شعار قسم مدونات

مظلومية المرأة

blogs- Woman

يعبر الله عز وجل عن حسن المعاملة في الأسرة وإعطاء الحقوق بتعبير حدود الله ومثال عليها قوله تعالى "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ" في شرح حكم الخلع (وهي أن تخلع المرأة زوجها إذا كَرِهَته) وأذكر ما قرأته في التفسير بأن الحال التي يَعتبر فيها العلماء عدم إقامة حدود الله هو غياب حسن الصحبة بين الزوجين، هذه القاعدة التي لم أسمعها من عالم أو واعظ أو شيخ إلا متأخرا أن حسن الصحبة والمعاملة في الأسرة هو أمر من أوامر الله وحد من حدوده من لا يراعيها فهو لا يراعي حق الله، وتجاوزها كارتكاب الكبائر وترك الفروض. 

 

في مجتمعاتنا المعاصرة مهما قيل عن احترام المرأة يبقى مجرد حديث، حيث أن احترام المرأة يعني قبول حدوث خلافات معها والسعي للحلول الوسط لأن لديها الحق أن تمتلك أهداف ونظرة للحياة ومشاعر، عندما لا يشعر بالعيب عندما تحفزه لتغيير نفسه، لتهذيب أخلاقه، لتقويم اعتقاداته ولتصحيح أخطائه، عندما لا تقيّم على أساس الجمال والإغراء وتحويلها من كينونة لها حقوقها إلى منفعة مادية تستهلك وترمى.

 
وإذا لم نجد ما سبق ذكره في المجتمع فإننا سنصل إلى هذه النتيجة برأيي، اعتقاد كثير من الرجال أن معرفة المرأة الحق أو الصواب قبلهم إهانة لهم، الرجولة في مجتمعنا مقترنة بالصواب الدائم والحق المطلق والتميز النوعي لصالح الرجل، ويتم اجتزاء بعض النصوص الدينية لإثبات هذه القاعدة فكل رجل أفضل من أي امرأة مهما سبقته فهما أو علما أو تجربة.

 
وعندما تسبق امرأة رجل فيا للمصيبة، فإن المرأة ارتكبت في حق الرجل عيبا شنيعا وأهانته، ويبدأ الرجل بالحقد عليها وانتظار اللحظة المناسبة حتى يثبت أنها ضائعة من دونه، فإذا عرفت الحق مرة فهي رمية من غير رامي ومن محض الصدفة، فإذا أثبتت ذكائها أكثر من مرة فلا بد أن تبقى تحت المراقبة وتحجيمها لأنه سيصبح من الصعب السيطرة عليها لاحقا. أتأمل كيف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول بصراحة (أصابت امرأة وأخطأ عمر) وهو لم يكن فقط رجلا ورئيس دولة، وإنما صحابي ومبشر بالجنة؟! وقَبِل أن تدرك امرأة الحق والصواب وتقومه وتصححه. وفي هذا الزمن لا قداسة ولا اعتبار للزواج أو الأسرة لا يراعي الرجل حب زوجته له ولا يراعي حق أولاده لأنه يصعب عليه تقويم نفسه، فإما تقبل المرأة بما هو حاصل أو أن ترحل وسوف تتحمل هي ذنب تدمير الأسرة!

      

إنني أؤمن بمظلومية المرأة، وضرورة التجديد في خطاب حفظ حقوقها وهذه المسؤولية تقوم على الرجال والنساء، ذلك أن الإنسان يميل لاستضعاف الضعيف والرضوخ للقوي
إنني أؤمن بمظلومية المرأة، وضرورة التجديد في خطاب حفظ حقوقها وهذه المسؤولية تقوم على الرجال والنساء، ذلك أن الإنسان يميل لاستضعاف الضعيف والرضوخ للقوي
 

