شعار قسم مدونات

المسلمون والمهاجرون بحماية الدستور الأميركي

BLOGS- الدستور وترمب

كان بعض معاصري الآباء المؤسسين الذين كتبوا الدستور الأميركي يعتقدون جدياً بأن هذا الدستور منزل من الله، وأن من كتبوه يتمتعون بقدرات خارقة وذلك بسبب تعقيد هذا الدستور ودقته وصلاحيته لكل زمان ومكان..
 

يعتبر الدستور الأميركي أقدم دستور مكتوب لا يزال ينظم الحياة في أقوى دولة في العالم، كما أنه الوثيقة المؤسسة للحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة الأمريكية، ويشكل القانون الأعلى للبلاد، وإذا ما نظرنا للقضية الأساسية التي يهتم بها الدستور الأمريكي سنجد أنها قضية الحرية الفردية وطريقة الحفاظ عليها تكون عبر تشكيل ثلاث سلطات منفصلة، وهي السلطة التشريعية التي يمثلها الكونجرس بغرفتيه النواب والشيوخ، والتنفيذية الممثلة في رئيس الولايات المتحدة المنتخب وإدارته، والسلطة القضائية المتمثلة في المحكمة العليا للولايات المتحدة، ويعمل الدستور على تنظيم العلاقات بين تلك السلطات..
 

في واشنطن تدور الآن معركة دستورية كبرى بين الرئيس وإدارته من جهة، والسلطة القضائية التي يمتلك أصغر قاضي فيها القدرة على التأثير على قرارات الرئيس من جهة أخرى. بدأت الحكاية حين علق قاضي فيديرالي من مقاطعة سياتل غرب ولاية واشنطن مطلع الشهر الحالي قرار الرئيس الأميركي ترمب، الذي يمنع بموجبه مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة من دخول أميركا، إدارة الرئيس ترمب قامت بإحالة هذا التعليق إلى محكمة الاستئناف لتعقد الأخيرة قبل أيام في سان فرانسيسكو وتثبت حظر قرار المنع الذي أصدره الرئيس حيث صوت في محكمة الاستئناف ثلاث قضاة من أصل ثلاثة على حظر القرار..
 

الإدارات تتغير وتوجهاتها كذلك وهذا واضح من بداية عهد ترمب. أما ما لا يتغير فهو الدستور الناظم للعلاقات بين السلطات في أميركا والذي يأخذ بعين الاعتبار رغبات أصغر المواطنين وأضعفهم.

إذاً القرار الذي لطالما تحدث عنه الرئيس منذ بداية حملته محظور الآن من قبل السلطة القضائية، ويسمح اليوم لحاملي التأشيرات من العراق وسوريا وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن دخول الولايات المتحدة حتى إشعار آخر.
 

إدارة ترمب تتخبط ولا تعرف كيف تمرر قرارها فأول ردة فعل للرئيس كانت تغريدة قال فيها "سأراكم في المحكمة" ويقصد بهذا المحكمة الدستورية العليا وهي أعلى جهة قضائية في الولايات المتحدة، حيث سيحتاج قرار الرئيس ترمب إلى تصويت خمسة من أصل ثمانية قضاة على الأقل ليصبح القرار فعالاً وقابلاً للتطبيق، مع العلم أن معظم قرارات الرئيس السابق التي وصلت إشكاليتها إلى المحكمة الدستورية العليا لم تجد طريقها للنور، حيث رفضت المحكمة الدستورية العليا العام الماضي قرار تنفيذي للرئيس أوباما كان يهدف إلى تسوية أوضاع أربعة مليون مهاجر غير شرعي في أميركا..
 

في أميركا اليوم شعب انتخب الرئيس ترمب يتطلع للمستقبل بتفاؤل وشعب آخر وهو الأكثرية العددية انتخب هيلاري كلينتون ولم يوفر لحظة منذ انتخاب الرئيس ترمب دون الاعتراض والتظاهر والعمل ضد إدارته. في أميركا اليوم ألفان وسبعمائة وثماني وخمسون محكمة فيديرالية لمختلف المقاطعات، يحق لأي قاضي من هذه المحاكم الاعتراض على أي قرار تنفيذي حتى لو كان صادر عن الرئيس..
 

الدستور هو الناظم الأعلى للولايات المتحدة وأساطير المؤامرة التي يحكيها بعضنا عن عدم تغير أميركا حتى مع تغير رؤسائها ما هي إلا خدعة نخدع أنفسنا بها، فالإدارات تتغير وتوجهاتها كذلك وهذا واضح من بداية عهد ترمب. أما ما لا يتغير فهو الدستور الناظم للعلاقات بين السلطات في أميركا والذي يأخذ بعين الاعتبار رغبات أصغر المواطنين وأضعفهم.. السلطة القضائية حظرت قرار المنع بالاستناد إلى الدستور لأنها وجدت في قرار ترمب استهداف للمسلمين وليس مجرد منع لمواطني بعض الدول كما تدعي الإدارة، وهذا التمييز على أساس الدين يتنافى مع روح الدستور الأميركي ومادته الأولى التي تنص على "عدم اصدار القوانين التي تميز على أساس الدين" المحكمة أثبتت أنه قرار يستهدف المسلمين مستدلة على ذلك بتصريحات سابقة للرئيس ترمب ونائبه مايك بينس..
 

الرئيس ترمب تراجع بعد ساعات من توعده بأخذ القرار إلى المحكمة الدستورية العليا لإدراكه عدم جدوى الأمر. الطرح الجديد للإدارة الأميركية هو إصدار قانون جديد بشروط ومعايير أخرى لا يمكن للمحكمة معارضته. المعركة لم تنته بعد وإذا كان نفس الرئيس ترمب طويل فالدستور الأميركي أثبت عبر العصور أن قدرته على حماية حقوق وقيم الولايات المتحدة أكبر من قدرة اي رئيس على مسها..
 

كثيرة هي الدول الديموقراطية والتي تتمتع بدساتير عريقة ويبقى مع ذلك الدستور الأميركي بتوزيعه للسلطات وشكل انتخاب هذه السلطات فيه الحارس الأكبر لحقوق المواطنين وحرياتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.