شعار قسم مدونات

بشارة ماركس

blogs- ماركس
البُنى التحتية والبنى الفوقية
يؤكد ماركس أن الشروط المادية هي التي تحدد نمط الحياة الفكرية والروحية والفنية، وأن تطور التاريخ قائم بناءً على هذه الأسس والشروط المادية، وعليه فإن البنية التحتية عند ماركس هي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهي أساس البناء وقواعده، وعليها ترتكز وتعتمد البنية الفوقية، وهي الثقافة والفن والدين والفكر، فمثلا فكر أو فلسفة أحدهم محكومة بظروفه الاقتصادية والاجتماعية والإنتاج.
 

ولكن تأثير البنى التحتية على البنى الفوقية ليس تأثيرا ميكانيكاً ذو مسار واحد، إنما هو تأثير جدلي ديالكتيكي، أي أن كلاهما يؤثر في الآخر. والبنى التحتية عند ماركس لها ثلاث مستويات:
– الأول: ظروف الإنتاج وأهمها الجغرافيا والمواد الأولية.
– الثاني: وسائل الإنتاج وهي الآلات والأجهزة المستخدمة في عمليات الإنتاج.
– الثالث: علاقات الإنتاج وهي توزيع العمل ووضع المالكين وأرباب العمل.
 

كان ماركس يرى لا أخلاقية الرأسمالية واستغلالها لطبقة العمال البروليتاريا، فشجع على الثورة وأطلق نداءه المشهور البروليتاريا ستحكم العالم، يا عمال العالم اتحدوا.

فلنضرب مثلا موضحا جامعا للمستويات الثلاثة وتأثيرها على البنى الفوقية، هب أن شاعرا عبدا لسيده من شبه الجزيرة العربية في القرن الرابع الميلادي نوى أن يكتب قصيدة في جمال البحر وعظمته، ولكنه لم يرَ البحر من قبل قطُ، هو فقط سمع باسمه فأراد السفر على حمار لسيده إلى البحر ليكتب قصيدته فلم يسمح له سيده بذلك لأن الرحلة قد تستغرق شهرا كاملا ذهابا و إيابا، فلم يتمكن من كتابة تلك القصيدة التي لطالما حلم أن يكتبها، وفي هذا المثل العامل الجغرافي هو بيئته الصحراوية أما وسائل الإنتاج فهي الحمار وأما علاقات الإنتاج فهي عبوديته لسيده، فبهذا أثرت هذه المستويات الثلاثة على حياة هذا العبد الشاعر الفنية والثقافية.

سؤال أطرحه من وحي الديالكتيكية، هل يمكن لمادية التاريخ أن تقلب الموازين فتصبح البنى التحتية هي بنى فوقية والعكس؟ بحيث تصبح الحياة الاقتصادية والاجتماعية محكومة ومرتكزة على الدين والفن والثقافة؟ في رأيي وانطلاقا من اعتقادي بعبقرية كارل ماركس؛ أظن أن الديالكتيكية التي تبناها ماركس هي حيلة ومخرج له من محاصرات المصاديق الكثيرة، التي تثبت أن البنى التحتية هي الأفكار والأديان والثقافات وليست الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فإن جاء أحدهم بهذه المصاديق رد عليه هو أو أتباعه بجواب الديالكتيكية.

الفصل الثاني الحرب على الرأسمالية والتبشير بالشيوعية:
كان ماركس يرى لا أخلاقية الرأسمالية واستغلالها لطبقة العمال البروليتاريا، فشجع على الثورة وأطلق نداءه المشهور البروليتاريا ستحكم العالم، يا عمال العالم اتحدوا. حيث كان العمال يعملون لساعات طويلة من اليوم مقابل أجر بخس، فكان الملاك يزدادون ثراء والعمال الفقراء يزدادون بؤسا، وكان ماركس يرى أن الرأسمالية تحمل نهايتها في ذاتها..

فالرأسمالية في زمانه كانت تعتمد وسيلتين: أما الأولى فهي إحلال الآلة محل الإنسان لتقليل المصاريف، وأما الثانية فهي تخفيض أجور العمال، وبناء على هذا يقول ماركس إن البطالة ستعم والقدرة الشرائية ستنخفض حينئذٍ، وبهذا ستثور البروليتاريا وستنهار الرأسمالية، وتسيطر البروليتاريا على الموارد الاقتصادية، ويتحول المجتمع من رأسمالي إلى شيوعي، وتكون الموارد ملكا للكل ويكون لكل موقعه بحسب قدراته ويتلقى أجرا بحسب حاجاته ويصبح العمل ملكا للشعب.
 

ومن هنا نسأل ماركس سؤالا محيرا، هل كنت تريد من البروليتاريا حكم العالم لدافع أخلاقي أم كنتيجة لتطور الأحداث التاريخية؟! من خلال هذا السؤال يظهر تناقض ماركس مع نفسه وعدم اتساق نتائجه مع مقدماته بشأن البنى التحتية والبنى الفوقية. وعليه نطرح سؤالا آخر يحمل في ذاته إجابة على ما سبق، أليست الثورة وهي فكرة وسلوك هي التي ستعيد بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية وتكون هي البنية التحتية للاقتصاد؟ يبدو أن الديالكتيكية هي الجواب.

إذا ما سلمنا واتفقنا مع الماديين أن الإنسان هو كائن طبيعي مادي فيكون حقا المحرك أو الدافع الثاني له هو الدافع الاقتصادي بعد الدافع الجنسي.

الفصل الثالث القرآن وماركس
أولا: يعتبر ماركس أن الإنسان بطبيعته يحركه بشكل أساسي الدافع الاقتصادي، وفي ضوء هذه الرؤية نذكر قول الله تعالى في سورة آل عمران: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب".
 

هل في هذه الآية إشارة إلى صحة قول ماركس من منطلق الإيمان بالله والقرآن؟
رأيي الشخصي أن ماركس كان محقا إذا ما سلمنا واتفقنا مع الماديين أن الانسان هو كائن طبيعي مادي فيكون حقا المحرك أو الدافع الثاني له هو الدافع الاقتصادي بعد الدافع الجنسي، انطلاقا من إيماننا بالآية الكريمة المذكورة فقد ابتدأت بحب الشهوات من النساء ثم الموارد الاقتصادية. فيكون هذان الدافعان هما المحركان الأساسيان للإنسان المادي، ولكن الروح تأتي وتتصارع مع المادة حتى يتحقق التوازن بينهما ويأخذ كل منهما حقه.

ثانيا: هل اختلاف الشرائع السماوية هو مصداق للبنى التحتية والفوقية عند ماركس؟
يقول سبحانه وتعالى في سورة المائدة: "لكل جعلنا منكم شرعةَ ومنهاجا"، وعُلّمنا هذا منذ الصغر أن كل شريعة من الشرائع السماوية جاءت لتناسب سياقا تاريخيا واجتماعيا معينا، فهل هذا مصداق لفكرة ماركس بشأن البنى التحتية والفوقية؟ أم أننا لم نفهم فكرة اختلاف الشرائع أو حتى لم نفهم ما معنى الشرائع أصلا؟!
 

وهنا أكتفي بطرح القضية فقط تاركا المجال مفتوحا للنقاش والبحث والتفنيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.