شعار قسم مدونات

أسئلة تحت وقع الثورة الكاشفة

Blogs- حزب الله
في مايو من عام 2000، كنت في طريقي إلى تمام العشرين من العمر، وقد شهدت مثل غيري من الشباب انتصار حزب الله على إسرائيل، بل وزهوت به مثل من زها من أبناء جيلي. دفعني هذا الزهوّ خطوة أخرى إلى الأمام، ألا وهي التساؤل عن هؤلاء المنتصرين المسلمين؟  من هم؟ ما أفكارهم؟ كيف يعيشون هذه الحياة الجهادية الاستشهادية المنتصرة؟ ما مصادر إلهامهم؟ ما مبعث ثقتهم؟

   

قادت هذه التساؤلات الفتاة العشرينية إلى القراءة عن الشيعة، والاستماع لهم.  بل ومحاولة عيش تجربتهم، لعلّ شيئًا يصيبها من عبق هذه الروح الجهادية. كانت أولى الخطوات مع حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، ونعيم قاسم، نائب أمين حزب الله، ثم مع علي شريعتي، ومرتضى مطهري، ثمّ مع محمّد بهشتي ومحمد حسين الطباطبائي وموسى الموسوي، وكلهم علماء ومفكرون شيعة إيرانيون.

  

جلست في شهر محرّم من ذلك العام البعيد أمام شاشة التلفاز جلسةَ التلميذ أتابع باهتمام دروس حسن نصر الله في العشر الأوائل من محرم. كنت أدون الملاحظات والأفكار ممّا يقول. فهمت منه ماذا تعني "كربلاء" عند الشيعة وماذا يعني "الجعل التكويني"، وكيف تُستلهَم هذه الواقعة التاريخية في كل عصر لتحقيق نصرٍ للشيعة على من سواهم، وكيف تفسّر كربلاء تفسيرًا متعاليًا متجاوزًا (transcendental) فكربلاء في نظر الشيعة واقعة لا تنتمي إلى التاريخ بل إلى ما وراء التاريخ.

 

ثم قرأتُ كتاب "الشهادة" لعلي شريعتي وفهمت كيف يفسّر الشيعي كربلاء من منظورات فلسفية وتأويلية عالية، ثم قرأت عمل لمرتضى مطهري وفهمت كيف يصل بين الغيب والشهادة في براعة المتكلم الفيلسوف. لم أكتف بذلك، بل قررت أن أختبر بنفسي هذه التجربة المتجاوزة في نظرهم.  فانتظرت محرّم التالي في العام الذي يليه في 2001 وحين هلّ، شددت الخطى إلى شارع الأشراف بالقاهرة الفاطمية حيث مراقد أهل البيت لأزورهم بادئة بالسيدة زينب ومنتهية عند الحسين، حيث أقرأ بعض الابتهالات والأدعية من كتاب "مفاتيح الجنان" الذي أهدانيه إيّاه صديق متشيّع، وجلست أنتظر الفتوحات!


في عام 2013 تأكدت تمامًا أن حزب الله يساند نظام الأسد ويشارك في قتل السوريين؟ فكيف أدار حزب الله بندقيته من إسرائيل إلى سوريا؟
في عام 2013 تأكدت تمامًا أن حزب الله يساند نظام الأسد ويشارك في قتل السوريين؟ فكيف أدار حزب الله بندقيته من إسرائيل إلى سوريا؟

 

وفي  تلك الفترة، أذكر أنني تعرفت على كثير من المتشيعين المصريين المتحمسين جدًّا، والذين يقيمون شعائر عاشوراء عند مسجد الحسين في القاهرة الفاطمية كل عام، والذي فهمته لاحقًا أنه نشاط إيران الدعوي الاستراتيجي الدؤوب الصامت المستمر دون كلل أو ملل! مرت السنون، وخفت وميض النصر، وذهب شغفي تدريجيًّا خاصة حين أدركت الصلة بين التصوف والتشيع الذي لا حاجة لنا به. وفي خلال الأعوام التالية درست التاريخ الإسلامي بدار العلوم، وبدأت أفهم أدوار النصر والهزيمة بين التسنن والتشيع عبر أربعة عشر قرنًا. وقد كان تبادل الدُّوَل على أشدّه في منطقة فارس والعراق والشام. وأقصد هنا التداول بمعنى "وتلك الأيام نداولها بين النّاس".

 

ثم مرت سنونٌ أخرى، وتكشّفت حقائق مع الثورة الكاشفة، أقصد الثورة السورية، وانكشفت السياسة الواقعية المنبتة الصلة عن الأخلاق "المتجاوزة" تمامًا. يا إلهي…. كيف يمكنني تصديق ذلك؟ في عام 2013 تأكد تمامًا مساندة نظام الأسد ومشاركته في قتل السوريين؟ كيف أدار حزب الله بندقيته من إسرائيل إلى سوريا؟ أين المتعالي؟ أين انتصار الدم على السيف؟ أين أنت يا أبا عبد الله الحسين؟ يقول لنا شيعتك أنك اخترت السير في طريق مقاومة يزيد بن معاوية مع يقينك أنكَ مقتول! لأنك فديت الحق بدمك ودم آل البيت، وكنت تعلم أن هذه هي لحظة الملك العضوض، وأن دمك قد انتصر على سيف يزيد! وأن انتصارك ما زال يتجسد في التاريخ!

   

من يزيد هذا العصر يا حسين؟ ومن أنت يا حسين؟ بدأت أفهم التحالفات الحقيقية للشيعة، وأنهم يفضلون التحالف مع النصيرية على التعاون مع السنة، هذا فضلاً عن أن يكون هناك معيار متجاوز للسياسة والمصالح من الأساس، سواء كان معيارًا أخلاقيًّا أم دينيًّا!

 

ولا يزال رأسي يتصدع بالأسئلة! أيهما أشدّ خطورة من منظور تاريخي، أهو المدّ الإيراني في المنطقة العربية أم دولة إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة؟ وهل إسرائيل عدوّ حقًّا للجمهورية الإيرانية كما تدّعي؟ ولمَ فعلت إيران في سوريا ما لم تفعله في إسرائيل؟ هل هي الحرب الممكنة مقابل الحرب غير الممكنة؟ أم هناك شيء ما لا نفهمه في الغائيّة السياسية الإيرانية يجعل من سوريا هدفًا أساسيًّا ويجعل من إسرائيل هدفًا ثانويًّا؟ أسئلة لا تنفك تبرحني تحت وقع الثورة الكاشفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.