شعار قسم مدونات

من منّا لا يرهب الموت!

blogs- الأب
عني ربما تجاوزت رهبة الموت لكني لم أتجاوز بعد رهبة الفقد، ولو للحظة تخيلت أن يصيب أحبائي أو عائلتي مكروه أشعر وكأن قلبي سيتوقف من الصدمة لمجرد خيال راودني ولو للحظة فوراً أستعيذ من الشيطان حتى لا أنجر بخيالي فأُجن..
 

دعوتي الدائمة على لساني "يا رب يومي قبل يومهم يا رب يا رب لا تفجعني بعزيز "فالموت وكما قالوا لا يتعب الموتى بل من هم حوله.. لم أخشى الموت لأني أعتبره كبداية لحياة جديدة لنا لا يستحق خوفنا فكما جئنا مندفعين للحياة واكتشفنا معركتها وحلوها ومرّها بأنفسنا هكذا هو الموت لا يستحق الخوف بل يستحق الإيمان به وبقدرة الله ورحمته..
 

"ماما" هل فلان الذي مات يشعر بنا؟ هل يشعر بحزننا عليه؟ هل هناك من يواسيه في وحدته؟ هل هو سعيد الآن؟ لماذا الموت يقتطف أطيب ثمرة؟ "القضاء والقدر يا ابنتي!" آمنت بالله! لكن ماذا عن الفراغ الذي يتركه الموتى خلفهم! ماذا عن ذكرياتنا معهم! ماذا عن إحسانهم للجميع! ماذا عن مشاعرنا تجاههم! ماذا عن فجوة قلوبنا الذي التهمتها فاجعتنا بهم! ماذا عن طفلة سرق الموت فرحة أباها معها بكل خطوة نجاح لها! كيف لنا أن نكمل حياتنا بعد موت عزيز علينا..
 

لم أستوعب قط كسرة موت عزيز إلا بعدما عايشت التجربة، فبين الإيمان بأن جميعنا سنموت حتماً لا محال وبين وجع الفقد نضيع!

فجأة وكصاعقة هلت علينا "ألو حنان.. أحسن الله عزاك! فلان مات" لا تهم طريقة إلقاء الخبر عليك.. الأهم استيعابك بأن فلان مات! مات! عباءات سوداء بكل المكان.. بين أناس قادمين وآخرين ذاهبين.. الجميع يبكي وسلام، بين عظم الله أجرك ووداع بشكر الله سعيك.. اتصالات تعزية لا تعي ما تقوله بها سوى جزاك الله خير ما نشوفك بمكروه!
 

وكأن جميعهم في عالم وأنت في عالم وحدك من وهلة الصدمة! تختلي بنفسك آخر اليوم بعدما قدم الجميع واجب العزاء تبدأ باستيعاب ما حدث أو مواساة نفسك! كابوس! كل هذا كابوس وانتهى بالتأكيد فلان سافر وليس بميت وسيعود وسأخبره بكل شيء! بمن بكى عليه أكثر.. بمن كسره خبر وفاته وبمن عزّانا ورحل لا يهمه أمر موته! متأكدة أنك ستعود لتكذبهم جميعاً!
 

وبين أن أستسلم للحظات للأمر الواقع والمرير.. حنان استوعبي فلان مات وانتهى! رحلت معه الذكريات والأيام الجميلة.. رحل الملاك الطيب الخلوق.. رحلت معه لحظات لم نعيشها بعد! رحلت معه قطعة من القلب.. لم أستوعب قط كسرة موت عزيز إلا بعدما عايشت التجربة، فبين الإيمان بأن جميعنا سنموت حتماً لا محال وبين وجع الفقد نضيع! الصعب أن تقنع نفسك بأن من فقدت في رحلة سفر وسيعود والأصعب أنك لا تعلم متى موعد تلك العودة! بالنهاية الحياة سوف تستمر وكلي ثقة بأن الله سيجبر قلوبنا.. الله سيجبر مصابنا..
 

يامن رحلتم وأوجعتم قلوبنا برحيلكم وتركتم خلفكم الأثر الطيب.. لن ننساكم لروحكم الرحمة والسلام والسكينة وعند الله نلقاكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.