات

أَحرامٌ على الأنثى حلالٌ على الذكر؟

blogs خاتم زواج

كثيرا ما كنتُ أتساءل في نفسي، لماذا يَحقُ لذكر أن يختار ويتخيّر عندما يقبل على الزواج ولا يُعاب ذلك عليه أبدا، فكما قال الرسول "تُنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها.."، بينما الأنثى إذا جاءها ملتزمٌ ورفضت لاعتبار آخر غير الدين وبّخت وخُطّأت وفي بعض الاحيان "كُفّرت" لمخالفتها أمر الشرع؟

 
وأكادُ أجزمُ أن كثيراً منا قد فكّر بهذا من قبل، وكلما كنتُ أخوضُ بهذا التفكير أتذكرُ الحديث المشهور "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض" فأقولُ إن هديَ النبي لأوسعُ من فكري، وأسأل الله أن يكشف ليَ البُعدَ من ذلك فأعلم الهدف، فلا يمكن أن يُعزر الرسول على أمرٍ كهذا إلا لهدفٍ عظيم، ولاسيما أن الحديث يقول إن الرفض "فتنة"، وأتذكر قوله تعالى "وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ" فأعود أدراجي وأسأل الله رفع الحُجبَ لأرى الهدف.

 
وفي أحد الأيام كنت أقرأ في سلسلة البداية والنهاية وإذا بي أمُرُ بقصةِ زوجةِ ثابت بن قيس، حيث قالت لرسول الله "والله ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام"، أي: لا أريده! دُهشت منها بشدة! كيف ترضاه دينا وخلقا، وترفضه؟ كيف رضي الرسول بهذا؟ كيف خالفت قوله تعالى" وما أتاكم الرسول فخذوه"؟ كيف تجرّأت وجرّت نفسها لمربع الفتنة؟ والأعجب من هذا تقبّل الرسول والصحابة لقولها تقبلا تاما دون تعزير، لا بد أن هناك خلل.

 
فسرعان ما شرعت بالبحث في سند القصة، وكنت شبه متيقنٍ بوجودِ ضعفٍ بها، ولكن كانت الصدمة أن القصة صحيحة لا يوجد بها أدنى خلاف! فبدأت أحاول التأويل بمعنى القصة، ولكن عبثا فالقصة واضحة، والمعنى أوضح، فعكفتُ على الأمرِ برهةً من الزمن، وأخذتُ أبحث عن أصل الأمر وعن قصص تدور حول هذا المعنى، والمفاجأة أني وجدت كهذه القصة ما يقارب الأربعة وهي صحيحة، ولكن لماذا لم يعلمونا إياها؟!

 

undefined

 

وأخذتُ أبحثُ عن وجه التعارض بين الحديث وبين تلك القصص، فما سمعناه وما علمونا إياه أن الأنثى إن رفضت "ملتزما" وقعت في إثمٍ عظيم وشرّعت أبوب الفتنةِ كلها برفضها، وبعد التقصي وجدت أننا قد هوّلنا كثيرا في تفسير هذا الحديث، -وللعلم هناك أكثر من لفظ للحديث وهناك أقوال قوية بضعفه حتى- ولا يصح لنا أن نوبّخ ونعنّف الأنثى لمجرد رفضها "ملتزما"! ولا ننسى أن كلمة "ملتزم" فضفاضة جدا وبالأخص في أيامنا هذه، وأقصى ما أربط به هذا الحديث في ظل هذه القصص كلها "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، ليس أمرا، إنما نُصحا وإرشادا، كما فعل النبي وصحبه مع زوجةِ ثابت وغيرها من النساء، فلم يرد عن رسول الله أنه وبّخ فتاةٍ لرفضها "ملتزما" أبدا.

 

رسالتي لكل قارئة، لك في الشرع ما يؤيد هذا الحق وبقوة، وحقك أن تضعي ما يناسبك من المعايير كما للشاب تماما، وهذا بالتأكيد لا يلغي بقاء الدين المعيار الأول

وهنا بالضبط قد وجدت ضالتي، فللفتاة كل الحق بالرفض لاعتبار أخرى غيرَ "الالتزام"، وهذا لا حرمةَ فيه شرعا ولا ضير، فالأمرُ أعظم من أن يكون قرارا عابرا، فكما للشاب أن يتخيّر الجمال فللفتاة أن تضع معيارا للجمال، وكما له تخيُّرُ النسب أيضا يحقُ لها تخيّر النسب، وكذا المال وغيره. ولا يحق لنا بأي طريقةٍ أن نوبّخهن لمجرد رفضهن ذو "الالتزام"، فقد لا يعجبها طريقة تفكير أو قد لا يعجبها قوامه حتى، وهذا بالطبع حقها كما للذكر تماما، وكلنا نعلم أنه لا يوجد ذكر إلا ويضع هذه المعايير، فلماذا نقبله للذكر ونرفضه للأنثى؟ مالكم كيف تحكمون؟!

 
ولأقرب لك ما أقصده، انظر في بيئتك، كم من شابٍ ملتزم وذو خُلقٍ قد تكره فيه طبعا ما؟ أو قد تعاف من عادةٍ يعتادها؟ أو حتى لا تروق لك طريقة تفكيره؟ وكل هذه الاختلافات بالطبع لا ضير فيها وهي لا تعيب دين الشاب أو خلقه، فهل أستطيع أن أُجبرك على مرافقته لدينه وخلقه فقط؟ كيف وتفكيركما مختلف؟ كيف وأنتما مختلفان ولا تنسجمان؟ بالطبع لن تقبل وهي مجرد صداقة فما بالك بزواج؟ كيف تتزوج فتاة ملتزمة ذو فكرٍ عميق وتفكيرٍ قويم بشاب ملتزم ذو فكر سطحي بسيط؟ كيف لهما أن يتوافقا؟ وعلى ذلك قس وستجد كم هي كثيرة تلك القياسات.

 
ما دفعني للكتابة هو جهلنا وظلمنا لبناتنا، وحالات الطلاق والفسخ العديدة المترتبة على هذا الأمر، فكما للشباب حقٌ بالتقرير فللفتاة حقٌ بذلك وكفانا استخداما خاطئا للدين!

 
ورسالتي لكل قارئة، لك في الشرع ما يؤيد هذا الحق وبقوة، وحقك أن تضعي ما يناسبك من المعايير كما للشاب تماما، وهذا بالتأكيد لا يلغي بقاء الدين المعيار الأول فإن فسد فلا حجةَ لكِ في غيره!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.