شعار قسم مدونات

ليس ترمب ولا يوسف.. إنه السنوار!

Hamas leader Yehia Sinwar attends a rally in Khan Younis in the southern Gaza Strip January 7, 2016. The rally, organized by Hamas movement, was held to honor the families of dead Hamas militants, who Hamas's armed wing said participated in imprisoning Israeli soldier Gilad Shalit, organizers said. Shalt was abducted by militants in a cross-border raid in 2006, and was released in exchange for more than 1,000 Palestinians held in Israeli jails. REUTERS/Mohammed Salem
اهتاج الشارع الغزي وتحديدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة، وتباينت الآراء بين مؤيد ومعارض، متفائل ومتشائم، ومتشجع ومتخوف، في حين أن السنوار كان وما زال شخصية مجهولة لمعظم أصحاب هذه الآراء ولم يسمعوا عن تفاصيل شخصيته إلا من خلال الإعلام الإسرائيلي الذي لطالما وصفه بالتطرف.

"ليبرمان-ترامب-السنوار"أسماء سرعان ما اقترنت سويا على ألسنة وأقلام العرب والغربيين في إشارة إلى توجه الرأي العام في العالم نحو التطرف والتشدد والتحجر في العقلية، حتى وصل البعض إلى ربط نشوء تنظيم "داعش" المتطرف بنفس الموضوع لتعزيز وجهة النظر التي تقول بهذا القول. وهنا نتساءل: هل حقا يقع السنوار على نفس الخط مع البقية؟

الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008م جاءت بقرار إسرائيلي بحت، بهدف إسقاط المقاومة وإسقاط الحكومة بقيادة حماس في حين أن يحيى السنوار كان قابعا في الزنازين الإسرائيلية!

يحيى السنوار البالغ من العمر 55 عاما، والذي قضى 24 سنة منها في سجون الاحتلال، هو رجل صاحب فكر وعلم ودراية بدهاليز السياسة وتفاصيلها، فلا كونه عسكريا ولا كونه مؤسسا لجهاز المجد الأمني التابع لحركة حماس يحرمانه من أن يتمتع بالقدر المطلوب من الحنكة والدهاء السياسيين لقيادة مكتب حماس السياسي في قطاع غزة.

خوف الشارع الفلسطيني من تولي رجل بماض عسكري وحاضر عسكري أيضا، هو خوف تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تحاول فعليا تخويف الناس في غزة من مستقبلهم في ظل تولي السنوار مقاليد الأمر والنهي في حركة حماس، وكأنه الرجل الذي سيتخذ قرارا بإعلان "حرب التحرير" مع الكيان. الحقيقة والواقع يقولان غير ذلك، فالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008م جاءت بقرار إسرائيلي بحت، بهدف إسقاط المقاومة وإسقاط الحكومة بقيادة حماس في حين أن يحيى السنوار كان قابعا في الزنازين الإسرائيلية!

العدوان الإسرائيلي عام 2012م لم يبدأ بقرار من مجلس حماس العسكري؛ بل بدأ باغتيال "قائد أركان حماس" أحمد الجعبري من قبل طائرات العدو الإسرائيلي، وعلى شاكلته العدوان الفاشي عام 2014م الذي بدأ بعد سلسلة من التجاوزات الإسرائيلية لاتفاق الهدنة الموقع عقب عدوان 2012م لتدور الدائرة بالجميع وتنشب أطول حرب عاشها قطاع غزة في سنواته الأخيرة. دون أن يكون للسنوار باعا فيها ولا ذراع.

لا يمكن أن يتم تحميل رئيس المكتب السياسي السابق في غزة إسماعيل هنية مسؤولية الحروب الثلاثة التي جرت في عهد قيادته لحماس، فضلا عن تحميل السنوار مسؤولية حروب افتراضية لم تجر بعد. فلا الحرب حرب حماس وقائد مكتبها السياسي، ولا حماس نفسها معنية بخوض حروب تزيد الطين بلة عليها وعلى سكان القطاع.

من المعروف لدى أبناء حماس أن يحيى السنوار صاحب شخصية قوية وشديدة، وهذا بالتأكيد لن ينعكس على سياسة حماس، فحماس حركة مؤسساتية لا تقوم أبدا على الرجل الواحد، ولم يشهد التاريخ أن رجلا جر حماس لمربع معين، أو رجل آخر جرها لمعترك آخر. مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي والمفكر إبراهيم المقادمة والعديد من قادة حماس السياسيين والعسكريين وغيرهم، رحلوا عن حماس ولكن حماس لم تتغير، فلماذا يعتقد الناس أن السنوار هو الذي سيحرف حماس عن بوصلتها ليدخلها في حالة صدام مع العدو والمحيط وبقية العالم؟ إنها الدعاية المحيطة بهذا الرجل.

السنوار صاحب شخصية قوية وشديدة، وهذا بالتأكيد لن ينعكس على سياسة حماس، فحماس حركة مؤسساتية لا تقوم أبدا على الرجل الواحد، ولم يشهد التاريخ أن رجلا جر حماس لمربع معين.

في المقابل لن يكون السنوار هو المسيح المخلّص! ولا عزيز غزة الذي يخرج من سجون الظلم إلى ربوع القيادة، كما أنه ليس بدا على شدته التي يرسمها له الناس أن تلين كما لانت شدة عمر بن الخطاب بعد توليه الخلافة، فما هو إلا رجل تم تكليفه بقيادة دفة حركته لأربعة أعوام قادمة، وسيرحل بعدها إن لم يتم التجديد له لمدة ثانية وأخيرة. هذه الأعوام الأربعة لن يصول فيها السنوار ويجول كما يحب ويريد، ولا كما يخيل لهم الناس، لكنه سيمضي ضمن فريق منتخب من كافة دوائر الحركة في مدن ومحافظات قطاع غزة، هذا الفريق ليس سنوارا ولا هنية، كما لم يكن يوما ياسينا أو رنتيسي، إنه المكتب السياسي لحماس.

الأمر الواقعي الذي من المتوقع أن تعكسه قوة شخصية السنوار وكاريزمته التي تشبه كاريزما الرنتيسي من قبله هي بعض التأثيرات الإيجابية على صعيد حماس الداخلي لضبط الأوضاع التي بدأت تترهل في ثنايا التراكيب الداخلية للحركة. السنوار الذي اعتقل في "الزمن الجميل" ثم غاب في السجون لسنوات طوال يعود اليوم بنفس النفس الأول الذي يمتاز بشكليات العمل الإسلامي كالزهد والورع والتقوى والتواضع بعيدا عن بروتوكولات السياسة وتبعات المناصب التي طبّعت بعض قيادة الحركة بطبائعها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.