شعار قسم مدونات

يا عرب.. زواج القاصرات هو انتحار مجتمع

blogs زواج

تعلمت دائما أن لكل أمر في الحياة وجهين مختلفين وجوانب عديدة فما نراه سيء بالمطلق قد يحمل في طياته بعض الجوانب الإيجابية والعكس صحيح. في أي قصة تحصل أو موقف أمر به قد أختلف خلاله مع بعض الأشخاص كنت أحاول دائماً أن أرى الموضوع بطريقة بعيدة ومختلفة عن نمط تفكيري لأنني أعلم جيداً أن تغيير الزاوية التي ننظر بها للأشياء والمواقف قد يتيح لنا الفرصة لرؤية شيء جديد كنا غافلين عنه، إلا أن هذا الأمر لم يكن قابلا للتطبيق في كل مرة كنت أسمع بها عن قصة زواج طفلة قاصر، نعم وأقول كلمة طفلة لأن الأمر رغم قسوته حقيقي. حاولت أن أجد بعض الجوانب الإيجابية التي قد تبرر فعلة كهذه لكنني لم أجد شيئا قد يطغى ولو بمقدار ضئيل على عتمة هذا الموقف فما الذي يبيح لنا اغتيال الطفولة، أي حق نمتلكه لنرسم حياة أشخاص لسنوات ولربما طوال حياتهم فقط لأننا أكبر منهم عمراً، أليس حريا بنا أن ننتظر حتى يصبح هؤلاء الأشخاص أكثر قدرة على اخيار مصائرهم بأنفسهم.

 

ظاهرة حصلت وتحصل يومياً وستبقى مستمرة إن لم نقف ضدها، قد يخبرني البعض بأنني ربما أبالغ بردة فعلي وأن الأمر عادة قديمة ولم تعد شائعة لكن الإحصائيات للأسف تخبرنا عكس ذلك، فاستنادا لآخر إحصائية نشرتها اليونيسيف يتم زواج ما يقارب 39,000 ألف قاصر يومياً وبأن أكثر من 140 مليون فتاة قاصر سيتم تزويجهن بين عامي 2011 و2020 وأن 50 مليون منهن سيكن تحت سن الخامسة عشر، أي أن 140 مليون طفلة سيحرمن من أبسط حقوقهن الإنسانية كانتقاء الشخص الذي ستكمل بقية عمرها معه كأبسط مثال، عشرات الملايين ستسرق طفولتهن منهن وأحلامهن، عشرات الملايين سيحرمن من التعليم فأي سبب قد يبرر لنا اغتصاب الطفولة.

  

ما يؤلمني حقاً أن أرى موضوعاً كهذا ما زال مقبولا في مجتمعاتنا العربية إلى يومنا هذا، معظمنا كان قد سمع بأن العراق على سبيل المثال -لا التعميم- ستقوم بتعديل مشروع قانون الأحوال الشخصية ظننت بأن كلمة تعديل ستعني حريات أكبر وتصحيح لقوانين قديمة قد تحمل بطياتها الظلم لأحد شرائح المجتمع لكن تطلعاتي ارتطمت بجدار الواقع وتلاشت كلياً عندما سمعت أن إيجاز زواج القاصرات مقترح موجود وقائم ضمن مسودة التعديل، مجرد اقتراح قبول أمر كذلك هو بالنسبة لي اغتيال لأي أمر إيجابي قد يأتي بعده، أليس بأمر غريب أن تتخبط دولة أسست فيها أول الشرائع القانونية في العالم بتعديل دستور الأحوال الشخصية؟ لا يقف الموضوع عند دولة العراق لكنه كان أول ما تبادر إلى ذهني عندما فكرت بهذا الموضوع بسبب الضجة التي أحدثها هذا الاقتراح في الفترة الأخيرة، لكن العديد من هذه الحالات تحدث بشكل غير قانوني حتى في المجتمعات التي تمنع زواج القاصرات لأدرك تماما بأن معالجة الأمر لا تقف فقط عند بعض القوانين بل ربما يجب جعلها أكثر صرامة وربما زيادة الوعي الاجتماعي سيساهم بحل هذه المشكلة وأقول بأنها مشكلة لأنها فعلا كذلك، فالفتيات القاصرات يكن أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا إضافة لمخاطر الحمل ومضاعفاته والإنجاب المبكر مما قد ينعكس سلباً أيضاً على صحة المواليد الجدد.

