شعار قسم مدونات

قبل أن تتهم طفلك بالغباء والكسل!

blogs طفل، مذاكرة، أصدقاء

ليس كل طفل متأخر في الدراسة هو طفل غبي أو كسول كما ينعته معظم الناس. فالتأخر عرض له أسباب كثيرة ومعظمها بيئة تربوية. والقليل منها ينجم عن النقص العقلي أو الأمراض النفسية أو الجسمية. لذا كان لا بد في كل حالة تأخر من فحص الطفل فحصا طبيا دقيقا يشمل الجسم واختبار الذكاء والمقدرة على القراءة وفحص السمع والبصر، وبعد التأكد من سلامتها جميعا لا بد من إجراء تحريات دقيقة لمعرفة الطريقة التي يعامل بها من قبل أهله ومدرسيه. وعندها لا تكون المعالجة الصحيحة إلا بتعديل الوضع ومعاملة حكيمة لتصحيح نظرته إلى نفسه ونظرة ذويه والمشرفين عليه نحوه.

 

ومن أكثر المواقف المنحرفة شيوعا عند الأهل والتي سنخصها بالبحث، طلب الكمال من الطفل، الإفراط في انتقاده، الإفراط في الخضوع لرغباته، الإغداق عليه، الإهمال، النبذ، عدم الثقة والمعاقبة. ولنر تبعا ما هي هذه المواقف وكيف تؤثر على تحصيل الطفل الدراسي:

الإفراط في انتقاد الطفل

فالأهل هنا يوجهون ابنهم المرة تلو المرة في كل أمر من الأمور، دون الاكتراث بميوله ورغباته مع حقه بحرية الاختيار، وتفاعل الطفل العادي تجاه سلوك الأهل هذا هو الإضراب والتشوش الذي قد يؤدي إلى العصيان والمقاومة إلى حد فعل عكس ما يطلب منه، فإذا ما كان طلب الأهل السهر الساعات الطويلة على الدراسة لتحصيل العلامات العالية، فقد يتخذ الطفل سبيل المماطلة والتثاقل فهو يمسك بالكتاب ويقلب الصفحات لكنه لا يقرأ برغبة وإقبال، وقد يصبح كثير الشرود والنسيان متباطئا، هذا إذا لم يعلن رفضه للدراسة صراحة.

انعدام وجود العلاقات الجيدة مع الكبار التي يتعلم منها الطفل وضع الحدود اللازمة لتصرفاته الابتدائية بصورة عفوية طبيعية تجعل منه شخصا متبعا للهوى، غير مراقب لتصرفاته
انعدام وجود العلاقات الجيدة مع الكبار التي يتعلم منها الطفل وضع الحدود اللازمة لتصرفاته الابتدائية بصورة عفوية طبيعية تجعل منه شخصا متبعا للهوى، غير مراقب لتصرفاته

الخضوع لرغبات الطفل

إذا استمر الأهل في الخضوع لرغبات طفلهم، رغم كبره، ودون اعتبار لاحتياجاته الحقيقية، وظلوا يسارعون في تلبية طلباته ويوافقون على تصرفاته الصبيانية دون وضع الحدود المناسبة والمتدرجة في الوقت الذي يجب عليه أن يتعلم ويدرك وجوب التقيد بهذه الحدود وأن يعكسها على نوازعه الداخلية، وهذا يحصل ابتداء من السنة الثانية من العمر، فكما يتعلم وجوب الحد من طلباته وتصرفاته وأن يصبر على شيء من الحرمان فإنه يتعلم عندئذ بشكل تلقائي وعفوي أن يصبر على نوازعه الداخلية.

وإلا – أي في حال الخضوع المفرط له أو تدليله – فإنه لا يستطيع تكوين عادة أو ملكة تحديد تصرفاته تجاه الآخرين وتجاه نوازعه أو ميوله الداخلية. أي أنه ينشأ أنانيا مستعبدا لرغباته وأهوائه وهكذا يذهب هذا الطفل إلى المدرسة وليس عنده الاحترام الكافي أو الاستعداد لكي يحترم أنظمة المدرسة والصف الضرورية للتعليم. وباعتباره عبدا لأهوائه فإنه لا يدرس إلا قليلا وبدون رغبة. فهو لم يتعلم محبة الأعمال والنشاطات المنتجة البناءة.

الإغداق على الطفل
عندما يهمل الأهل ابنهم في طفولته ولا يعطونه الوقت والانتباه الكافيين لمساعدته ومشاركته في لعبه وتعلمه. فإنه لا يتعلم فيما بعد عقد صداقات أو علاقات منتجة وثابتة مع الأخرين

يغدق الأهل على الطفل كثيرا دون النظر إلى احتياجه الحقيقي، وهذا السلوك يؤدي بالطفل إلى الملل، وعدم معرفة قيمة الأشياء، وبالتالي فإنه يفقد المتعة في تحصيلها. وفقدانه اللذة في تحصيل الأشياء يسري إلى المعلومات والمعارف التي تقدم له بالمدرسة. وذلك لأن التعلم يحتاج إلى بذل الجهد، وهو لم يتعود بذل الجهد في تحصيل أي شيء، ويتوقع، من حيث لا يشعر، أن يقدم له العلم على طبق من الذهب أيضا.

الإهمال

عندما يهمل الأهل ابنهم في طفولته ولا يعطونه الوقت والانتباه الكافيين لمساعدته ومشاركته في لعبه وتعلمه. فإنه يحرم من متعة مشاركتهم له وبالتالي فإنه لا يتعلم، ويصعب عليه أن يتعلم فيما بعد عقد صداقات أو علاقات منتجة وثابتة مع الأخرين.