توضع المرأة بين خيارين أحلاهما مر، إما أن تقبل بالظلم وأكل حقوقها مقابل أن تبقى في جناح رجل (ربما يقول البعض أن المرأة قوية وتستطيع العيش بدون رجل وإلى ما هنالك، بالنسبة لي أعتبر هذا الفكر تردي في القيم، حيث أن الله خلق الذكر والأنثى ليحتموا ببعضهم) أو أن تحافظ على حقوقها مقابل أن تستقل بنفسها تماما فلا ترضخ لرجل. ولتوضيح ما أقوله أذكر حلقة لدكتور فيل عن امرأة كان يضربها زوجها ضربا مبرحا، وتأتي الشرطة لتبعده عنها، ثم تُسقط حقها شوقا له! قال الدكتور فيل لها "هل تحبينه أم تكرهينه؟ قالت له الاثنين معا، قال لها إذا أنت مجنونة! صمتت" ضعف المرأة الذي لا يستطيع استساغته الرجال وأستطيع فهمها إنها تحب وجوده في حياتها، لكنها تكره عنفه معها، نسبة ليست قليلة من النساء على هذا النحو.

  
إنني أؤمن بمظلومية المرأة، وضرورة التجديد في خطاب حفظ حقوقها وهذه المسؤولية تقوم على الرجال والنساء، ذلك أن الإنسان يميل لاستضعاف الضعيف والرضوخ للقوي ولتوضيح هذه الفكرة أذكر حديث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وقد تتساءلون ما الرابط؟ الحديث يتحدث عن فكرة عامة وعميقة، وهي أن فساد مجتمع ما يكمن في التغاضي عن أخطاء أصحاب القوة الاجتماعية ومحاسبة المخطئين من ذوي الطبقة الاجتماعية الأقل، واجتماعيا فإن الرجل أقوى من المرأة، لذا فإنه يتردد على مسامعنا أقوال من مثل (الرجل الذي لا يُعطي قيمة للمرأة من ربته؟ أليست أمه؟ أو الرجل الذي يؤذي زوجته لصالح أمه أو العكس أليست من تحرّضه أمه أو زوجته؟ أو الأب الذي يظلم ابنته بتحريض من الأم هنا أليست المرأة هي التي تؤذي المرأة؟ إذن المرأة السبب) وكأن الرجل جهاز تحكم عن بعد بيد أمه أو زوجته، أو أن الرجل لا يملك عقلا يفكر ويرجح فيه الصواب من الخطأ ويضبط سلوكه.

 

فالذنب كله ذنب المرأة، حسنا امرأة تعطي مساحة لابنتها في التعبير عن رأيها لكن الرجل يقوم بقمع هذه الفتاة لأنه لا يريد أن تكون شخصيتها قوية، الخطأ هنا خطأ من، الأب أم الأم؟ الأم تحاول أن تكسر الحلقة لكن الأب يعيق ما تحاول فعله، ومجتمعيا لا تستطيع فرض رأيها عليه، ثم يكون الذنب ذنب المرأة؟ ما لكم كيف تحكمون؟! هذا قائم على محاسبة الضعيف اجتماعيا وترك القوي، إن كنت ضعيفة فخذي حقك ممن هي ضعيفة مثلك، أما الرجال وهم الذين لهم سطوة اجتماعية ليسوا أسباب رئيسية في مشكلتك، تماما كما كان يقول لنا بعض الدعاة أن مشكلة فساد المجتمعات هي بسبب الأفراد وليست بسبب الحكومات!

