شعار قسم مدونات

مايكل كاريك وظلم جغرافيا كرة القدم

مدونات - مايكل كاريك

أمور كثيرة تميّز الكرة الإنجليزية كالاندفاع وقوة الاقتحامات البدنية والتحولات السّريعة من الدّفاع إلى الهجوم.. إلى آخره. اللعب بأريحية، محاولة إيجاد ثغرات لتمرير الكرة بين خطوط الخصم، النّظرة الثّاقبة ودقة التّمرير والتسديد كلّ هذهِ أمورٌ من بين أخرى يمتاز بها لاعب مانشستر يونايتد مايكل كاريك، اللاعب الذي لم تساعده الظروف كثيراً فنوعه من اللاعبين لا يلفت انتباه المتفرّج الإنجليزي ولم يتعوّد على طينته من ضابطي الإيقاع وصُنّاع اللعب.
 
بدأت مسيرة مايكل الاحترافية مع فريق وست هام حيث لعب للريق الشباب وبعدها مع الفريق الأوّل عدّة مواسم حتّى عام 2004 ليلعب بعدها مع توتنهام هوتسبير، ولم يكن أساسيّاً حينها في خطّة المدرّب الفرنسي جاك سانتيني وهو ما تغيّر لصالح اللاعب الشّاب سريعاً بعد قدوم المدرّب الهولندي مارتين يول الذي أبدى إعجابه وثقته في إمكانياته منذ يومه الأوّل في النّادي معتبراً كاريك أحد ركائز الفريق التي لا غِنى له عنها، ولعب بالفعل دوراً هامّا في منظومة السبيرز طوال موسمين لفت بعدهما أنظار السير آليكس فيرجيسون ليجلبه لمسرح الأحلام بعد مونديال ألمانيا صيف 2006 الذي لم يشارك في جل مبارياته نظراً لوجود لامبارد وجيرارد آنذاك ضمن صفوف منتخب الأسود الثلاثة. ومع بداية الموسم الكروي الموالي انطلقت إحدى أبرز مسيرات لاعبي خط الوسط الإنجليزي رغم عدم التقدير والظّلم الإعلامي الّذي عانى منه طوال مشواره الكروي.
 
شهدت كر القدم مطلع الألفية نجوماً كباراً كصانعي لعب متأخّرين "Regista" أبرزهم آندريا بيرلو وتشابي آلونسو الذي كان أقرب إلى ذلك الدور في أيّامه مع البايرن، يقول الأخير: "في الكرة الإنجليزية من الصّعب إنصاف أولئك الذين يحاولون جعل الفريق أفضل جماعيّاً بدل تلميع أنفسهم، مثل مايكل كاريك فهو يحاول جعل من حوله يلعب بشكل أفضل".
   

مايكل كاريك (يمين) وبول سكولز (يسار) (رويترز)
مايكل كاريك (يمين) وبول سكولز (يسار) (رويترز)

استفاد مايكل كثيراً في سنواته الأولى مع الشياطين الحمر من وجوده مع لاعب رائع في خط الوسط كبول سكولز ليشكّلا ثنائياً ساهم إلى حدٍّ كبير في تتويجات مانشستر الأخيرة مع السير خصوصا دوري الأبطال ضد تشيلسي وعدة بولات دوري وكأس على الصّعيد المحلّي. يقول عنهما زميلهما جاري نيفيل: "رؤية كاريك وسكولز كانت كالذهاب إلى مطعم هادئ والاستماع إلى البيانو، لقد كانت أمرًا مريحاً".
 
لدى مايكل كلّ ما يحتاجه لاعب خط وسط من قوة في التسديد، تمريرات بينية خلف ظهر مدافعي الخصم وتوزيعات للأظهرة في حال تقدّمهم، وما يجهله الكثيرون عنه هو صلابته الدفاعية وبالخصوص في المواجهات الثّنائية؛ فقد فاز ب 70 بالمائة من الانزلاقات "Tackles" التي قام بها في الدوري الإنجليزي، ليشيد به خصومه قبل زملائه. قبل نهائي دوري أبطال أوروبا في روما عام 2009 قال عنه شافي هرنانديز: "متوازن، يستطيع المساعدة دفاعيًّا، تمريراته جيّدة ولديه تسديدات رائعة إنّه لاعب متكامل". "يمكنه اللّعب لبرشلونة لديه رؤية رائعة وهو لاعب عبقري" آرسين فينجر. 
 
بالتأكيد يمكن القول إنّ كلام فينجر منطقي للغاية فنمط لعب برشلونة وبالخصوص في فترة جوارديولا كان ملائماً جدًّا لنوعية كاريك من اللاعبين فهو يشبه إلى حدٍّ كبير ما يراه المدرّب الإسباني وقبله يوهان كرويف عرّاب الفكر الكتالوني الكروي في اللاعب رقم 6 الذي يلعب كـ "Pivot" مِحور أمام قلبي الدّفاع ويكون معنيًّا أساسًا ببناء اللعب من الخلف -سيرجيو بوسكيتس أقرب مثال على ذلك- على عكس تصوّر جلّ المدرّبين عن هذا المركز حيث يكون اللاعب مطالبًا بأدوار دفاعيّة أكثر كقطع كرات الخصم قبل الدخول في منطقة العمليّات.
 

ظهرت لدى كاريك مشاكل في القلب وهو ما جعل اعتزاله مسألة وقت قصير، إذ أبدى جوزيه مورينهو استعداده لضمه لطاقمه الفنّي
ظهرت لدى كاريك مشاكل في القلب وهو ما جعل اعتزاله مسألة وقت قصير، إذ أبدى جوزيه مورينهو استعداده لضمه لطاقمه الفنّي
 

مايكل كاريك لاعب مميز وكان يستطيع الوصول لمستويات فرديّة أحسن بكثير، عندما تشاهد عملية التّطوّر التي تحصل مع بعض اللاعبين تحت إمرة مدرّبين معيّنين، محمد صلاح مع يوغن كلوب وكيفن دي بروين مع غوارديولا، تدرك أنّ مايكل أخطأ حين قرّر البقاء في الدوري الإنجليزي بعد رحيل السير آليكس، حيث لم يصل إلى ذلك المستوى الذي كان يمكنه الوصول إليه في أماكن أخرى ودوريّاتٍ تلائمه أكثر وتجعله قادراً على مقارعة كبار اللعبة وفرض نفسه كرقم صعبٍ في موازين خطّ الوسط العالميّة، لم يكن محظوظاً عند ولادته في إنجلترا وكان ساذجاً حين قرّر البقاء مع المان يو.
 
في الآونة الأخيرة ظهرت لديه مشاكل في القلب وهو ما جعل اعتزاله مسألة وقت قصير وأراه إلى جانب شابي آلونسو أحد المدرّبين الرّائعين في الفترة القادمة، إذ أبدى جوزيه مورينهو استعداده لضمه لطاقمه الفنّي وهو ما سيفتح له أبواباً مهمّة في مجال التّدريب. يقول تييري هنري العدّاف التّاريخي لأرسنال عنه:"النّاس لا تُقدّر حجم العمل الّذي يقوم به كلّ موسم، لن تدرك الجماهير قيمته إلّا بعد رحيله".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.