 

لا ينبغي علينا أن نرسم حياة أطفال غير قادرين بعد على تقرير مصيرهم، ما يترتب علينا فعله أن نزرع بداخلهن العلم والوعي الكافيين
لا ينبغي علينا أن نرسم حياة أطفال غير قادرين بعد على تقرير مصيرهم، ما يترتب علينا فعله أن نزرع بداخلهن العلم والوعي الكافيين

 

لفت نظري أثناء قراءتي للإحصائيات التي تخص هذا الموضوع أن غالبية الحالات إن لم يكن معظمها كانت في الدول النامية لذا لا نستطع أن ننكر أن الفقر هو العامل المسيطر فهل تزويج فتاة صغيرة سيحل هذا الموضوع؟ أليس الأفضل أن نعدها لتكون عنصراً أكثر فعالية وإنتاجية، تزويجها ربما سيعفيكما كأهل من واجباتها في المرحلة القريبة لكن الأنثى كالشجرة المثمرة إن أعطيتها اهتماماً سترده لك أضغافاً في المستقبل، قد يحملك الأمر وهمٌ كاذب لمسؤولية ستمتد لعدة عليه في سنينك القادمة والأهم. سنوات إضافية إلا أنها ستكون لك السند عندما تكبر في العمر أو تحتاج لشخص تتكئ عليه من كل ذلك ستعلمها كيف تصبح شخصاً قادراً على الاعتماد على نفسها وألا ننتظر أحدا ليلبي متطلباتها الأساسية في الحياة وبالتالي ألا تخضع لعنف نفسي كان أو جسدي فقط لكونها عاجزة عن القيام بأبسط احتياجاتها، فكم سمعنا عن حالات لأمهات يمارس عليهن القمع والضرب وغير قادرات على الانفصال أو حتى الشكوى لأنهن لا يستطعن إعالة أنفسهن وأولادهن فتجدهم ببساطة أجساد خالية من أي سعادة أو بصيص أمل.

 

يقولون بأن السعادة اختيار وأنا أرى أنه يتحتم علينا ألا نختار عوضا عنهن واجبنا أن نعدهن ليكن أكثر حكمة واستقلالية ونضجاً

لذا أجد أن واجبنا كأهل أن نغرس بداخل أي أنثى أن التعليم هو الأساس بالحياة وبأنها شخص له كيان مستقل وليست تابع لأي كائن يحمل السلطة الاقتصادية أو حتى المجتمعية، فبعض الأسر ترجع قبولها للزواج المبكر على أنه سيصون المرأة ويحميها من الانحلال الأخلاقي وأنا لا أرى من خلال هذه الحجة سوى كذبة أكبر لأنها ستكبر يوما ما وستدرك بأنك قمت بالاختيار عوضا عنها وربما ستتمرد على هذا الاختيار وهو أمر طبيعي ومشروع لتجد بأنك لم تفعل شيئا سوى إضاعة بضع سنين من عمرها دون فائدة تذكر.

 

من حق كل أنثى أن تحب، أن تبحث عن الشخص التي تدرك بأنها ستكون قادرة على السير في هذه الحياة معه سواء كان هذا الاختيار صائبا أو لا، لكنه ببساطة اختيارها وسيعلمها الكثير بغض النظر عن النتائج، والأهم من كل ذلك لها الحق بأن تختار ألا تتزوج إن لم تجد الشخص أو أسلوب الحياة الذي ترغب به، لا ينبغي علينا أن نرسم حياة أطفال غير قادرين بعد على تقرير مصيرهم، ما يترتب علينا فعله أن نزرع بداخلهن العلم والوعي الكافيين، الأساس القوي الذي يجعلهن قادرات على مواجهة نوائب الحياة بمفردهن، لنفسح لهن المجال لعيش كل مرحلة عمرية بالشكل الكافي بما تحمله من تجارب وخبرات ستصقل شخصيتهن في المستقبل.

 

لنعطي الطفولة حقها بضجيجها وبراءتها لنثريها بالعلم والأمل، بالزاد الكافي القادر على ضمان حقها بالعيش الكريم، ولنفسح المجال أيضا لاختبار مرحلة المراهقة بما تحمله من تخبطات وأفكار متقلبة لأن كل يوم سيثري خبرتهن في الحياة أكثر. يقولون بأن السعادة اختيار وأنا أرى أنه يتحتم علينا ألا نختار عوضا عنهن واجبنا أن نعدهن ليكن أكثر حكمة واستقلالية ونضجاً أن نريهن بأن العمل والعلم هما ركيزتان أساسيتان في الحياة وبأنها ليست مقتصرة على الزواج فقط أو رجل سيحقق لنا الأحلام، لنعطيهن القدرة لقبول هذا القرار أو رفضه، أن نريهن بأن كلمة لا موجودة تماماً ككلمات القبول فهن ركائز المجتمع ودون أساس صحيح ومتين لن نكون قادرين على الوصول والارتقاء لأعلى درجات التحضر والإنسانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.