شعار قسم مدونات

الفلسفة والطفل والوطن العربي

Students sit in a classroom on the first day of school in the rebel-held Douma neighbourhood of Damascus, Syria September 16, 2017. REUTERS/Bassam Khabieh
من السؤال بدأت الفلسفةوبالسؤال تطورت وليس هناك من يطرح أسئلة أكثر من الأطفال فهل يمكن إدراج أسئلتهم ضمن إطار الفلسفة. إن عنوان هذا الموضوع الذي نحن بصدده، إنما يثير الاستغراب لدى الإنسان كرد طبيعي عندما نجد كلمة فلسفة تجاوز كلمة طفل،سوف يزداد الاستغراب مع وجود كلمة الوطن العربي إلى جوارهما،لذلك فإن الحديث سيدور حول الأطفال في عمر يتراوح بين سنةنصف حتى العاشرة؛حول الفلسفة بمعناها العلمي الذي يستخدمه الكبار.

السذاجة المشروعة

التفلسف عند الأطفال، كما يعتقد بعض العلماء، ظاهرة عادية طبيعية، إذ إن خواص انفتاح التفكير على عملية اكتشاف العالم المحيط من قبل الأطفال تتشابه إلى حد كبير بخواص الفكر الفلسفي الجدي. انطلاقا من هذه الفكرة، بالارتباط معها، يؤكد الأستاذ ماتيوز أخصائي نفساني بأن الفلسفة ليست سوى "السذاجة المشروعة" أي أنها تقوم، كنسق اجتماعي، بتشجيع طرح الأسئلة، خصوصا تلك الأسئلة الجوهرية، العميقة في مدلولاتها إلى ذلك الحد الذي يبدو فيه أن محاولات إيجاد الجواب على هذه الأسئلة هو ضرب من السذاجة.

يقول الأستاذ ماتيوز "إن المجتمع يحتاج إلى سقراط لكي يطرح الأسئلة البسيطة المعقدة في نفس الوقت، كما هي الحال في الأسئلة التي يطرحها الأطفال على الكبار، لكي يجبر الناس على إعادة النظر التفكير في كل ما يقبلون به دون تفكير". إن سذاجة الأطفال بساطتهم انفتاحهم على معرفة العالم المحيط بهم لاتحتاج إلى تثقيف تعليم خاص، لذلك من الممكن كما يقول البروفيسور ماتيوز أن نتوقع أن يصبح التفلسف واحدا من المظاهر الطبيعية للطفولة.

كيف يطرح الطفل العربي أسئلته الفلسفية الأولى؟ من يهتم بذلك من العلماء الفلاسفة العرب؟ ما هي الدراسات العلمية التي تمت حول هذا الموضوع؟ كيف نتعامل نحن الكبار العرب مع الأطفال؟
كيف يطرح الطفل العربي أسئلته الفلسفية الأولى؟ من يهتم بذلك من العلماء الفلاسفة العرب؟ ما هي الدراسات العلمية التي تمت حول هذا الموضوع؟ كيف نتعامل نحن الكبار العرب مع الأطفال؟
 
يبدأ التفلسف عادة بالشك في أكثر الظواهر اعتيادية بديهية بالنسبة للإنسان، غالبا ما يقود هذا الشك ليس إلى معرفة هذه الظواهر وكشفها على حقيقتها، وبالتالي إلى إلغاء الشك الحاصل والوصول إلى اليقين الراسخ المريح للنفس البشرية، بل وإلى زيادة حدة هذا الشك وتعقيده أكثر فأكثر.
إن عملية امتلاك الطفل للعالم المحيط به، ليست تقليدا أعمى بل هي عملية جدية تستحوذ على مجمل نشاط الطفل. إذن علينا أن نركز على عملية صياغة الأسئلة لدى الطفل، كيف ولماذا يسأل الطفل حول هذه النقطة المحددة؟ لذا علينا أن ننطلق من خصائص التفكير عند الطفل فهذا التفكير هو الذي يشكل هنا ذات المعرفة.

