لن ترضخ الأمة لهذا القرار طبعا وبكل بساطة، فالعديد من الانتفاضات قد اشتعلت في ربوع متفرقة من الدول العالم العربي، في مصر وفي الجزائر على سبيل المثال منددة بهذا القرار الجائر، وفي محاولة للتعاطف وذلك أضعف الإيمان. يقول الهواري بومدين الرئيس الجزائري الراحل: "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، هذه الجملة لا تكاد تفارق الكبير ولا الصغير في أي موقف يستدعي الحديث عن فلسطين. لكن دعنا نتفحص العبارة من زاوية أخرى، من بإمكانه أن يشك في كون فلسطين مظلومة؟ من بإمكانه أن يراوده شعور أن فلسطين ظالمة؟ العبارة لا شك أنها تحمل الدلالتين معا، لكن الناس تغض الطرف على الشطر الأول منها بكل بساطة، وهذا ما يدفعني أن أطرح هذا السؤال: ماذا لو كان فلسطين حقا ظالمة؟ لن يؤدي هذا السؤال إلى جواب بقدر ما سيؤدي إلى اتهامات.
ولن يقبل أحد هذا السؤال أساسًا، فجيلنا الذي ينتمي بشكل كبير إلى الثمانينيات والتسعينيات على يقين كون فلسطين مظلومة وليست ظالمة، وبإمكانه أن يثبت هذا وأن يعاتب وينادي وينتفض ويقسم بأغلظ الأيمان على كونها مظلومة، لكن التاريخ لا يرحم، فمن يدري ماذا يحصل غدا؟ فبالأمس القريب لم يكن أحد يظن أن بإمكان أمريكا أن تهدي القدسَ إسرائيلُ على طبق من ذهب، وآثرتُ أن أقدم القدس على إسرائيل لعلو مرتبة الأولى، ولكن ها نحن اليوم نشهد تتويج هذه الأخيرة بالجائزة العظمى في ظل غياب بقية الأطراف أو ربما "عفوا" في حالة تواطؤ ويمكن أن يكون هذا قذف.
إن القذفَ من الكبائر في عقيدتنا، وأن نشير إلى دولة ما بالبنان ونتهمها بالتآمر والتواطؤ إلى جانب أخرى من أجل زف القدس كعروس إلى المغتصب الإسرائيلي، هذا يستدعي إعادة التفكير جيدا. ولابد لنا إذن سوى من العودة إلى التساؤل الأول الذي راودني مرة أخرى حتى نتبين حجم المصيبة التي نحن بصدد الولوج إليها ونفكر بهدوء في حلها. ماذا سيحصل حين يطرح الجيل القادم هذا السؤال؟ إن المصائب يعالجها أهلها، فإن لم يحرك أهل الديار في مصيبتهم شيئا، فلا أمل من أن يقدم جيل آخر بعدهم ويقوم بما لم يستطع أن يقوم به آباؤهم وأجدادهم، فجيلنا فشل بكل براعة في تصحيح مصائب 1948، لكن أملنا كبير في أن يصحح الجيل القادم أخطائنا وكل هذا ممكن إن استطعنا ببساطة أن نهيئه لذلك.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.