 

وانعدام وجود العلاقات الجيدة مع الكبار التي يتعلم منها الطفل وضع الحدود اللازمة لتصرفاته الابتدائية بصورة عفوية طبيعية تجعل منه شخصا متبعا للهوى، غير مراقب لتصرفاته. وهذا يتجلى في المدرسة إذ يكون سلوك هذا الطفل غير نظامي، فهو بذلك مشاغب لا يعرف الانضباط. هذا ولا يخفى أن الانضباط أمر ضروري للدراسة، فالتلميذ بحاجة إلى أن يلزم نفسه بأوقات معينة للجد والدراسة.

 

فضلا عن كون التعلم لا يأتي في الصغر خاصة إلا عن طريق أناس آخرين. فإذا لم تعود الطفل على إنشاء صداقات جيدة فهو لا يشعر بقيمة أي علاقة مع الأخرين، ومنهم أولئك الذين يقومون على تدريسه وهذا ما يجعل تلقيه عنهم ضعيفا وغير مجد.

كثيرا ما ينظر الأهل إلى أن الشتم والضرب من الأساليب الفعالة للتربية. غير أن سلوك الطفل الطبيعي تجاه هذه التربية يرتكز حول طلب المزيد من المعاقبة مع شعور الخوف والرعب
كثيرا ما ينظر الأهل إلى أن الشتم والضرب من الأساليب الفعالة للتربية. غير أن سلوك الطفل الطبيعي تجاه هذه التربية يرتكز حول طلب المزيد من المعاقبة مع شعور الخوف والرعب
 
عدم الثقة بالطفل

عندما يبدو للأهل أن ابنهم سيكون فاشلا وينعتونه بالصفات الرديئة ويذمونه بمناسبة وغير مناسبة، نرى الطفل ينجذب بصورة لا شعورية نحو هذه الصفات وينمو عنده الشعور بالنقص حيث يلاقي صعوبات كبيرة في المدرسة، فأهله لا يتوقعون منه إلا الفشل، مما يؤدي إلى انجذابه نحو السقوط الذي يخافه، علاوة على ذلك فهو معرض لحالة اضطراب إن أظهر له أحدهم ثقته به، وهذا الشيء يحصل من المدرس أيضا، فإن أوحى للتلميذ بأنه غير جيد أو المهمل، فإنه ينساق على سلوك هذا السبيل أو ذاك.

المعاقبة

كثيرا ما ينظر الأهل إلى أن الشتم والضرب من الأساليب الفعالة للتربية. غير أن سلوك الطفل الطبيعي تجاه هذه التربية يرتكز حول طلب المزيد من المعاقبة مع شعور الخوف والرعب. فهو يرى نفسه هدفا لغضب أهله ويشعر أنه غير محبوب ومنبوذ من قبلهم. وقد يكون سلوكه في المدرسة تجاه معلمه كسلوكه في المنزل وكأنه يثير الأستاذ لمعاقبته. إن التحصيل الجيد يحتاج إلى علاقة ودية طيبة ما بين المعلم والتلميذ، وإذا تلكأ هذا الأخير في تحصيله المدرسي فهذا يوحي بوجود شعور عدائي ما بين الطرفين.

المعالجة
إن كان الطفل نزوانيا نتيجة خضوع أهله الزائد السابق له، وأصبح يغضب في كل مرة لم تلبى فيها طلباته، فلا بد من إرشاد أهله بوضع حد لتصرفاته بالشكل المناسب

عندما يكون هناك مرض جسمي أو نفسي فلا بد من معالجة السبب، وعندما يكون هناك تأخر عقلي فلا بد من معاملة الطفل على هذا الأساس. وأما إن كان السبب هو ضعف أو فقدان الاحترام المتوازن المتبادل ما بين الأهل والطفل، بسبب وجود أحد المواقف المرضية السابقة، فلا بد عندئذ من تعديلها.

فإن كان هناك إفراط في انتقاد الطفل وتوجيهه وملاحقته. فيجب إفهام الأهل بأن يكفوا عن ملاحقة ابنهم، وأن يخففوا الوطأة عنه، حتى يتحرر من ضعف القلق.. كما يستحسن تعليم الطفل بشكل مباشر لطيف يكون فيه صديقا لنفسه دون انتقاص أو توبيخ.

أما إن كان الطفل نزوانيا نتيجة خضوع أهله الزائد السابق له، وأصبح يغضب في كل مرة لم تلبى فيها طلباته، فلا بد من إرشاد أهله بوضع حد لتصرفاته بالشكل المناسب، وذلك بحرمانه من الجلوس مع أفراد العائلة، وأن يرسل إلى غرفته في كل مرة يزيد فيها عن الحد المعقول حينما يتعدى على حقوق الغير أو يغضب. على أن يسمح له بالعودة عندما يشعر بالندم ويغير سلوكه نحو الأفضل.

وإذا كان أصل العلة هو الإفراط في الكرم، فهنا يكون العلاج بفرض منزلي على الطفل يشارك فيه مع بقية أفراد العائلة، على أن يكون العمل معقولا، وألا يتعارض مع أوقات اللعب، وأوقات الدراسة. كما على الأهل تحمل اعتراض طفلهم على العمل، مع إصرارهم على تنفيذه. وأن لا يعطى من المال إلا ما يسد حاجته.

ومع أن الأهل موافقون على القواعد التربوية السابقة، ومعترفون بوجوب وجود الاحترام المتبادل مع طفلهم، إلا أنهم سيجدون صعوبة كبيرة في التعود على الطرق الجديدة، وقد يأخذ ذلك بعض الجهد والوقت بحكم انجذابهم لطرقهم المألوفة، كما سيرتدون إليها بين الفينة والفينة. لكن كونوا على يقين أنكم ستجدون في هذه الطرق الجديدة الراحة المنشودة بإذن الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.