شعار قسم مدونات

المرأة في أرطغرال

Turkish President Tayyip Erdogan (R) shakes hands with actors during a visit to the set of the TV series "Dirilis" in Istanbul, Turkey, in this June 7, 2015 handout photo provided by the Turkish Presidential Palace Press Office. Erdogan's hopes of assuming greater powers suffered a major setback on Sunday when the ruling AK Party he founded failed to win an outright majority in a parliamentary election for the first time. Erdogan, Turkey's most popular modern leader but also its most divisive, had hoped a crushing victory for the AKP would allow it to change the constitution and create a more powerful U.S.-style presidency. To do that, it would have needed to win two-thirds of the seats in parliament. Picture taken June 7, 2015. REUTERS/Yasin Bulbul/Presidential Palace Press Office/Handout via ReutersATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE. THIS PICTURE IS DISTRIBUTED EXACTLY AS RECEIVED BY REUTERS, AS A SERVICE TO CLIENTS. FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. NO ARCHIVES. NO SALES. NO COMMERCIAL USE.
لا شك أن (القيامة – أرطغرل) قد توسد حيزا لا بأس به من اهتمام الشارع العربي على وجه التحديد، مما أعطاه زخما كبيرا، بالإضافة للاحتفاء التركي الشعبي والإشادة الرسمية على أرفع المستويات متمثلا بشخص أردوغان في محافل عديدة. إن تناول هذا العمل الضخم المتقن بالتحليل والنقد يحتاج وقتا يتناسب مع جهد ومدة إنجازه، مرورا ببناء الشخصيات عبر النص وإخراجها فنيا لتحاكي عقول ومشاعر المتابعين بدرجات متفاوتة، كل حسب ثقافته وخلفيته الاجتماعية.

فلو تناولنا شخصية المرأة في هذا العمل وكيف تم تقديمها بصورة لافتة، لاستدعى الأمر التوقف؛ فقد درج الحال في المسلسلات التي تتناول الأحداث التاريخية وبخاصة التاريخ الاسلامي أن تتلبس أحد الادوار الثلاثة: فهي إما المرأة الشريرة المتسلطة التي تحاول الإيقاع بخصم ما، أو تسعى لنقل الحكم لابنها أو زوجها، أو جارية تلهو وتٌلهي، تشعل مجالس الخلفاء والسلاطين رقصا وسفورا وتشويها، أو المسكينة البلهاء والتي لا شاغل لها إلا حشو المشاهد وتطويل عمر المسلسل عارضة للأزياء والأحمال المدعوة بالمجوهرات والمستجدية الحب هنا أو هناك. أو أدوار هامشية تدور في الفلك نفسه.

تولت القيادة "هايماه" وأجادت في ايصال صورة نجاحها كسيد قبيلة حكيم قادر على التجديف في وسط العواصف، دون إغفال عواطفها كأم في نفس الوقت.

أما اذا أتينا للمرأة في المسلسلات التركية الحديثة، والتي غزت الشاشات بما يشبه الاحتلال أذىً وتدميرا في معظمه! فقد تم توظيفها في مقاس وشكل واحد. صورة يراد لها أن تكون النمط ، وهي الأنثى التي تلهث للحب وإشعال الرجال ناهيك عن كمّ الفسق والفحش الذي تم تدجينه ليصبح روتينا أو طبيعيا، بل زاد الامر لإيصال المشاهدين وأكثرهم الشباب إلى التعاطف مع البطلة وتمني النجاة لها ولابنها الذي انجبته سفاحا! بل والتبرير للانحراف.

ومن هنا جاءت أهمية الظهور المبدع المنصف في معظمه لشخصية المرأة في "القيامة أرطغرل"، والذي جسدت أغلب ملامحه شخصية "هايماه" الأم و "حليمة" الزوجة دون إغفال الأدوار الاخرى لزوجة الاخ غير المستقرة نفيسا والمتصارعة مع ذاتها "سالجان" والرقيقة المحبة المنافسة "جوكتشا" والشخصيات الأخرى التي ظهرت تباعا، فبالإضافة إلى الأدوار المحددة لكل منهن؛ اجتمعن ليخبرن أن المرأة بشكل عام والمسلمة على الخصوص غير ما تم تسويقها لنا فهي:

– مواطن من الدرجة الأولى تتمتع بكامل الحقوق بل وزيادة في الحماية والاهتمام، ولا تحتاج إلى كوتة أو إلى قانون أعرج لتتعكز عليه حتى تنال حقها، فما يؤهلها هو كفاءتها ومهاراتها في الموضع المناسب لخصائصها الجسمية، والدور الاجتماعي كأنثى. فقد تولت القيادة "هايماه" وأجادت في إيصال صورة نجاحها كسيد قبيلة حكيم قادر على التجديف في وسط العواصف، دون إغفال عواطفها كأم في نفس الوقت. وقد أشارت المشاهد الى القائد الأب أيضا، ونقطة الضعف تلك. كما ظهرت حليمة كزوجة قائد مسؤولة عن حماية الجبهة الخلفية في غيابه، والأم البارّة بأبنائها، وهو السرّ والمفتاح لبرّهم الذي أسر المشاهدين، وجعل كلٌ يتمنى أن يكون بالمنزلة تلك، ولا أبالغ القول أن كثيرا من الآباء عمدوا إلى تجميد مشاهد تقبيل الأيادي وخفض الرأس وخشوع العين في حضرة هايماة وسليمان شاه أمام أبنائهم، أو تشاغلوا بإعادة اللقطات مرات، و"تاج" و"منشن" مرات اخرى. 

