شعار قسم مدونات

الذين يكرهون ثورة فبراير

blogs- ثورة اليمن
ـ ـ ستحل علينا ذكرى ثورة فبراير عما قريب و..
ـ مقاطعًا: أنت بكل تأكيد تقصد "نكبة" لا "ثورة" فبراير.
ـ ـ إن ما أقصده واضح كوضوح الثورة، وهو أن الثورة أزالت أكبر نكبة منيت بها البلاد طيلة ثلاثة وثلاثين عامًا، تجسّدت هذه النكبة في شخص صالح وفي غباء كل منطق كمنطقك.
ـ منطقي يقول إن هذه التي تسميها ثورة أوصلتنا إلى العوز والحرب، ولهذه الحالة التي يراها الناس أجمعين.
 

ـ ـ إن العوز الحقيقي الذي نحن بصدده هو عوز المعرفة وفقر الوعي الذي مُنّيَ به أمثالك، وهذا ليس ذنبك، فقد عمل نظام صالح طيلة فترة حكمه على ضمان حدوث ذلك، كان الرجل يعرف أن ثمة ثورة ستأتي، اليوم أو غدًا، فالشعب لن يطيق انتظارًا طويلًا لسياسات التخلف التي مارسها هذا النظام، ولقد عمل على زرع بذور تثبيط الثورة، ولا أجدى من سلاح التزييف والتجهيل في موضع كهذا.
ـ يا للكلام الإنشائي الفج الذي أسمعه كل آن من أمثالكم! الحقائق على الأرض تتكلم -وهي كافية لإقناع الناس- لا الاستعارات اللغوية.
 

البلد يمكن أن ينهار والشعب يمكن في لحظة أن يختفي ويبقى صالح. إن هذا الأمر هو الإدانة الحقيقية التي توضح بجلاء أن الثورة كانت ضرورة حتمية، وأن صالح وحده يتحمل كل هذه المآسي التي أعقبت الثورة.

ـ ـ إن الحقائق هي من قادت إلى الثورة وليس شيء آخر، كان اليمنيون في 2011 في انسداد أفق سياسي واضح، إذ صحونا على رئيس حكم البلاد ثلاثة عقود وينوي أن يحكمها للأبد من خلال ضمان تشريعات تديم حكمه حتى الممات، وحتى ما بعد الممات من خلال استمرار نسله في الحكم، قل لي بربك كيف كان يمكن لشعب أن يتحمل كارثة كهذه، كارثة إعدام الجمهورية في وضح النهار؟
 

ـ الكارثة هي التدهور الاقتصادي والأمني المريع الذي منينا به بعد سنوات ست من ثورتكم، ثم إن الرجل اتخذ مسارًا دستوريًّا واضحًا لإنجاز ما يريد، لقد وقفتم ضد الشرعية الدستورية واتجهتم نحو صناعة الفوضى بالثورة.
 

ـ ـ إن هذا الذي تفضلت بقوله الآن تستحق إزاءه جائزة أفضل شخص قام بتزييف المنطق وذبح الحقائق في هذا القرن البائس من الزمان، فإذا كنت تريد الحقائق فلتتفضل بمعرفة أن 31% من السكان في 2011 كانوا يفتقرون للأمن الغذائي، وأكثر من 40% من السكان تحت خط الفقر، هذا بحسب إحصائية صادرة عن الأمم المتحدة آنذاك، أما تقرير الشفافية الدولية فقد صنّف الحكومات اليمنية ضمن الأكثر فسادًا في العالم، إذ جاء ترتيبها في المرتبة 164، ناهيك عن غياب تام لوظائف الدولة في حدها الأدنى، وانتشار المشكلات الأمنية الناتجة عن الخفة واللاوطنية في التعامل مع القضايا الملحة آنذاك كالقاعدة والحرب على الإرهاب والحراك الجنوبي والمشكلة المسلحة في صعدة.
 

ـ لقد تضاعفت هذه المشكلات مئات المرات بعد هذه الثورة.
ـ ـ أنا لم أكمل بعد الإجابة على الشق الآخر من سؤالك/ تزييفك لكل منطق. إن ما تسميه مسارًا دستوريًّا -أزمع صالح على استثماره- إنما هو وجه آخر للكارثة التي منينا بها في هذا البلد، فأي شرعية هذه التي تخاف من رد الأمر للشعب أو الاحتكام إليه؟ إن ما قام به الرجل منذ تأسيس الديمقراطية إبان توحد البلاد في 90م هو الحيلولة دون قيام الشعب بمهمة إبداء رأيه بطريقة وشخص الحاكم، السجل الانتخابي المزور والتقسيمات الإدارية للدوائر الانتخابية وتركيبة السلطة التي ضخ فيها الرجل كل أقاربه، والحكم الشمولي المطلق والتسلط غير المسبوق الذي أدى إلى أن تكون كل مفاصل الدولة مليئة برجال صالح.
 

