شعار قسم مدونات

التواكل هو قبول الظلم

blogs- التواكل

أصبحت حياة المجتمع المدني في أغلب المجتمعات العربية -إن لم يكن كلها- تنزل لمستوى هابط، بعيد كل البعد عما ينبغي لها أن تكون عليها الحياة الطبيعية في الوقت الراهن، أسلوب حياة لا يليق بالمواطن العربي ولا تليق بالبشرية كلها في هذا العصر المتقدم الذي يبدو أنه قد خاض كل التجارب الإنسانية -تقريباً- في كل مجالاتها "السيئة منها والجيدة". أعترف جدلاً أنني من فئة هؤلاء الذين يميلون -أغلب الأحيان- لفكرة أن ما يحدث لبعض الأشخاص أو مجتمع بأكمله من أمور سيئة، من معاناة ومظالم هو ما يستحقونه بالفعل سواء كان لهم يداً في حدوث ذلك أو لا.
 

عشت قبل سنوات في بلدة صغيرة -تتسم بخليط من المظاهر الريفية والمدنية في تكوينها الاجتماعي وأسلوب المعيشة- كانت تتعرض للظلم والاضطهاد -لسنوات- من قبل عصابة رجال مسلحة "إنهم البلاطجة مثلما يقولون عنهم هذه الأيام..". ما أثار غضبي واستغرابي في هذه البلدة هو أن عدد أفراد هذه البلدة أكبر بكثير من عدد هؤلاء الرجال الذين يسرقونهم في وضح النهار بلا رادع أو خوف منهم، بالإضافة إلى القيام بالتنكيل بهم من خلال التهديدات والمضايقات اللفظية والجسدية بشكل شبه يومي تقريباً.
 

التواكل على الله "كالعميان" عكس التوكل على الله كمؤمنين، أن تتوكل على الله -ربك- معناها أن تأخذ بالأسباب التي سوف تساعدك على النجاح في حياتك الدنيوية.

كان بإمكانهم أن يصبحوا يداً واحدة ذو كلمة واحدة لأجل رد هذا الظلم السافر، وكان بإمكانهم -بكل سهولة- الحصول على السلاح والعتاد لتأديب ومحاربة هؤلاء العصابة، ولكنهم لم يفعلوا أي شيء من هذا القبيل. حتى أن بعض منهم اتخذ من الخيانة أسلوب نجاة من بطش هؤلاء بكل بساطة دون ذمة أو أدنى ذرة من تأنيب الضمير، إنهم جبناء ومثيرون للشفقة المريضة في تلك الحالة رغم بؤسهم المحزن، يريدون الحلول السهلة وتداخلات خارجية لمساعدتهم للخلاص من مثل هؤلاء الظالمين ومن بؤس الحياة التي يعيشونها.

ومثلهم مثل هؤلاء في الأوطان العربية الذين يشكون من أمور الحياة الصعبة التي يمرون -في الوقت الراهن- بهم؛ كغلاء الأسعار وقلة موارد الغذاء وسوء الخدمات الصحية والمستشفيات وقلة المدراس العصرية التي تليق بهم وبأبنائهم، إلا أنهم يحبون دور الضعيف المسكين المغلوب على أمره دائماً. لذلك هم يستحقون -وعن جدارة- ذلك الظلم وذلك الذل والقهر بكل أسف وقد حصل إن كان لي نصيب -وإلى الاَن يحصل- من الحديث مع هؤلاء المضطهدين وخاصة من فئة النساء، وأعلم تمام المعرفة أنهم يبكون في داخلهم بمرارة ويعانون من ذلك الظلم والاضطهاد الذي يحصل في حياتهم بالإضافة للفقر وقلة إمكانيات العمل في داخل الوطن، وأنهم يريدون الحياة الكريمة لأنفسهم ولأبنائهم، ويحلمون بالحياة الوردية مثل جميع البشر، إلا أن المشكلة أو المعضلة "المبكية المضحكة" هي أنهم يريدون أن يقوم "الله" -سبحانه وتعالى- بحل كل مشاكلهم دون أن يقوموا بفعل أي شيء.

