شعار قسم مدونات

لماذا إلغاء عقوبة الإعدام؟

blogs - Somali

في الأسبوع الماضي والذي قبله تم تنفيذ عقوبة الإعدام ضد عشرة أشخاص في كل من البحرين والكويت، وفي السعودية تم تنفيذ هذه العقوبة ضد 153 شخصا في العام الماضي فقط.  تنفيذ عقوبات الإعدام في الدول العربية جعل سبع دول منها من بين عشرة دول الأكثر تطبيقا لهذه العقوبة في العالم خلال العام الماضي، طيقا لعدة تقارير متطابقة صادرة عن منظمات حقوقية دولية.

 

 وعلى رأس قائمة الدول العربية الأكثر تطبيقا لعقوبة الإعدام توجد العربية السعودية التي تحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد الصين وإيران، تليهم العراق في المرتبة الرابعة متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق هذه العقوبة. أما الدول الأخرى التي تأتي مباشرة بعد الولايات المتحدة الأمريكية فهي اليمن والسودان ومصر والصومال وفي المرتبة العاشرة الأردن.

 

كل هذه الدول تجيز قوانينها عقوبة الإعدام. لكن في الدول الإسلامية والعربية تجد عقوبة الإعدام تبريرا في النص الديني مما يشجع أكثر الحكومات على تنفيذها والجمهور على تقبلها.

 

المعارضون لهذه العقوبة لا ينطلقون فقط من كونها عقوبة وحشية فقط، أو إنها تنتهك الحق في الحياة، وإنما أيضا من إمكانية الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه القاضي عند النطق بالحكم

لذلك توجد هذه العقوبة في قوانين كل الدول العربية، باستثناء دجيبوتي التي ألغتها رسميا من قوانينها، فيما اقتصرت دول عربية أخرى هي المغرب والجزائر وتونس ولبنان على تجميد تنفيذها دون إلغائها من قوانينها السارية المفعول.

 

لكن محاكم كل الدول العربية، باستثناء دجيبوتي، ما زالت تنطق بهذه العقوبة، ويوجد في السجون العربية المآت من المدانين بها يعيشون داخل عنابر انتظار الموت. وحسب تقرير صادر عن "منظمة العفو الدولية" عام 2016 حول عقوبة الإعدام في العالم، فإن عدد أحكام الإعدام التي صدرت في الدول العربية عام 2015 بلغ عددها في سنة واحدة فقط 855 حكما بالإعدام، من بينها 538 حكما صدرت في مصر وحدها في سنة واحدة.

 

المدافعون عن عقوبة الإعدام في الدول العربية والإسلامية يستندون إلى النصوص الدينية الواضحة التي تقر بهذه العقوبة فيما يعرف بـ "عقوبة القصاص" المنصوص عليها في القرآن. وفي الشرع الإسلامي تم تحديد هذه العقوبة بصورة واضحة وقطعية في ثلاثة جرائم فقط لا غير هي القتل المتعمّد والزنا، إضافة إلى جريمة الترويع، ووضع عدة شروط يصعب توفرها مثل شرط وجود أربعة شهود لإثبات واقعة الزنى، وذلك تفاديا لأن لا يقع الخطأ وهو ما يجعل النطق بهذه العقوبة من أشد ما يمكن أن يواجه القاضي. وفي ظل عدم وجود عدالة تامة على الأرض فإن النطق بهذه العقوبة قد يحمل مجازفات كثيرة لأنه يصعب تصحيحها في حال تنفيذها وظهر خطأ في الحكم القاضي بها.

 

وحتى بالنسبة للمرتد، أي الذي يخرج عن دين الإسلام، فإن النص القرآني جعل عقابه في الآخرة وليس في الدنيا، بل واشترط أن يكون هذا العقاب بعد موت المرتد وهو كافر، وهو ما يعني أنه فتح أمامه باب التوبة حتى آخر رمق في حياته. لكن قوانين الدول العربية التي تعتمد وتنفذ هذه العقوبة تطبقها على جرائم كثيرة لا سند شرعي لها مثل حيازة المخدرات أو الاتجار فيها والتهريب وأحيانا على أصحاب بعض الأفكار المخالفة للمسلمات الدينية… وهو ما يضفي على بعض الأحكام القاضية بهذه العقوبة صبغة سياسية محضة..

