شعار قسم مدونات

هل قام العثمانيون بتهميش العرب وتمييز الأتراك؟

Blogs-ottman

هل حقا قام العثمانيون بتهميش العرب؟ وهل العرب وحدهم من تم تهميشهم؟ أم شاركهم الأتراك هذا التهميش، في هذا المقال أجيب على هذه التساؤلات حسب استقرائي للتاريخ الإسلامي والتركي منه خاصة. 

     

 قامت دولة العثمانيين بعيدا عن العرب وبلادهم، ووصلت إلى ذروة قوتها بعيدا عنهم (وقد تم فتح القسطنطينية مثلا عام 1453م أي قبل دخول العثمانيين بقيادة السلطان سليم الاول عام 1516 ب 63عاما)، وأما الادعاء أن العرب قد تم تهميشهم في الدولة العثمانية فهو قول غير دقيق، لأن العثمانيين حين دخلوا بلاد العرب كان العرب قد تم تهميشهم منذ زمن بعيد جدا يرجع إلى لحظة سقوط دولة بني أمية والتي كانت دولة عربية قحة، ولكنها للأسف كانت تمارس سياسة فيها عنصرية واضحة على الشعوب التي خضعت لسلطتها وهذه حقيقة (قد يكون لها مبرراتها مثل قرب عهد هذه الشعوب من الكفر وعدم تمكن الإسلام في قلوبهم بعد) لكن هذه السياسة كانت من أهم أسباب سقوطها وقيام الدولة العباسية على أسنة وسيوف الموالي وهذا أمر معروف مشهور.

 

منذ قيام دولة بني العباس كان العرب قد بدأت ازاحتهم عن مسرح الأحداث، ثم خرجوا من كل دور سياسي أو عسكري وتطاول الزمن بهم على هذه الحال والبلاد الإسلامية العربية وغير العربية لا يحكمها سوى المسلمين الأعاجم، وإن وجدث إمارة عربية ما كالحمدانيين مثلا وجدث جيوشهم في معظمها من الترك والديلم، أي أن الإمارة عربية الوجه أعجمية السلطة والجيش.

 

مع الزمن اعتاد العرب أن يكونوا رعية بعيدين عن الإمارة والسلطة وعلى التتابع تقريبا (طولونيّون، إخشيد، بويهيّون، سلاجقة، اتابكيات، زنكيّون، أيوبيّون، مماليك بحرية، ثم مماليك برجية)، أي ما يتجاوز600 سنة، فلما دخل العثمانيون بلاد العرب وجدوهم على النحو الذي وصفت، وكانت سياسة العثمانيين في حكمهم غير مركزية وكانت تبقي على الزعماء المحليين في الأقاليم والقرى ما داموا أعلنوا لها الخضوع للسيادة العثمانية فبالتالي بقي كثير من الأمراء الأعاجم في سلطانهم تحت الحكم العثماني. 

     

من خلال قراءتي واستقرائي لتاريخ التركمان في الإسلام بشكل عام وتاريخ الدولة العثمانية التي أسستها قبيلة القايي التركمانية بشكل خاص، خَلُصت لملاحظة وافقني عليها الدكتور "أسامة أحمد تركماني" وهو مؤلف كتاب جولة سريعة في تاريخ الأتراك والتركمان وذلك في نقاش فيسبوكي، والملاحظة هي أن التركمان (الأتراك أفراد العرق التركي) وهم من نفس عرق السلالة العثمانية الحاكمة، كانوا أقل الأعراق حُظوةً وأكثرهم تهميشا في الدولة العثمانية العلية، فترى أن مناصب الدولة الحساسة والعالية والإدارية يتسلمها أشخاص من أعراق غير تركية، وكان أكثرهم من (الألبان، والأرمن، والشركس، والصرب، والبوسنة، والكرد، والكروات)، ونادر أن تجد تركماني في منصب رفيع أو صدر أعظم للدولة العثمانية.

