شعار قسم مدونات

الخرطوم وواشنطن.. الآن تتساقط أوراق الربيع

Blogs - رئيس السودان

لا تزال ردود الأفعال والآراء تتباين وتتواصل بشأن الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية والتجارية الأميركية المفروضة على السودان، والتي استمرت منذ عام 1997، وخلّفت على إثرها أثاراً سياسية واقتصادية كادت تعصف في أحيان كثيرة بالسودان الدولة. وتفاوتت ردود تلك الأفعال الدولية والإقليمية والمحلية حول أثر وتأثير الرفع الجزئي للعقوبات؛ إلا أن العبرة دائما تكون بمدى المعرفة بقواعد اللعبة السياسية مع واشنطن، والتي أخيراً وبعد سنوات عجاف بدأ يظهر لها أثر محسوس بقوة.
 

والشاهد في أمر القرار الذي صدر قبل أسبوع واحد فقط من مغادرة أوباما البيت الأبيض، تحديداً في 23 كانون الثاني/ يناير 2017، يرى أن التقدم الذي ذكرته واشنطن في قضايا مثل التراجع الملحوظ في الأنشطة العسكرية والتي توّجت بتعهد بالإبقاء على وقف القتال، وجهود تحسين عمل المنظمات الإنسانية في السودان. بالإضافة إلى تعاون الخرطوم مع واشنطن في التعامل مع النزاعات الإقليمية والتهديد الإرهابي. لا يمثل ضوءاً أخضر تستطيع الخرطوم العبور من خلاله بيسر.
 

تحتاج الدبلوماسية السودانية أن تعزز من أدوار سفارتها بشكل أفضل، وتحتاج الخرطوم حكومة نشطة وفعالة؛ خاصة في إدارة الملف الاقتصادي الذي أصبح التدهور هو السمة الغالبة عليه خلال السنوات الماضية

فالاشتراطات المذكورة في نص قرار الإدارة الأميركية تحث الحكومة السودانية بذل مزيد من الجهود في مكافحة الإرهاب وملف حقوق الإنسانن والوقف الشامل لإطلاق النار، وهذه الاشتراطات تحتاج إلى مجهودات مؤسسات دولة، بعيداً عن العاطفة والخطابات الإعلامية المكررة. وتلك كانت ولا تزال في نظري واحدة من مقعدات العمل الدبلوماسي المؤسسي في الخرطوم، فكثيرة المرات التي أُضيعت فيها فرص لأسباب عدم التنسيق الأمني والدبلوماسي، والنعرات الحادة في الخطاب السياسي والإعلامي تجاه واشنطنن وتحالفات أخرى لم يكن كثيرون راضون عنها.
 

واستيعاب طريقة واشنطن التي تجمع في كثير من الأحيان بين لغة الدبلوماسية الناعمة والتهديد باستخدام القوة والعنف (العصا والجذرة)؛ مهم في ظل تطورات المشهد السياسي بين البلدين الخرطوم – واشنطن، وكل الدلالات تشير إلى أن التحسن في العلاقة يمكن أن يستمر بقوة إذا ما استوعبت الخرطوم الدرس وسارت في نهج العمل المؤسسي مترامي الأطراف، فالمواطن السوداني أرهقته الظروف المعيشية والاقتصادية لدرجة تجاوز فيها معدل التضخم 30 % حسب جهاز الإحصاء السوداني. فالكل يترقب نتائج الحوار الوطني بين مكونات الأحزاب السياسية والحركات المسلحة، حوار طال أمده الزمني، وارتفعت سقوفات وطموحات المشاركين فيه، كلٌّ يحلم بموقعه السيادي أوالوزاري، وآخرون يتحسسون رغيف خبزهم ومشقة الحصول عليه، وهم غالبية أهل السودان.
 

المشهد يحتاج إلى إدارة فعالة تمزج بين المصالح والتحالفات الإقليمية وضرورة تعزيز تطبيع العلاقات مع واشنطن والعواصم الأوروبية، وتحتاج الدبلوماسية السودانية أن تعزز من أدوار سفارتها بشكل أفضل، وتحتاج الخرطوم حكومة نشطة وفعالة؛ خاصة في إدارة الملف الاقتصادي الذي أصبح التدهور هو السمة الغالبة عليه خلال السنوات الماضية، وقبل هذا وذاك يحتاج السودانيون عبور هذه المرحلة الأصعب في تاريخ السودان الحديث بحكمة وتروٍّ عُرف عنه أهل السودان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.