شعار قسم مدونات

وصوف

BLOGS- التأمل
هل تعلم أين يُخلَقُ اللون؟ هل تَراه وهو يخرج للحياة، لمّا تضغط بأناملك على ورق الكتاب، بعد الهيام بأحد حروفه؟ هناك بين الظفر والأنملة، يتورد اللون ثم يلوّن الكون. هل وقفت أمام شعاع الشمس الساقط من شق النافذة، والمستنفر لذرات الغبار بعد نفض الشَّعر على مرآة ٍمنهمكة في التقاط الضوء، لعله يكون لها من انعكاس الجمال نصيب؟ هناك تُسوَّى الصورة في أحسن تقويم.

هل مادت بك الأرض؟ لما كان الخَطو بِتَؤدةٍ في الظهور وبغصة عند التلاشي؟ ثم تحسست الموجودات، يَوْمَ أن غاب الوعي عن الشهود، وخالجك الشك في الوجود؟ ثم استدركت على نفسك العدَم، وبِتّ تغْرِفُ من مواضع القلم على الألم، فواساك الصرير، وداواكَ المسكوب وفَتَحَ أبواب البصيرة للضرير.
 

هل تنشقت الدّمع على خجل؟ وتواريت عن المَبكِيّ بالساذج من الحجج والكلام اللَّجَجْ، وبتجنبِّ اللقاءِ الداءِ الدواء. هل تتبعت الريح؟ وسافرت مع الرائحة؟ وغَبَبْتَ من فيض الأجواء، واطّْردَ النّفَسُ، وتصعّدت الروح؟ لما جاور النسيمَ هنيهات ثم مضى، لما تعمّد بالوصل جّوُّهُ ثم انقضى.
 

هل انكسر البصر؟ ولاذ التحديق من الأحداق، بالأرض بما ضاقت وما رحبت؟ هل أعدت النظر؟ وانكسر القلب حسيراً وانفرطت كعقدٍ من الجمال في حضرة الجلال؟

هل تلمست الأثر؟ وتعمدتّ بما طاله من زوايا وبقايا، وأمعنت النظر في موقف اللقاء ومقام التّسمُّر وأطلال المعلقة؟ ثم أأَحييتَ قيسك يندب، وليلاه على أطراف نهاره تطل وتَهرُبْ. هل تعلقت بأطراف الثوب؟ وسرقت أطراف المعاصم نظراً؟ وتمنيت كينونتك نسيجاً ودماءك خيوطاً وما يسري فيك حياكةً ورداء؟ هل كنت خيطاً فيما مضى وبت منسولاً متدلياً من موضعٍ عليٍّ، تتشبث بشواطئ البقاء.
 

هل انكسر البصر؟ ولاذ التحديق من الأحداق، بالأرض بما ضاقت وما رحبت؟ هل أعدت النظر؟ وانكسر القلب حسيراً وانفرطت كعقدٍ من الجمال في حضرة الجلال؟ هل لملمتك الإطلالة أم أفْنَتْك فيها الإطالة؟ هل شهقت في منامك؟ وطاف بك طائف في أحلامك، وعَبَثْتَ بالرؤيا بِتَآويلِ القِدام، وعرّجت عليها بأضغاث الأحلام، ثم كان الصحو الذابل، وكأنك من بعثك إلى نشورك قائم.
 

هل تفرست القوافي؟ وامتطيت صهوة الاستعارة، ونصبت خيمتك في جوارِ عَبقَر، لعل الكَلِمَ يعتنق البحور، ولعل القصيدة تغدو مَنهلاً. هل رَقَبْتَ مواضع النطق، وحشجرة البوح، وحاء الحنجرة المترددة، وهاء الجوف الخواء، وميماً مواسيةً مغدِقة، وباءً في ذيل الحب مُطْبِقة.
 

هل تقلّبُ وجهك في السماء؟ باحثاً عن قِبلةٍ الرضى وجوارِ السدرة، ومعراج الأفئدة وإسراء الدّفق، وسماوات الارتقاء وأنبياء الحرف، وملائك النور. هل خِفت الاقترابَ الاحتراق، والدّنُوّ الفناء، أم أن توقك على شوقك يحملك إلى التيه والعناء؟ هل جرى بك القلم مدادا؟ والأوصاف أمدادا، وأنت تهيم على فِجاجِكَ فِجاجاً، فلا تعود مما تصف، ولا يعود منك الموصوف إلا بوصفٍ يفوقُ الوصوف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.