شعار قسم مدونات

فريد الأنصاري ونقد الحركات الإسلامية بالمغرب

Blogs- فريد الأنصاري
في هذا الموضوع نحاول تسليط الضوء على الكيفية التي جند بها فريد الأنصاري نفسه للتحدث بكل وضوح عن الإشكالات المتعلقة بالعمل الدعوى ومنهجه في الوقت الحاضر. من المعلوم أن فريد الأنصاري كان ينتمي إلى إحدى الحركات الإسلامية في المغرب، أثناء المرحلة الطلابية وبعدها، وهي حركة التوحيد والإصلاح، بمسمياتها التي كانت تتغير وتتبدل حسب الحقبة التاريخية التي كانت تعيشها وحسب علاقات الحركات بعضها ببعض، في محاولات كثيرة لجمع الشمل وتوحيد العمل الإسلامي.

 
ومن المعلوم، أيضا، أنه كان يختلف اختلافا كبيرا مع قيادات الحركة في منهج العمل وطريقته، ما جعله يقرر أن ينفصل كليا عن العمل الحركي ويتجه إلى العمل الدعوي المحض. وهذا لا يعني هروبه من السياسة أو موقفه المعادي لها تماشيا مع دعوة العلمانيين إلى الفصل بين الدين والدولة؛ وإنما يقصد، رحمه الله، تقويم الحكم علي السياسة ورتبتها التشريعية التي تستحقها، وهي الرتبة الثانية، كما بيّنها من قبل بالأدلة الواضحة البينة، ومن ثم تصحيح منهج الاشتغال بالدعوة الإسلامية في عدم الإقبال الكلي على السياسة باعتبارها أصلا كليا في الدين.

  
إن الإقبال الكلي، حسب الأنصاري، وتجميع القوى -كل القوى الدعوية- ينبغي أن يكون في الأصل منصبّا على تدين الأمة، صلاةً وصياما وزكاة وأخلاقا… إلخ. فإن تحقق تدين الأمة فعلا، فإن التدبير السياسي لهؤلاء المتدينين -اَنئذ- سيأتي طبيعة حتمية ونتيجة مضمونة. هذا المنهج الذي تبناه فريد الأنصاري هو منهج يصبّ في عمق السياسة وفلسفتها. وهذا ما عبر عنه في رواية "اَخر الفرسان"، متبنيا منهج سعيد النورسي وكلامه حين قال "كان تولى الحزب الدمقراطي -في تركيا- السلطة في البلاد سنة 1950 علامة أن إبان نضج ثمار النور قد حلت بواكيره، فجنينا بواكير السياسة التي ساست السياسة ولم تشتغل بالسياسة!" ص 213.

  

يذكر
يذكر "فريد الأنصاري" في كتابه أهم ما يجب أن يشتغل به الدعاة طوال مسيرتهم الدعوية وهو التعريف بالله عز وجل

 
إن قرار الأنصاري -رحمه الله- التخلي عن العمل الحركي حينما ولد حزبا سياسيا لم يكن قرارا نابعا من فراغ أو يعوزه الدليل، وإنما كان قرارا مبنيا على أسس متينة وأدلة واضحة جلية بيّنها من خلال عدة كتب، ومن بينها "البيان الدعوي"، "الفجور السياسي والحركة الإسلامية" وكتاب "الفطرية" و"الأخطاء الستة للحركات الإسلامية بالمغرب". هذا الأخير الذي خلّف ضجيجا من لدن المتعصبين للعمل الحركي، كان غالبه بسبب اتهام فريد الأنصاري، رحمه الله، بخدمة بعض الجهات السياسية، وقد رد على ذلك من خلال مقدمة الكتاب، لأنه كان يعرف هؤلاء المتعصبين الجاهلين حق المعرفة، فاستبقهم إلى ما قد يتهمونه به، وبرأ نفسه بالرغم من أنه لا يحتاج إلى ذلك، أقول ذلك لمن يعرف فريد الأنصاري حق المعرفة.

  
يقول، رحمه الله، في مقدمة الكتاب "ثم إننا قبل إصدار هذه الورقات قد استشرنا مع بعض أهل العلم والفضل باعتبار أنها قد تواجه تهما بالدعاية السياسية لصالح جهة ضد أخرى، لمن لهم غرض في خوض غمار السياسة، وشهد الله أن قصدنا من ذلك براء!".. إن قرار حركة التوحيد والإصلاح في المغرب أن تلد حزبا سياسيا، هو "العدالة والتنمية"، هو النقطة الفاصلة التي أفاضت كأس الخلاف بين فريد، ما جعله بعد ذلك ينفصل عن الحركة ويشتغل بـ"الدعوة الفردية"، وقد لقي نجاحا منقطع النظير حين اشتغل -بمفرده- بالدعوة إلى الله سبحانه، لا ينكره إلا أعمى أو حاسد أو متعصب للعمل الحركي.

  
إن فريد الأنصاري -رحمه الله- حينما انتقد الحركة الإسلامية لم ينتقدها من أجل الانتقاد، بل من أجل البناء، ولذلك نجده في الفصل الرابع من كتابه "البيان الدعوي" يذكر بعض معالم المنهج الدعوي الصحيح القائم بداية على أهم ما في الدعوة الإسلامية، وأهم ما يجب أن يشتغل به الدعاة طوال مسيرتهم الدعوية وهو التعريف بالله عز وجل. وهو رحمه الله أثناء انتقاده للذين يشتغلون بـ"الدعوة إلى الله" داخل هذه الحركة أو تلك في كونهم يدعون إلي التنظيم أكثر مما يدعون إلى الله إن لم نقل إنهم لا يدعون إلى الله. بوضوح وبشكل لا يدع مجالا للغموض والضبابية، القضية الأساس التي ينبغي أن تكون ديدنهم ومشغلهم الشاغل، وهي تدين المجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.