شعار قسم مدونات

الإسعافات النفسية

blogs - عيادة نفسية
كنت أتصفح حسابي على موقع فيس بوك، ولفت نظري فيديو لمحاضرة ألقاها طبيب نفسي بريطاني خلال المؤتمر "TEDX" المعروف لدى العديد من الناس. في البداية لم أكن مهتمة بهذا المؤتمر، ولم أكن مهتمة بما يشاركه الأشخاص من أفكار وقصص، لكنني قلت لنفسي لم لا أعطي لهذا الطبيب دقائق من وقتي مثلما أعطيها لفيديوهات آخرى لا معنى لها ولا فكرة.

بدأ الطبيب حديثه بسؤال، لماذا لا نهتم بالصحة النفسية بنفس درجة اهتمامنا بالصحة الجسدية؟ هذا السؤال كان كصفعة على وجهي لأني لطالما كنت أستخف بالصحة النفسية وبمهنة الطبيب النفسي، ولا بد أن يكون كصفعة على وجه كل من يقلل من أهمية العناية بالصحة النفسية، سواء كان هو يعاني منها أو يعرف أشخاصا يعانون منها، ولم يقدم المساعدة لهم ولو بكلمة طيبة أو بنصيحة عابرة لهم أو حتى بدقائق من الوقت لسماعهم.

قد يتساءل قارئ أول مدونة لي، لماذا كل هذا التهجم؟ لأننا نحن -بالأخص في مجتمعنا العربي- نقلل من شأن هذا الموضوع، ونرى أن من العيب أن يعبر المرء عن ألمه النفسي أو مرضه النفسي، خوفًا من استهجان ونفور الناس منه عوضًا عن مراعاته أو الوقوف إلى جانبه. وما يزيد الطين بلة، اعتبار مشاكلنا أو أمراضنا النفسية على أنها مجرد حالة مؤقتة ستمر وتختفي مع الوقت فقط، دون اتخاذ خطوات لحلها أو التخفيف من حدتها. تخيلوا معنا لو أننا تعاملنا مع صحتنا الجسدية مثلما نتعامل مع صحتنا النفسية.

كلنا نعاني من الأمراض النفسية، ولكننا للأسف نرى أنها حالة نفسية طبيعية نمر بها خلال اليوم، فنستخفها ونخفيها، ولا نعي بأنها قد تكون أعراضا لوجود عِلة نفسية.

على سبيل المثال، يأتي شخص لديك يخبرك بأن يده مسكورة حينها هل ستقول له إنها مجرد أمر بسيط مع الوقت ستصبح أفضل؟! أم ستسارع إلى الاتصال بالإسعاف أو إلى قسم الطوارئ لكي يحصل على العلاج المناسب. لماذا لا نفعل ذلك عندما يأتي شخص يشكو من القلق أو نرى أنفسنا نعاني من الوحدة أو من ضعف في الثقة بالنفس نسارع لإسعاف أنفسنا "نفسيًا"؟

الأمراض النفسية تكاد تكون السبب الرئيسي للارتفاع في ضغط الدم، وضعف المناعة والقولون العصبي وحتى الموت المفاجئ. أنا شخصيًا كنت محلا لهذا الموضوع، قبل سنة ونصف تقريبًا، قررت أن أمارس الرياضة وأن أهتم بنوعية وبكمية الطعام الذي أتناوله. نجحت في ذلك، بيد أن صحتي النفسية لم أمنحها حقها في الاهتمام مثلما منحته لصحتي الجسدية. كنت أستغرب مع كل هذه التمارين الرياضية والغذاء الصحي ما زلت أعاني من بعض الأمراض الجسدية لدرجة أني ذهبت إلى الطوارئ عدة مرات خلال السنة السابقة. نسيت بأن لدي روح وليس جسد فقط، نسيت بأن لدي عقل وليس عضلات فقط.

مرات عدة كنت أشعر فيها بالقلق أو بالتوتر أو بالوحدة وكان هذا الشعور يستمر لأيام وأسابيع، لم أكن أدرك بأن علي أن أسارع لعلاج نفسي مثلما كنت أسارع للذهاب إلى الطوارئ لأعالج جسدي. كنت أقول لنفسي، أنها مجرد أمر بسيط مع الوقت سأصبح أفضل، لكن الوقت مضى ولم أصبح أفضل. أدركت أيضًا بأن اهتمامي بصحتي الجسدية من خلال ممارسة الرياضة والأكل الصحي، ماهو إلا وسيلة لكي أخفي مشاكلي النفسية أو وسيلة لكي أتناساها.

كلنا نعاني من الأمراض النفسية، القلق، الغضب، التوتر، الوحدة، عدم الثقة بالنفس، تقلب المزاج، ولكننا للأسف نراها على أنها حالة نفسية طبيعية نمر بها خلال اليوم، فنستخفها ونخفيها، ولا نعي بأنها قد تكون أعراضا لوجود عِلة نفسية أو بأن عقلنا وروحنا وعواطفنا تحتاج إلى إعادة ضبط وراحة وإسعافات نفسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.