 

صور ظلم المرأة المسلمة كثيرة، على الرغم من أن الرحمة قيمة أساسية من قيم الإسلام الحنيف، إلا أن الرجل يرتكن إلى قوته التي وهبها الله له في ظلمها وتهميشها
صور ظلم المرأة المسلمة كثيرة، على الرغم من أن الرحمة قيمة أساسية من قيم الإسلام الحنيف، إلا أن الرجل يرتكن إلى قوته التي وهبها الله له في ظلمها وتهميشها
 

ولتوضيح هذا أكثر أنقل منشور للدكتور همام يحيى يقول فيه: (من أهم الجذور الاجتماعية لأخلاق الطاعة الافتراض شديد الخطأ بأن صلاح المجتمع مشروط بصلاح أفراده، أو أن إصلاح الدولة والمجتمع يبدأ بصلاح الأفراد والتزامهم بالأخلاق الفردية، هذه إحدى أكبر خرافاتنا الاجتماعية، إصلاح الدولة يتم بإصلاح الدولة، بالانتخابات او الانقلابات أو الثورات، إصلاح المجتمع يتم بإصلاح العلاقات المختلة في المجتمع، بالحوار أو التوزيع التدريجي العادل للسلطة والثروة أو بالحرب الأهلية، كلها خيارات أخلاقية مشروعة) وبمثله أخذ حق النساء لا يقوم بإصلاح أفراد النساء فقط ووضح الجدة والأم والابنة في خانة واحدة وهم في الحقيقة ثلاثة أجيال مختلفة، فإن كان الرجل يظلم المرأة وهم من نفس الجيل لأن أمه ربته على ذلك ولا نستطيع الطلب منه أن يغير ذلك فإنه من باب أولى ألا تغير الأم أو الجدة أفكارهما بعد تكرار سلوكهم كل هذه الفترة من العمر! إعطاء الحق للرجل من الأجيال الشابة لأن يظلم ويطغى لأنه تربى على ذلك ومحاسبة النساء كبار العمر إنما هي سلبية وبقاء في حلقة مفرغة من الظلم وفساد المجتمعات.

 
آخرا نتساءل ما العمل؟ علينا ألا نناقش الجيل الكبير رجالا ونساء لتغيير أفكارهم، كل ما هو مطلوب منا أن نوضح لهم ما نؤمن أنه الصواب والعدل ليفهموا الإجراءات التي نتخذها للحفاظ على حقوقنا ولكسر حلقة الظلم والإصلاح الاجتماعي، وفي احتداد المشاكل علينا أن نكف شر الجيل الكبير عن الجيل الأصغر ضامنين حقوقنا غير شاعرين بالذنب من الفهم الخاطئ والتطبيق الخاطئ لبعض قيمنا كَبرّ الوالدين أو الحفاظ على الروابط الأسرية، وغير معتقدين بضرورة تخلي المرأة عن كل حقوقها من أجل الأطفال وعدم تدمير الأسرة، الإيمان بأن هناك حلول وسط وأن يصلح الرجال النساء وتصلح النساء الرجال من الأجيال الشابة التي تملك فرصة التغيير والتطوير، إن هذا كله مؤلم وثقيل على النفس لكنه مجدي.

  
وعودا على بدء فظلم المرأة كثير، والرحمة قيمة أساسية من قيم الإسلام الحنيف وهي مقترنة بالبصيرة، فلا يركن الرجل لقوته الاجتماعية وضعف المرأة اتجاهه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة) ومعنى أحرج: أضيّق على الناس من تضييع حقهما وأشدد عليهم في ذلك. ولا يضعف الرجل لإغراء القوة وعدم خسارته الظاهرية فلا يدعوه ذلك للقيام بمسؤوليته (أقصد أنه من الطبيعي أن تحاول المرأة الإصلاح لأن الكثير من منافعها تتعطل نتيجة للظلم، أما الرجل فلا يرى حاجة للإصلاح لأن منافعه لا تتعطل، فلا يكن تعطيل المنافع هو فقط الدافع للإصلاح وإنما القلب الصادق والعين البصيرة التي تعطي كل ذي حق حقه).

  
والمسؤولية على الرجل مضاعفة فالله أعطاه حق القوامة، وبدنه معافى لا يمر بالضعف والألم وتشوش التفكير والإرهاق الذي تمر به المرأة شهريا بسبب تقلب الهرمونات. فلنستثمر النعم وصلاحياتنا فيما فيه الخير والتطوير لنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.