أما المطالبون بإلغاء هذه العقوبة فيعتبرونها انتهاكاً لحق الإنسان في الحياة، ويستندون على القوانين الكونية التي جعلت من الحق في الحياة حقا مقدسا لا يمكن المس به حتى لو تعلق الأمر بمجرمين عتاة أو سفاحين وقتلة محترفين.

 

وهؤلاء المعارضون لهذه العقوبة لا ينطلقون فقط من كونها عقوبة وحشية فقط، أو إنها تنتهك الحق في الحياة، وإنما أيضا من إمكانية الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه القاضي عند النطق بالحكم. وقد أظهر واقع الحال عالميا وجود حالات تمّ الحكم على أصحابها بالإعدام وتبيّن لاحقاً أن الأحكام الصادرة لم تكن سليمة لكن بعد أن تم تنفيذها.

 

الكثير من الأنظمة السياسية قد تستغل الدين كغطاء لاستمرار هذه العقوبة ليس من أجل ردع المجرمين العتاة وإنما من أجل تصفية وتخويف وترهيب معارضيهم

صحيح أن هذه العقوبة مازال معمول بها في دولة توصف بأنها قائدة "العالم الحر"، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هناك 102 دولتين حتى اليوم ألغت من قوانينها سن هذه العقوبة. وكل العهود والمواثيق الدولية المؤسسة مثل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، و"العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية"، تنص على احترام حق الفرد في الحياة وتعتبر أن الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان.

 

من السهل على المدافعين على تنفيذ هذه العقوبة إيجاد الكثير من التبريرات الدينية والردعية. كما يصعب على المطالبين بإلغائها إقناع أصحاب التبرير الديني للإبقاء عليها بالتخلي عن قناعتهم الدينية التي تعتبر "القصاص" قانونا قرآنيا لا مجال لمناقشته، بالرغم من أن هناك الكثير من القوانين القرآنية الأخرى التي تم تعطيلها منذ عدة قرون ولا أحد يطالب بإعادة تفعيلها أو فقط يتساءل عن سبب عدم تطبيقها بما أنها منصوص عليها في القرآن مثل عقوبات جرائم الحدود التي نص عليها القرآن والسنة، كالرجم وقطع اليد أو مثال الضرائب المنصوص عليها بنص قرآني واضح مثل الجزية والخراج والتي لم تعد أي دولة عربية أو إسلامية تعمل بها.

 

أعترف بأن نقاش إلغاء عقوبة الإعدام من الناحية الدينية يبقى أمرا صعبا وحساسا، وفي نفس الوقت غير مجديا لأنه يصعب تغيير أصحاب القناعات الدينية بسهوله. لكن ما يغيب عن أصحاب هذه القناعات هو أن الكثير من الأنظمة السياسية قد تستغل الدين كغطاء لاستمرار هذه العقوبة ليس من أجل ردع المجرمين العتاة وإنما من أجل تصفية وتخويف وترهيب معارضيهم. وفي التجربة المصرية بعد الانقلاب العسكري الذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي أكبر مثال على استغلال هذه العقوبة للإعدام المعنوي لكل معارض للنظام العسكري القائم اليوم في القاهرة.

 

وبعيدا عن النقاش الديني الذي مازالت ظروفه لم تنضج في عالمنا العربي، يمكن القول، من الناحية الأخلاقية والفلسفية، بأنه آن الآوان لوضع حد لهذه العقوبة البشعة لأكثر من سبب ومن أجل حماية الحق في الحياة للإنسان الذي منحه له الخالق وهو وحده القادر على انتزاعه منه متى شاء وأنى شاء وبالطريقة التي يشاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.