الشابة القوية المتزنة الرصينة والتي تفكر ألف مرة قبل الاندفاع خلف مشاعرها، فلا تتصرف بحمق يودي بسمعتها ويؤذي عائلتها وقبيلتها. فحليمة وجوكتشا مثلتا الدورين بلونين مختلفي القوة، فلم تكونا تقومان بأي أمر مرفوض قبليا، ولم يسجل من لقاءات الحب ما هو سريّ أو ذو محتوى مخجل، جميعها كانت معلنة في ساحات القبيلة، ولم ترخصا نفسيهما ركضا وراء المشاعر، والتي غالبا ما تكون سببا في سقوط الفتيات والشباب أيضا، وبالطبع لا يعني هذا تشريع الأمر وقبول الخلوة المكشوفة أو اللقاءات دون عقد.

المرأة القوية المحاربة، تحمل السيف وتركب الخيل، صحيح أن هذا ليس ميدانها ولكن وقت المعركة لم يكن يفرق سيفها عن سيف الرجل إلا اليد التي تحمله. – المرأة العاملة ذات الدور الأهم في تجارة القبيلة.

المراة ذات الستر والجمال القنوعة فبرغم الكدح الذي بدا كانت تصنع جميل الثوب وتلبس ساتره وتكاد لا تلحظ تبدل الثوب على مدى الأجزاء الثلاث إلا ما ندر! وتجلى الاحتشام والذي كان ينقصه بعض اللمسات ليماثل مواصفات الزي الشرعي . الزوجة الرضية السعيدة المُسعدة ذات الحسب الرفيع بنت السلاطين والتواضع، والذي جعلنا نستغرب دوما لمَ لم نسمعها تقول ولو مرة: أنا حليمة بنت السلاطين ؟ ولو من باب الرد على أنا أرطغرل ابن سليمان شاه، لدرجة الشك في سلطانيتها! فعاشت معه كزوجة تسعده وتحتمل ضيق عيشه ووسع سيفه وغزواته وابتعاده، فلم تكّسر مجاديفه ولم تخور عزائمه، لا بدموع ولا بخوف فقدٍ أو تيتم ولد، بل كانت الداعم الأقوى في حياته، تطبب جراحه وتخفف آلامه وتمده بالحب والعزيمة لجولة بعد جولة. كانت مصدر سعادته واستقراره و قبيلته أيضا  – الفنانة الماهرة والتي جعلت سجاد قبيلتها يحتل قصور بيزنطة. – المرأة الذكية حاضرة العقل والفهم والتي استطاعت أن تهدم المكائد على رؤوس الخونة والمتربصين، ومثلته سالجان كما قامت باستخدام الذكاء والدهاء نفسه أيضا في أعمال الشر لقبيلتها في الجزء الاول.


وغيرها من الأدوار والصور التي رسمها هذا العمل الضخم القيم، ولا يعني هذا دفعنا للتصديق أنها الحالة المفردة التي كانت عليها المرأة أبدا؛ وإنما ندرك وجود الأنماط السلبية. والأهمية تكمن بتكثيف الصورة المشرقة والمتقنة والمأمولة في عرض شخصية المرأة، بطريقة تجعل المشاهد يرتاح لها مدركا تماما أنه العمل الأول منذ عشرات السنين، الذي لو لم ينصف المرأة لم يؤذها بجعلها عنوان الشر والفتنة أو الهوان والهزيمة. صور مشرقة تجعل الفتاه تفخر بكونها فتاة، والأب الحيران في أمر هذا الجيل و الخائف يرى ما يهدي روعه. 

فالإعلام ذو الصورة، والدراما، وذاك الأخير هو الأخطر! حيث يتوحد مع الشعور، ويتسلل خفية إلى الفكر، ورويدا رويدا يشكله. ما نفتقده إعلاما يعلي القيم الحقيقية دون إفراط مخجل أو تفريط منفر، ولعل إنتاج أعمال رسالتها الأولى نشر الفضيلة والعدالة، وتحقيق الحرية النفسية للأفراد والمجتمعات هو ما سيجعل الأعمال الرديئة والمسيئة للمرأة والمجتمع بأسره دون جمهور؛ وبالتالي دون رعاة ثم فشل وزوال. ولا بد أن نشير إلى أن المسلسل ازدحم بنوعين من المشاهد: القتال والدم، وتقبيل الايادي ذهابا وإيابا، بمناسبة أو بدون، وتلك اشارة لطيفة!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.