هذه لغة رجال الأعمال الوحيدة عندما يتزعّمون الدول، المال ولا شيء غير المال، لأجله تنشب الحروب، وفيه يشترى السلام، وفيه تدفع الدول "إتاوات" طويلة الأمد لتبقى على قيد الاستقرار، وبالمال يهدد أصحاب الحقوق ليتنازلوا عن حقوقهم وتشترى الذمم الواسعة، وتغرق الدول الصغيرة، وتطفو الأسماء الميتة مثل ميكرونيزا وأخواتها..
قبيل التصويت الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقول صديقي لم نعهد أمريكا بهذه "الوقاحة" مثلما هي الآن.. صحّحت له تعبيره الذي خانه وقلت له: ربما تقصد، لم نعهد أمريكا واضحة "بوقاحتها" مثلما هي الآن فوقاحة أمريكا لم تخفت ولم تتغير ولم يخبُ وهجها لكنها في هذه الأيام صارت أكثر وضوحاً وصراحة فأطلت علينا بوجهها الحقيقي في صبح مصالحها دون مساحيق إنسانية أو"مكياجات" الأعراف الدولية.. ماذا تريد أكثر من هذا الوضوح عندما تقول مندوبة الولاية المتحدة الأمريكية في الأمم المتّحدة "نيكي هيلي" وعلى طريقة "عريف الصف"، سأقيّد كل من صوت ضدنا في الجمعية العامة، ثم ترفع قائمة بالأسماء المشاغبة والمعارضة لــ "مربّي الصف" دونالد ترمب الذي سيخرج الدول من مقاعدها الواحدة تلو الأخرى لتنال العقاب وليقطع عنها المصروف بينما سيضع نجمة الرضا على جبهة من صمتوا..
كلاهما "عريف الأمم المتحدة" و"مربي الصف" يمثلان وجه أمريكا الحقيقي أقصد "أبله أمريكا"، كلاهما لم يجتهدان بكسب تأييد لخطوة بلادهما أو القيام بحملة علاقات عامة للدول الأعضاء لتبرير نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لم يفكّرا بهذا الإجراء على الإطلاق بل قفزا إلى العقاب ورفع الأرجل و"ضرب الفلقة" الاقتصادية للدول المتعثرة والفقيرة، دون أدنى شعور بالخجل أو الانكشاف أمام العالم، فالبلطجة على مرأى ومسمع الجميع وشراء الأصوات علناً.. والمال الأسود قادر -حسب اعتقادهما- أن يدخل في كل شيء ويلوّنه حتى المبادئ والقوانين الدولية..
فلا يوجد في قاموس الإدارة الحالية شرح لمفردات السياسة والتحالفات والتوازنات، لديهم "دفتر دين" طويل وثخين فيه حركات البيع والشراء والرشا والجرد السنوي لكل دول العالم، في قلب "دفتر الرئيس" يتنفّس الدولار في كل شيء، تشغله عمليات حسابية وإشارات جمع وطرح وضرب وقسمة، لا يوجد وقت للحكمة والعقل والتفكير ولا يوجد أي ذكر لأسماء الأصدقاء وأرقامهم حتى لو احتاجهم للمساعدة، فحكمته كحكمة بعض البقّالين في هذا الزمن المادي والمالي: الدين ممنوع وخاصة للأصدقاء.. الرجاء عدم الإحراج..
نحن أمام تاجر حقيقي، لا ينظر سوى إلى الميزانية الختامية يطمئن على إجمالي الربح وصافي الربح، ولا يعنيه أبداً تلك البنود المكوّمة في ميزان المراجعة كم موجودات الأزمات والجثث والضحايا، نحن أمام "شايلوك" جديد ومرابٍ جديد لن يكتفي باقتصاص اللحم منّا، بل سيقتص اللحم والأوطان معاً ليطعمها إلى كلابه الكثر..
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.