اللعب والتفلسف

إن الألعاب العقلية، والتفكير الفلسفي، كلحظات في التطور الفردي ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة يستخدمها الإنسان لمعرفة العالم المحيط به الموجود فعليا، فالعالم المحيط بنا ليس نقطة انطلاق فقط في عملية المعرفة، بل وهدف لها، وذلك فإن اللعبة أيضا تبدو وسيلة من وسائل معرفة العالم، كذلك فإن فلسفة الأطفال تبدو ليست لعبة عقلية منغلقة على ذاتها، بل وسيلة للمعرفة النشيطة التي يحققها الإنسان كجزء من هذا العالم المحيط به وفي ذاته. يقول العالم السويسري الشهير ج. بياجيه بأن تطور الذهن يكون على مراحل، حيث يوجد في أعماله ما يتعلق بشكل مباشر بحقل التفكير الفلسفي عند الأطفال، ففي أحد أوائل أعماله المبكرة تكلم حول "الميولات الدائمة التي تتخلل الأقوال العفوية التلقائية التي يتفوه بها الأطفال حول ظواهر الطبيعة التفكير طبيعة الأشياء".

ليس لدينا وصفة سحرية للمشاكل في كل المجتمعات على اختلافها، لكن يمكننا أن نؤكد بأن التعامل الصحيح من قبل كل الكبار مع الأطفال، يشكل أحد الطرق الرئيسية لتربية جيل جديد
الخوف من الكبار

كيف يطرح الطفل العربي أسئلته الفلسفية الأولى؟ من يهتم بذلك من العلماء الفلاسفة العرب؟ ما هي الدراسات العلمية التي تمت حول هذا الموضوع؟ كيف نتعامل نحن الكبار العرب مع الأطفال؟ هل ترتبط هذه القضايا بمستقبل الوطن العربي وازدهاره؟ كيف؟ كل واحد منا كان طفلا في الماضي، يستطيع أن يتذكر كيف كان يطرح أسئلته الأولى، كيف كانت الأجوبة، بعضنا قد وجد العناية والتفهم مع الأجوبة المقبولة منطقيا، إن الطفل العربي الذي لا يجد العناية اللازمة له من الكبار لن يستطيع بعد عقود أن يعطي ما سوف يكون مطلوبا منه.

الشيء الذي نود إضافته هنا، يتلخص بالتأكيد على حقيقة علمية حول العلاقة القوية بين التربية التي يتلقاها الطفل، ومجمل الظروف التي يعيش فيها، منذ الأشهر الأولى بعد ولادته، سواء كان في الأسرة أم في المجتمع بشكل عام، بين الطريقة التي سيتعامل بها هذا الطفل مع الواقع ومع نفسه والآخرين، بعد أن أصبح شابا أو شابة؛ أي أن الحديث هنا يدور حول جيل بكامله، طريقته في التعامل مع الأحداث المهمة كخطر الحروب النووية خطر تلوث البيئة المجاعة الأمية إلخ…

جيل المستقبل


ليس لدينا الآن وصفة سحرية للمشاكل في كل المجتمعات الإنسانية على اختلافها، لكن مع هذا يمكننا أن نؤكد بأن التعامل الصحيح من قبل الآباء المعلمين ومن قبل كل الكبار مع الأطفال اليوم، يشكل أحد الطرق الرئيسية لتربية جيل جديد يستطيع أن ينهض في القرن القادم بالحمل الثقيل الذي سيرثه عنا. هنا لا بد لنا من لفت نظر القارئ الكريم إلى الأبحاث والدراسات النفسية التي أجريت في التسعينيات في العديد من المدارس الابتدائية الأميريكية، فقد تم القيام بتدريس مادة الفلسفة، التي حوت مبادئ مبسطة في علم المنطق وعلم الأخلاق، ذلك على أساس الأمثلة الواقعية المأخوذة من حياة الأطفال أنفسهم.

أما البرنامج التفصيلي فقد أعده معهد التعليم الفلسفي للأطفال، وبينت نتائج البحث الذي أجري على 200 تلميذ (من الصف الخامس حتى الصف الثامن)، أن إجراء هذا الدرس بمعدل حصتين في الأسبوع قد ترافق مع تحسين ملحوظ في درجة استيعاب الأطفال في مواد اللغة الرياضيات.

ولا يسعنا الآن إلا أن نتساءل: ألا يجدر بنا أن نلعب مع أطفالنا ألعابا فكرية فلسفية؟ أليس اللعب مع الأطفال بكل أشكاله ممتع مفيد للكبار كما للصغار؟ إذا كنتم لا تدرون الجواب الصحيح فما عليكم إلا أن تجربوا اللعب مع أطفالكم وسترون بأنفسكم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.