حتى مدير مدرسة ما كان يجب أن يكون من زمرة صالح، الجيش الذي تم بناؤه على عقيدة "الوطن هو صالح، وصالح هو الوطن"، أضف إلى ذلك احتكار السلطة والثروة والإعلام، ثم بالتالي احتكار الحقيقة، كل ذلك، كل ما سبق، كان ضمن مخطط أشمل وأوسع يستهدف بشكل واضح وجلي ألا يمارس الشعب حقه في تغيير الحاكم بطرق ديمقراطية، وإن كان فعل فسيكون مصيره كارثيًّا، على أن الشعب فعل ذلك بطريقته حين أمعن صالح في سد كل منافذ التغيير السلمي، انفجرت الثورة كخيار وحيد وممكن، لقد رأى الشعب أنه من الأفضل أن يحوز صالح على لقب "مخلوع" بدلًا عن "الرئيس السابق "، وحتى في هذه النقطة يصر صالح على معاندة شعبه.
 

ـ هذا الذي تسميه مخلوعًا، ما زال ذا تأثير، ومؤثر في كل المشهد، ما زال في أرضه حين هربتم بعيدًا مشردين في كل الأرض.
ـ ـ إن هذه النقطة التي تتفاخر بها هي في الحقيقة حجة يمكننا الاستناد عليها في تأكيد أي سلطة استبدادية عمِل صالح على غرسها في جذور الدولة، بحيث يمكن أن ينهار البلد كلّه ولا تنهار سلطة صالح، هذا هو الإنجاز الوحيد الذي يمكن لصالح ومناصريه أن يفخروا به، وهو أن البلد يمكن أن ينهار والشعب يمكن في لحظة أن يختفي ويبقى صالح. إن هذا الأمر هو الإدانة الحقيقية التي توضح بجلاء أن الثورة كانت ضرورة حتمية، وأن صالح وحده يتحمل كل هذه المآسي التي أعقبت الثورة.
 

لا زال صالح ونظامه مخلوعًا، وصار أخيرًا متمردًا وانقلابيًّا، وسيظل. وهذا يكفي لندرك كم هي رغبته بالثأر وكم هي آمالنا في المضي نحو اليمن الجديد.

ـ يبدو أن علي عبد الله هو سبب الاحتباس الحراري في العالم، ولعله السبب الرئيس لتصحر القرن الأفريقي، يمكنكم أيضًا تحميله المسؤولية الناتجة عن قيام الحرب العالمية الثانية، هذا هو منطقكم الدائم!
ـ ـ تبدو بارعًا في السخرية إلى جانب براعتك في تزييف الحقائق، على كلٍّ.. كان يمكن أن نصاب باعتلال في الرؤية والإدراك فيما مضى، لكن بعد مضي ست سنوات من الثورة -وباعتراف صالح نفسه- فإن الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد وأدت إلى حالة الفوضى والتدهور المريع في كل شيء هي ناتجة عن تحالفات ورغبات أضمرها صالح وجعلها واقعًا بفعل القوة الغاشمة والخيوط المتعددة التي اجتهد طيلة حياته في بنائها لصالحه، ليس لصالح أحد غيره.
 

ـ سلمكم صالح الحكم وجيشًا قويًّا وأمنًا وبلدًا، ماذا تريدون أكثر من ذلك؟
ـ ـ إن هذا الأمر كذبة كبيرة لا حد لها، تسليم الحكم في الدول الراسخة مؤسساتها يتم بتلك الطريقة، بمراسيم محددة وآليات متعارف عليها، إن ما قام به علي عبد الله صالح في الحقيقة -طوال حياته حاكمًا- هو تخريب كل المؤسسات وكل الآليات التي يمكن أن تؤدي إلى انتقال سلس وحقيقي للسلطة، سلم للرئيس الجديد العلم كقطعة قماش وأصر على أن يحتفظ كل من عيّنهم من أقربائه بمناصبهم في الجيش والسلطة والشرطة، هدد لأجلهم بإحراق البلد، وحين اجتمع ممثلو الشعب في أكبر تظاهرة حوارية بتاريخ اليمن وأقرّوا دستورًا جديدًا وحلًّا لكل المشكلات انقض صالح على كل ذلك وأعلنها حربًا، حتى الرجل نفسه لا ينكر ذلك.
 

ـ مع ذلك ما زالت ثورتكم في طيّ الفشل. هذا عزاؤنا.
ـ ـ وكذلك لا زال صالح ونظامه مخلوعًا، وصار أخيرًا متمردًا وانقلابيًّا، وسيظل. وهذا يكفي لندرك كم هي رغبته بالثأر وكم هي آمالنا في المضي نحو اليمن الجديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.