شعار قسم مدونات

مدرسة الشكولاتة

blogs تعلم

ولأن الأدب هو الوسيلة الأولى التي تخاطب العاطفة عند الصغار، وبه تستثار الغرائز الطفولية بسهولة ويسر، إذ أن العناية بالعواطف والميول بل والغرائز هي العنصر الأكثر فطرية والأعظم تأثيرا في تحسين الأخلاق وتحقيق القيم وتغيير السلوكيات، ولذلك تبقى فضيلة الذكاء والمعرفة كما كان يظن الفلاسفة في بلاد الإغريق أنها وحدها تكفي لتحسين الأخلاق وتحقيق القيم في مرتبة ثانوية.. ما فتئ العديد من الأدباء والباحثين في مجال الطفولة يطلقون الأفكار والتجارب للارتقاء بأدب الأطفال العربي، واستخدامه كوسيلة تربوية ناجعة لينشأ جيل نستطيع أن نبني عليه الآمال التي عجزنا عن تحقيقها.

وتبقى صناعة السلوكيات، وتغيير السلبية منها إلى أخرى إيجابية هي المعركة المستديمة التي ينفق فيها الأدباء جل أفكارهم، إذ أن السلوك هو المرحلة النهائية والخطيرة التي تشكل الطفل للعيش في الزمن القادم، وما السلوك إلا استجابة لعواطف وغرائز زرعت من قبل في نفس الطفل فهو الآن يترجمها إلى أفعال على أرض الواقع.

وكما أن السلوك البشري هو النتيجة الطبيعية لغريزتي الحب والكراهية، لذلك لا بد أن تخضع الوسائل التي نريد بها تعديل سلوك ما لدى الطفل لهذا المقياس، تغليب أحدهما على الآخر، في لحظة عاطفية غامرة يعيشها الطفل، ليستمر معه هذا الإحساس في فترات لاحقة حتى يتغلب على القوة الدافعة لإحداث التغيير في حياته وفق ما نأمل.

يجب أن يتعرف الأباء على طبيعة المرحلة التي يمر بها الطفل وفقا للمرحلة العمرية التي هو فيها، وذلك من خلال القراءة في كتب علم نفس النمو، أو سؤال الخبراء في ذلك، وما أسهلها في وقتنا الحاضر
يجب أن يتعرف الأباء على طبيعة المرحلة التي يمر بها الطفل وفقا للمرحلة العمرية التي هو فيها، وذلك من خلال القراءة في كتب علم نفس النمو، أو سؤال الخبراء في ذلك، وما أسهلها في وقتنا الحاضر
 

(مدرسة الشكولاتة) واحدة من هذه الأفكار والتجارب لكاتبة الأطفال السورية / ميسون أبو شقرة، والتي تهدف إلى تفاعل أطفال المرحلة المبكرة (3 سنوات – 6 سنوات) ومحبي الشكولاتة من الأطفال، مع الأنشطة المطروحة من خلال مادة الشكولاتة في تطوير مهاراتهم المختلفة.. وفي جولة قصيرة عن ماهية هذه التجربة قبل الغوص في التفاصيل التي نراها من وجهة نظر تربوية، ومدى تأثيرها في تعديل السلوك وإكسابه:

فالتجربة تتكون من كتاب يحتوى على الصور الملونة والجذابة، والرسومات التوضيحية التي تناسب سن الطفولة، لتشوقه للمطالعة ومعرفة ما فيه، ويحتوي الجزء الأول منه على قصة (ميرا شوكوجونيور) بفصلين، الأول قصة الفتاة حين تذهب برحلة إلى غابات إفريقيا وتتعرف على ثمرة الكاكاو ثم يدور حوار شيق بينها وبين الثمرة حول المراحل التي تمر فيها ثمرة الكاكاو حتى تتحول إلى قطعة شكولاتة.. والثاني من القصة حين تقرر (ميرا) أن تذهب إلى مدرسة الشكولاتة حيث تتعلم هناك طريقة صناعة الشكولاتة الصحية برفقة خبيرة التغذية لتوضح لها بعض المعلومات الغذائية عن الشكولاتة..

 

وتنتهي القصة بأن تقوم (ميرا) بنقل خبرتها إلى الأطفال بحيث تعلمهم كيفية تحضير قالب من الشكولاتة الصحية وتقدم لهم نصائح تعلمتها من خبيرة التغذية حول العادات الصحية للتعامل مع الشكولاتة، وتذكر لهم أهمية تناول الشكولاتة الداكنة وأهمية ممارسة الرياضة وتوعيتهم بأن هنالك كائن آخر في فمهم يحب الشكولاتة (البكتيريا).

أما الجزء الثاني من الكتاب ويحتوي على ثلاثة فصول: تعتبر منهاج تعليمي يعمل على تنمية المهارات الفكرية والعضلية وينمي مهارات التخيل والتفكير الإبداعي لدى الطفل من خلال تشكيل مجسمات ووسائل تعليمية من قطع الشكولاتة الصحية. واستخدامها كوسيلة تعليمية بحيث تم استبدال الورقة والقلم وحتى المعجون التقليدي بمواد أكثر جاذبية حتى يكون الطفل قادر على التعلم من خلال اللعب.

 

أنسب اللحظات لزرع سلوك إيجابي، أو تغير آخر سلبي لدى أي طفل، هي لحظات السعادة التي يشعر بها الطفل، أو لحظات التأثر، بحيث أنه كلما تذكر تلك اللحظة زادت من دافعيته لعمل هذا السلوك

وكذلك الرسم على ألواح الشكولاتة وتصميم مجسمات فنية رائعة، ويتعلم تغليف قطع الشكولاتة بطرق إبداعية بحيث يحول قطع الشكولاتة إلى لعبة مسلية قبل أكلها، وأيضا إلى إيصال بعض القيم النبيلة مثل التعبير عن الحب يولد المزيد من الحب.