يعجبهم وبشدة ترديد مثل هذه الكلمات الرنانة دائماً: "الصبر على الله"، "الله كتب علينا الشقاء فيجب الصبر وعدم الغضب"، "الله بيده كل شيء"، "ماذا نفعل، قسمتنا ونصيبنا".. وهذه أكثر جملة تكاد تقتلني من الغيظ كلما قالوها لي: "خلاص.. الجنة هي ثواب صبرنا، الجنة لنا نحن جزاء صبرنا على هذه الحياة وشفائها"! كيف سيفهم هؤلاء الناس أن الله لو أراد التداخل هكذا في حياة البشر بطريقة مباشرة لقام بمسح دولة إسرائيل من على خارطة العالم بكلمة واحدة منه بمنتهى البساطة!
 

انظروا إليها -تلك الدولة الظالمة لشعب فلسطين والقابعة على أرضهم بكل راحة- قوية راسخة الدعائم وكثيرة الإنجازات لأبنائها وشعبها، تقدح شراراً في مجال التعليم العالي والبحث العلمي في مجالات عدة. إنها تتحرك بسرعة وتتعلم وتعمل وتبحث عن الحلول على أرض الواقع، تكبر وتكبر وتمتد على حساب غباء الناس -العرب- وضحلة أفكارهم، ولن ينكر هذه الحقائق سوى السذج العميان.
 

"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" الآية المنيرة هي سر كل شيء، هي خلاصة الخلاص من بؤس مجتمعنا المغلوب على أمره في كل شيء حتى في لقمة عيشه التي يضعها في فاه.

أعلينا أن نقول الآن بعد هذه الحقيقة -القاسية في حقنا- عن دولة إسرائيل: أن الله رب العالمين ظالم وقاسي، يحب أن يقف مع الظلم والظالمين والدكتاتورية والاستبداد ويساندهم بكل قوته العظيمة وإمكانياته الهائلة!؟ حاشاه وهو رب العدل والرحمة والحب والسلام وسيد الحق والقوة، لقد خلق بداخلنا -نحن البشر- غريزة حب الحياة وحب البقاء فيها وزرع الإرادة والقوة في قلوبنا لأجل أن نستخدمها في صناعة وإنتاج الحياة الكريمة وسعيدة التي تليق بنا كبشر.. تليق بإنسان كامل الأهلية والكرامة والحقوق.

لذا لن يتدخل هو بطريقة مباشرة ويلغى وجود العقل والإرادة والكفاح من داخل أنفسنا هكذا! إن التواكل على الله "كالعميان" عكس التوكل على الله كمؤمنين، أن تتوكل على الله -ربك- معناها أن تأخذ بالأسباب التي سوف تساعدك على النجاح في حياتك الدنيوية أو التي تساعدك على الخروج من أوضاع سيئة لا تريدها في حياتك. مثلك مثل مريض يأخذ دواءه في موعده وهو يعلم تماما أن الشفاء بيد "الله" ولكنه قد اخذ بأسباب الشفاء من جهته هو والباقي يتركه لربه.
 

التواكل هو أن تجلس تدعوا الله ليلاً نهاراً بأن يحسن حياتك وأنت قابع في مكانك بلا حراك أو كفاح أو فعل يذكر، لا تسعى أبداً بجدية وبالعمل المخطط له بذكاء والعلم والمعرفة -التي تزودك بالأدوات والأساليب المناسبة -لأجل إحداث التغيير الذي تريد الوصول له. حالنا لن يتغير أبداً، والعاقل يعرف ويدرك ذلك تماماً، طالما أننا نريد من الرب وحده القيام بهذه المهمة بالنيابة عنا.
 

يقول الله عز وجل "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" الآية المنيرة هي سر كل شيء، هي خلاصة الخلاص من بؤس مجتمعنا المغلوب على أمره في كل شيء حتى في لقمة عيشه التي يضعها في فاه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.