شعار قسم مدونات

صفعة الحريري

blogs سعد الحريري

وأخيرا، فعلها سعد الحريري. استقال من رئاسة حكومة "استعادة الثقة"، فأعاد إلى جمهوره القليل منها. مزّق نظرية "ربط النزاع" مع حزب اللّه. سحب الغطاء الشرعي التي كانت تؤمّنه حكومته عمليا لهذا التنظيم. رفض شهادة الزور الحكومية على استباحة الدولة والهيمنة عليها من قبل الدويلة. أنهى تمادي حالة الانفصام السياسي هذه. قلب الطاولة بوجه محاولة استتباع لبنان بالقوّة إلى محور الممانعة.

 

ردّ على التصريحات الإيرانية المفاخرة بالإمساك بقرار أربع دول في الإقليم، ومنها لبنان. وضع حدّا لمحاولات فرض التطبيع مع النظام السوري، تارة تحت حجّة التنسيق ضدّ المجموعات الإرهابية، وطورا بذريعة ضرورة التنسيق لعودة اللاجئين السوريين من لبنان. أسقط التسوية العبثية التي أتت بعون رئيسا للجمهورية منذ سنة، بعد أن قطع الأمل من إمكانية أن يكون العماد عون وسطيّا، كحكم على مسافة واحدة من جميع الفرقاء. أطاح بأحلام البعض بالعودة إلى صلاحيات وممارسات وأدبيات ما قبل الطائف. وضع حدا لتغوّلهم في التعيينات الإدارية.

استقالة الحريري جرت على وقع تصريحات نارية بين ثامر السبهان، وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية، وعلي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية
استقالة الحريري جرت على وقع تصريحات نارية بين ثامر السبهان، وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية، وعلي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية
 

صفعة هي استقالته. أصاب بها أكثر من خدّ واحد. مفاجأة هي استقالته. جريئة هي استقالته، جاءت فرجا لكثيرين بعد طول انتظار. لعلّ في هذه الاستقالة جرعة أمل ضدّ الإحباط المسيطر، لا سيما داخل الطائفة السنية التي فقد جزء كبير منها الثقة بالحريري خلال هذه السنة. لعلّ في هذه الاستقالة صدى متأخّر لاستقالة وزراء 8 آذار في 13 كانون الثاني 2011. عندها، استقالوا فجأة من الحكومة، فأسقطوه. ها هو اليوم يردّ لهم الجميل بعد 6 سنوات. يستقيل من رئاسة الحكومة، فيسقطهم. يبدو أنّ الفرنسيّين على حقّ، فالانتقام طبق يؤكل باردا.

استقالة حصلت في أجواء دولية متلبّدة، ووابل من قوانين العقوبات الأمريكية الجديدة والمشدّدة ضدّ إيران وحزب اللّه. استقالة جرت على وقع تصريحات نارية بين ثامر السبهان، وزير الدولة لشؤون الخليج العربي بوزارة الخارجية السعودية، وعلي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية. قيل، وسوف يقال الكثير عن أسباب الاستقالة الداخلية والخارجية، وعن مؤشراتها كمقدّمة للعاصفة التي ستحصل في الإقليم بين دول الخليج وإدارة ترمب من جهة، وإيران من جهة أخرى، وعن تداعياتها الأمنية والسياسية والشعبية والاقتصادية والمالية المرتقبة في لبنان.

المواجهة بلبنان الآن مواجهة سياسية مع السلاح غير الشرعي، ومع محاولات إضفاء القدسية عليه من خلال استنساخ تجربة الحشد الشعبي، كما حصل في معركة جرود عرسال الأخيرة

الأهمّ هو أنّ الاستقالة تقطع الشك باليقين فيما خصّ عدم إمكانية التعايش مع سلاح حزب اللّه في لبنان. فالتنازلات الكبيرة التي قدمها الحريري للحزب وحلفائه تحت حجة حماية البلد خلال رئاسته للحكومة، والتي انتقد عليها من قبل جمهوره، ودفع رصيدا كبيرا من شعبيته ثمنا لها، قابلها الفريق الآخر بمزيد من التحدّي والغطرسة، وبممارسات تؤكّد أنّه لا يسعى إلى الشراكة في الحكم، بل إلى التسلّط والتفرّد بالخيارات المصيرية في لبنان، خدمةً لمحور الممانعة الذي ينتمي إليه. وليست الزيارة التي قام بها وزراء من 8 آذار إلى دمشق في الصيف الماضي رغم معارضة رئيس الحكومة، إلا خير مثال على ذلك.

هي المواجهة من جديد في لبنان. مواجهة مفتوحة على جميع الاحتمالات. مواجهة ربّما تعيد إحياء حركة 14 آذار وأدبياتها. هي مواجهة سياسية مع السلاح غير الشرعي، ومع محاولات إضفاء القدسية عليه من خلال استنساخ تجربة الحشد الشعبي، كما حصل في معركة جرود عرسال الأخيرة. هي مواجهة مع من يخرق مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، ومع من يقيّد قيام الدولة، ومع من يحاول الاستفراد بقرار الحرب والسلم. هي مواجهة مع من يفرض الصفقات مع التنظيمات الارهابية، كما حصل مع داعش في الجرود في آب الماضي، وفي أحلك الظروف. 

هي مواجهة، الأرجح أن تكون تبعاتها مكلفة، لا سيما فيما يتعلّق باستقرار البلد، وفيما يتعلّق في مصير الاستحقاقات الدستورية، كتشكيل حكومة جديدة، أو إجراء الانتخابات المرتقبة في الربيع القادم بموعدها. هي مواجهة في بلد يعاني من وضع أمني واقتصادي هشّ، ولكن هي مواجهة توقّع حتميّتها كلّ من عارض التسوية الرئاسية منذ سنة، ولا بدّ منها في سبيل حرية وسيادة واستقلال لبنان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.