شعار قسم مدونات

الحُبُ والزواج إن اجتمعا تفرَّقا!

Blogs- wedding

أن تُحدِّثني عن ألمِ الهجر فلن أستغرب فالإنسان مِزاجيّ بطبعه، وقد يحمل حقائِبه وينسى من تكُون، نعم صدِّق أو لا تُصدِّق، لكنَّها الحقيقة. حدِّثني عن ألمِ فُراق الوالِديْن فذاك أصعب ما يفطِر القلبْ ولا ألم يُضاهيه إلاَّ اغتصاب الوطنْ وإيَّاك أن تُحدِّثني عن فُراق الحبِيب، فمن يُحبُّك بصدق لن يُدير ظهره ومن أدار ظَهره لك، فقُل له: "سلامًا على من هَجرنا طوْعاً" وإيَّاك والانتقام حتى لا تُصبِح جباناً، ضعيفاً فالحُبُّ قُوَّة الحُبُّ قُوَّة.

 

نذهب إلى الأعراس، فنجد الصالة عبارة عن طاولات للتفاوض حول حياة الزوجين تلك تُحادث قريبتها قائلة: "وأخيراً تزوجا، بعد أن تلاعبت بسيرتيْهِما كلُّ الألسن"، وتمر من أمام طاولة البنات فتجد الموضوع قائماً حول: "لم أتوقع أن يتزوجها، ليست سهلة أوْقعت به في شِباكها، يا لا حظِّها.. صح كلامك يا جدتي، الزينة زهرها في الحمى، والشينا زهرها في السما" (مثل جزائري يعني: الجميلة حظُّها في الوحل، والبشعة حظها في العلالي) للأسف هذه هي حقيقة الأعراس بريستيج، وكارنفال لعرضِ الأزياء، والمأكولات والحلويات الفخمة.

 
رغم هذه الأقاويل تجد العروسة وعريسها في عالمهما الخاص فهو لا يُبصر غيْرها، وهي تُبادل البنات نظرات التباهي بأميرها، فقصة حبِّهما مشهورة، فهي التي انتظرته، وهو الذي جاب الأرض بحثاً عن عمل يُسهِّل له الطريق نحوها، وهي التي كانت سترضى بالخبز والماء، فأهم شيء عندها أن تكُون معه، لكن أهلها وضعوا شُروطاً لا ينبغي تجاوزها، ولأنَّه بطل، عمل بجد وأخيراً أخذ أميرته إلى قصرها.

 
هكذا يبدأ الحُب بقناطير من التضحيات الكلامِية، وما أسهل الثرثرة بها، وما أصعب لحظة يقول لها: "حبيبتي تمنيتك أُمًّا لأطفالي، كم حلمت بأن أنجب منك قبائل وعشائر تحمل ملامِحك وتأخذ اسمي، بل أنتِ دولتي وحُكومتي.. لكن! قررت أن أُهاجر إلى الضِّفة الأخرى بحثًا عن عمل، لن يهدأ لي بال حتى أطرق بابك بخاتم الزواج"، يا للمسكينة تتحول إلى أرملة في ثانية تبكي فُراق حبيبها، الذي قد يأكله الحوت ولا يعود إليْها. وبعد مرور أيام تتصل بها صديقتها لتخبرها بأنَّه ما زال هنا، لكنه وجد فتاة أجمل منها، وتبدأ رحلة الانتقام، ومن هنا بدأت حكاية "الكادنة" أو القفل التي انتشرت مؤخراً: "البنات يذهبنَّ إلى الساحرات من أجل كسب قُرب من أحببن غصبًا".

