شعار قسم مدونات

عندما يجوع دكتور في الجامعة!

Blogs - الجوع في اليمن
يفقد آلاف اليمنيين أحلامهم المنشودة في هذا الظرف الاستثنائي، أو بالأحرى يتخلون عنها مجبرين لا حول لهم ولا قوة مع اشتداد القسوة التي تجعلهم يسلمون لكل وارد. كل يوم تتغير الأولويات بفعل الحرب التي تنجب مزيدا من العقبات أمامهم، المعاناة تتراكم على قاعدة كبيرة من المواطنين اليمنيين ولم تعد تستثني أحدا؛ تنكسر المعادلة تماما وتبقى الحاجات البيولوجية في سلم أولويات هذا الشعب اليائس، ما يجعله الآن أمام خيار واحد وهو التسليم لكل الاحتمالات الواردة.
يهاجم الجوع آلافا من اليمنيين يوميا في منازلهم وعلى الطرق والأسواق وفي كل مكان، لقد بات كابوسا وعلى الجميع توقع مصادفته في أي وقت وفي أي مكان، وأصبحت الحاجة لتوفير الطعام أمرا غاية في الصعوبة بعكس ما كان عليه الأمر في السابق، الجوع ينتصر على الحرب، ينتصر على الجميع ويسيطر على مئات الآلاف من اليمنيين؛ إنه الوحيد الذي يحقق انتصارات ساحقة ولم نسمع أنه خسر في أي معركة يخوضها على متسع الجمهورية، هو الوحيد الذي يفعل كل شيء ولا يعاقب، يسرح ويمرح ويبطش ويتمتع بالحرية المطلقة في معاقبة الأبرياء..

إن الأمر المؤسف اليوم، ليس الجوع إطلاقا، تعود الناس على هذه الحال وباتوا يصارعون الجوع ألف مرة في اليوم، أحيانا ينتصرون وأحيانا يستسلمون، وفي أحيان أخرى يخسرون أمامه ولا يرحمهم البتة، الأمر المؤسف والمخجل أن يجوع دكتور أكاديمي وحقه غائب، هذا هو الأمر المخزي، وتلك هي القضية التي تثير الأسف، وتتصدع أمامها التفسيرات. المنهل الذي غذى أجيالا برمتها وفتح أمامها السبل للانطلاق لا يجد اليوم لقمة يسد بها جوعه، والجميع يغض الطرف عنه لسبب أو لآخر.

عندما يجوع دكتور في الجامعة نوقن أن الجميع سيدخل هذا السرداب الذي لا نريد لأحد أن يسقط فيه، ولكنه مفروض على الجميع من دون استثناء.

دكتور في جامعة صنعاء، كان يتحدث إلى طلابه بلكنة إحباط ويأس عن الوضع الذي ساقتهم إليه الحرب، من خلال حديثه تشعر أن غصة تكابده في حنجرته، لعله كان يبكي من الأحشاء عن المصير الذي قذف إليه. من كان يتوقع أن تصل بنا الحال إلى هذه الدرجة، أربعة شهور والأيام تتسابق لتنقلنا إلى الشهر الخامس ودكاترة جامعاتنا يقضون حياتهم على الدَين والاعتكاف هربا من سخط دائنيهم.

قبل أيام يكتب دكتور في جامعة صنعاء، أنه يبحث عمن يجد له عملا يحفظ له كرامته، بينما أخذ الآخر سيارته وذهب مع زوجته يبيعان السندويتشات في إحدى شوارع العاصمة صنعاء، طغى هذا المظهر أمام كثيرين لكن الأمر لم يكن بذلك القدر من الاهتمام في وطن كل شيء فيه وارد حتى الموت..

نرى عددا من الأكاديميين في جامعات حكومية يمارسون عمليات إضراب علهم يجدون السبيل إلى حقوقهم المحبوسة، لكن لا حياة لمن ينادون ولا أحد يستجيب لهم، الأمر الذي يولد مشكلة أخرى في تعطل العملية التعليمية – التي ظلت صامدة حتى الآن – وتأزم الأمور أمام الطلبة أيضا.

الزمن هنا يسير ببطء، الحرب تتوسع كل يوم وتأخذ أبعادها على مصلحة المساكين، الجوع يقتحم الجميع والمعاناة ترفع من جاهزيتها كلما استشعرت براحة أحد. ربما لن ينتهي الأمر عند هذا الحد، ولن يستثني الظرف أي أحد؛ فعندما يجوع دكتور في الجامعة نوقن أن الجميع سيدخل هذا السرداب الذي لا نريد لأحد أن يسقط فيه، ولكنه مفروض على الجميع من دون استثناء.

المسيرة ستطول إذن! إلى أبعد من المتوقع، نحن فقط ننتظر ونأمل أن تفرج الأمور على خير، حتى وإن تبخرت آمالنا على صفيح الحرب الساخن، نترك الأمل مفتوحا، ولعله خير…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.