يأتي بعدها ورشة تكون نتيجتها حصول المربي والطفل على المعرفة الكافية بأن الشكولاتة ممكن أن تكون وسيلة تعليمية وليست للأكل فقط، وسيتعلم الطفل كيفية التعامل مع الشكولاتة من حيث اختيار النوع الجيد منها وقراءة المعلومات التغذوية، وذلك لتخريج أطفال منتجين وليسوا مستهلكين فقط.. وتعلم العادات الصحية التي يجب اتباعها خلال التعامل مع الشكولاتة، وأيضا تعرف الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة على أحرف اللغة العربية والإنجليزية، وتعرفه على الأرقام وتعلم العمليات الحسابية كالجمع والطرح.

يقول خبراء التربية بأن أنسب اللحظات لزرع سلوك إيجابي، أو تغير آخر سلبي لدى أي طفل، هي لحظات السعادة التي يشعر بها الطفل، أو لحظات التأثر، بحيث أنه كلما تذكر تلك اللحظة زادت من دافعيته لعمل هذا السلوك، وهكذا في حين تغير السلوك أيضا.. تماما كما تفعله الشكولاتة هنا في (مدرسة الشكولاتة) لمعرفتنا بما تحدثه الشكولاتة للأطفال من سعادة ومشاعر غامرة حين حصولهم عليها.. فربط الطفل بشيء محبب لديه من قبل الوالدين أو المعلم، وذلك من خلال معرفتهم بما يهواه الطفل، سيشعر الطفل بالسعادة تلقائيا كلما أراد أن يقوم بهذا السلوك الذي تم إكسابه إياه، أو تغييره.

وتحضرني الآن حكاية تلك الأم مع ابنها الصغير حينما حدثتني وهي تشعر بالسعادة: عانيت كثيرا مع طفلي الذي يبلغ السابعة من عمره، فهو كثير الحركة لا يستقر لدقائق معدودة، حاولت جاهدة أن أهذب له هذا التصرف أو أجعله يتركه لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل، اشتريت له الكثير من القصص المصورة والمجسمة لعلها تجذب انتباهه وتجعله يستقر ويتعلم في نفس الوقت القراءة وحب الكتاب.. حتى عندما كنت أحكي له حكاية أو قصة حتى يتدرب على الاستقرار كان يدخلني معه في معارك أمسك نفسي من خوضها بأعجوبة لكثرة حركاته التي ربما يؤذيني بها أحيانا بدون قصد.. كنت أشعر بالعجز التام حتى أنني كنت أبكى مما أعاني من التعب والهم حيال ذلك.. لكنني لم أيأس وكنت أدعو الله دائما أن يعينني في إيجاد طريقة تجعل ابني يترك هذه الصفة التي أرقتني كثيرا.

لعب الطفل بالرمل والرسم عليه وبناء ما يشاء من الأشكال.. يهذب سلوكه كثيرا، ويدخل عليه سلوكيات جديدة
لعب الطفل بالرمل والرسم عليه وبناء ما يشاء من الأشكال.. يهذب سلوكه كثيرا، ويدخل عليه سلوكيات جديدة

وفي يوم من الأيام كنت ألحظ على طفلي كلما سمحت له أن يخرج إلى باحة المنزل الخارجية للعب بأنه يرجع إلي وقد غمر نفسه غمرا بالتراب.. بعدها جعلت أرقبه من بعيد دون أن يراني حتى لا يشعر بالخوف أو التردد من أي شيء يريد فعله، فهو ليس الطفل الذي أعرفه يحاول أن يرسم على الأرض بيده بتأني، وإذا ما اعوج الخط مسحه ورسمه مرة أخرى، كذلك تأنيه في اختيار نوعية الحجر التي سيرمي بها على الأرض لاستخراج الخبيئة التي يرمون عليها لتظهر ليفوز بها من أخرجها برميته.. ففتحت لي المجال بالتفكير في أن أحدث شيئا جديدا في محاولاتي التي حاولت بها معه سابقا.

وفي اليوم التالي جعلت من يذهب إلى السوق ليحضر لي كمية من الرمل، ووضعتها في إحدى شرفات المنزل بعد أن جهزت لها مكانا مناسبا تصل إليها أشعة الشمس، ويمكن لطفلي أن يلعب بهذا الرمل وأن يرسم عليه ويبني به ما يشاء من الأشكال.. حينها تهذب سلوكه السابق كثيرا، وأدخلت عليه سلوكيات جديدة، وتعلم القراءة والكتابة وصناعة الأشياء، وهو الآن في تفوق مستمر في دراسته وحياته أيضا.

وكخطوات عملية للآباء والمعلمين والمربين في الاستفادة من التجارب التربوية في طريقة الربط بالمشاعر، هو أن يتعرفوا أولا على طبيعة المرحلة التي يمر بها الطفل وفقا للمرحلة العمرية التي هو فيها، وذلك من خلال القراءة في كتب علم نفس النمو، أو سؤال الخبراء في ذلك، وما أسهلها في وقتنا الحاضر.. ومن ثم كخطوة أخرى معرفة ما يحب الطفل وما يكره، وما الأشياء التي تجعله يشعر بالتأثر تجاهها، من مواقف أو أحداث، لأجل أن تتضح لنا المعالم الرئيسية للتعامل معه كما حصل مع الأم في القصة السابقة، ثم الانتقال إلى مرحلة المتابعة عن قرب، دون إكراه، بل بالتشجيع، وإعادة المحاولة في حال التعثر حتى نحصل على المراد الذي نريده. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.