 

الحُبْ لا يستمر إلاَّ بالاهتمام، والاهتمام الحقيقي يكمُن في احترام قُدسية الزواج
الحُبْ لا يستمر إلاَّ بالاهتمام، والاهتمام الحقيقي يكمُن في احترام قُدسية الزواج "ومن لا يرضاك شريكاً ويُبرهن بصِدق لا تأمنه"

 

ونفس الشيء حينما تجد الفتاة رجلا أكثر مالاً وجمالاً ورفاهية، فتبحث عن سبب ترمي به حُبَّها عرض الحائِط، فتقول له باكية بدموع التماسيح: "خطبني ابن خالي، وقد وافق أبي دون طلب مشُورتي، سامحني كنت لأهرب وآتي إليك، لكن أبي أغلق علي، وهددني بقتلك وقتلي إن التقينا مجددا، وداعا لا تنسني لأنِّيَ لن أنساك، وسأسمي طفلي باسمك"، تباً لمثل هكذا تفكير لكنَّه الواقع ولست أتكلم عبثاً، وبعد أشهر يكتشف بأن فُلان زوجها من عائلة غنيَّة، حقق لها حلم زيارة إسطنبول في أسبوع العسل، والمسكينة لم تتخيَّل أنَّها ستقضي بقية أيامها في تقطيع البصل داخل المطبخ، فمثل الغنيّ مثل الفقير أقرب الطُرق إلى قلبيْهِما، تمُّر عبر نفقِ المعدة (ليس ذنبي هكذا قالت جداتنا). تزوجا أخيراً، لكن بدأ كلّ واحد يظهر على حقيقته بعد شهرين من الغزل، بدأت العيوب تظهر وبدأ الحب يتراجع إلى الوراء، أتُراه كان حُبَّا؟ أم مجرد إعجاب نجح في تقمُّصِ الدور؟

 

تكلمت هذه المرة عن الحُبِّ والزواج في مُجتمعاتنا حتى لا يحشُر أيُّ شخص أنف الحُب في لعبِ المُراهقين والمراهقات، ولا يحشر قُدسية الزواج في تفاهة النزوات، الحب لم يكن يوماً خطيئة، لكن بعض مُجرمي المشاعر قد دنَّسُوا أبجدياته، دخلُوا عالمه دون طهارة قلبيَّة، لم يكن الحُب يومًا كذِباً وتلاعُباً، لم ولن يكون تجربة فاشِلة. كذلك الزواج ليْس بلعبةٍ للأطفال، متى ما أرادوا تفكيكها فعلُوا، ومتى ما تملَّكهُمُ الملل أعادُوا تركيبها، الزواج ليْس دُمية بيد بِنت تخيطُ لها الثياب حسب مِزاجها، وليْست كُرة برجلِ صبيّ يركلها حيثما شاء.

 
الحب والزواج عُملتان لا تخضعان للضريبة ولا للتضخُّم، لا يُمكننا تعويمهما حسب الضرورة هُما عُملتان صالحتان في كل زمان ومكان، فإن أحببتها فإنَّك تعُطي وعداً بأن تُقاسمها الدمعة كما البسمة، وهي كذلك لم ترضى بك عبثاً، فالمرأة مهما كانت قوية ستحتاج أن تحتمي بحُضنك كي تشعر بالأمان، وأنت مهما كُنت قوياً ستحتاج لأمٍ وأخت، وابنة، وامرأة من ضلعك هي نِصفٌ منك، تهتمُّ بك، تفخر بكُلِّك، تُقدِّرك وتمنحك الحياة.

 
المرأة كالأرض إن سقيتها باعتدال أزهرت في كلِّ المواسم، أمَّا لوْ أهملتها جفَّت أرضُها، وانقطع خيرُها، وكذلك الحُبْ لا يستمر إلاَّ بالاهتمام، والاهتمام الحقيقي يكمُن في احترام قُدسية الزواج "ومن لا يرضاك شريكاً ويُبرهن بصِدق لا تأمنه"، وأقُول أنَّ بداخل كلِّ امرأة مشروع أم تتوضَّح صُورته منذ الطفولة، ولتُصدِّق ما أقول راقِب طِفلة وهي تُلاعب دُميتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.