    

نظرا لقوة دولة العثمانيين الفتية استطاعوا اخضاع القبائل الأخرى لحكمهم، لكن ظلّوا متخوفين منهم، لذلك عالجوا هذا الخوف من هذه القبائل بتهميشها وابعادها عن الحُكم والإدارة والاستعانة بعناصر أخرى محلهم
نظرا لقوة دولة العثمانيين الفتية استطاعوا اخضاع القبائل الأخرى لحكمهم، لكن ظلّوا متخوفين منهم، لذلك عالجوا هذا الخوف من هذه القبائل بتهميشها وابعادها عن الحُكم والإدارة والاستعانة بعناصر أخرى محلهم
          

كانت الدولة العثمانية تتعامل مع التركمان كعساكر وجنود يتم تعبئة الجيش منهم في وقت الحرب والأزمات الطارئة، وهذا يفند مزاعم من يقول أن العثمانيين رفعوا أبناء عرقهم وتعنصروا لهم، طبعا فعل العثمانيين هذا لم يكن نابع من خلفية دينية بقدر ما كان نابع من خلفية سياسية وتاريخية، فالدولة السلجوقية التي أسسها التركمان السلاجقة هي من قامت بفتح الأناضول وفتحت الباب أمام القبائل التركمانية الأوغوزية القادمة من الشرق للاستيطان فيه، وتتريكه وأسلمته مع الزمن، لذلك كان للسلاجقة احترام كبير وحظوة وخضوع في نفوس القبائل التركمانية الأخرى المهاجرة.

       

بعد ضعف دولة سلاجقة الروم أو سلاجقة الأناضول وانهيارها، كانت كل قبيلة تركمانية في الأناضول ذات قوة وسيادة ترى لنفسها أحقية في وراثة ملك السلاجقة، خصوصا القبائل القديمة التواجد منذ فتح الأناضول، كانت قبيلة القايي التركمانية والتي خرجت منها السلالة العثمانية تعتبر من أحدث القبائل هجرةً للأناضول، فبين فتح الأناضول وقدوم هذه القبيلة له ما يقارب قرنين من الزمان -هاجرت هذه القبيلة للأناضول من تركستان بعد زحف المغول نحو الغرب-، لذلك كان تسلطهم على الحكم الذي استحقوه بجهادهم وغزوهم وذكائهم وخلافتهم لبني سلجوق محلَ سخط قبائل تركمانية أخرى كانت ترى نفسها أَحق بذلك منهم، هذا السخط تحول فيما بعد لنزاع وقتال بين العثمانيين وبعض القبائل التركمانية، خاصةً في شرق الأناضول التي كانت ترفض التبعية للعثمانيين، طبعا نظرا لقوة دولة العثمانيين الفتية استطاعوا اخضاع تلك القبائل لحكمهم، لكن ظلّوا متخوفين منهم، لذلك عالجوا هذا الخوف من هذه القبائل بتهميشها وابعادها عن الحُكم والإدارة والاستعانة بعناصر أخرى محلهم.

      

هذا الأمر فيما بعد انعكس بصورة سلبية على العثمانيين، فقد لاحظ الصفويون هذا التهميش للقبائل التركمانية شرق الأناضول واستغلوه بخبث، فقاموا بإغراء زعامات القبائل ووجهائها بالمناصب في دولة الصفويين وإشراك الأتراك في الإدارة والحكم، لذلك -ومع الأسف- انجرت بعض القبائل التركمانية في شرق الأناضول للصفويين وتشيعوا، وأمدوا الدولة الصفوية بجيش من أعتى وأشد المحاربين التركمان وهؤلاء هم "القزل باش أي ذوي الرؤوس الحمراء" والذين كانوا يد الدولة الصفوية الضاربة.

      

لذلك أرى أن ابعاد العثمانيين لأبناء جنسهم عن إدارة الدولة كان سببا في ضعفها فيما بعد، خاصة بعد دخول عناصر غريبة ذات جذور مسيحية ويهودية من أعراق أخرى وعبثها بالدولة، كما أن هذا الإبعاد والتهميش كان تربة خصبة لنمو النزعة التركية الطورانية في نهاية الدولة العثمانية، في النهاية صدقا من يتهم الدولة العثمانية بالعنصرية لأبناء جنسها الأتراك لم يقرأ تاريخها ويردد ما يسمعه من المغرضين فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.