شعار قسم مدونات

التوظيف السياسي للدعوة السلفية 2

blogs - salafi
الفواعل الثلاثة في واقعنا المعاصر:
استمر المشهد كما هو بين الثلاثة، الدولي يهمين على المنطقة ويرسم سياستها العامة ويؤمن تدفق موارد المنطقة لبلده وحين ظهرت الصناعة وازدهرت اتخذ من المنطقة سوقًا استهلاكية لبضائعة، فأصبحت الأمة الإسلامية مصدرًا للموارد وسوقًا استهلاكية بالنسبة للفاعل الدولي، وبعض مناطقها اتخذت نقاط ارتكاز عسكرية يخزن فيها العسكر والسلاح. والسياسي المحلي استغل رغبة الدولي المسيطر في تفتيت المنطقة وإيجاد كيانات إقليمية متنافسة -أو متصارعة- مع بعضها ومتصالحة مع الدولي وعمد إلى إقامة كيان (منطقة نفوذ تحولت بعد لدولة قومية)، واستغل محدودية ثقافة ومحدودية أهداف "الشيخ" في تطويع الداخل بإضفاء شرعية دينية على حكمه، أو تقسيم صف المعارضة وإيجاد كيانات متنافسة داخليًا فيما بعد.
 

تبع "الشيخ" "السلفي" من يموله في أحداث الربيع العربي، فكتب الأبحاث التي تبين "اختلاف الإسلاميين"، ووقف ضد الإسلامي السياسي، وشارك في دعم الخيار الذي تبناه السياسي الخليجي والداخلي.

ظلت هذه الثلاثية تعمل إلى يومنا هذا: الدولي يضع أطرًا للسياسي المحلي ويهيمن عليه، ويستخدمه في التصدي لمشروع الخلافة الإسلامية، وفي تنفيذ مخططة في السيطرة من خلال التفتيت إلى كيانات متصارعة؛ والسياسي المحلي يضع أطرًا "للشيخ" ويهيمن عليه، و"الشيخ" مع أهدافه الخاصة منذ قرون يظن أنها هي نقطة البداية، وكلما حاول الخروج من هذه الدائرة دفعه "السياسي" المحلي أو الدولي بقوة (عسكرية.. اقتصادية.. سياسية.. إعلامية..)، فاستدعى من النصوص ما يبيح له الابتعاد عن الحكم والبقاء ضمن "المجال الخاص" .. إصلاح الفرد. ولذا: تمحور جمهور الحالة السلفية حول قضايا فردية.. شكلية: مثل: البدع المتعلقة بسلوك الأفراد في نسكهم وملبسهم ومأكلهم ومشربهم (اللحية، والنقاب، وحرمة الصلاة في المساجد المقبورة.. ونحو ذلك)، ويبتعد عمدًا -أو جهلًا- عن سؤال الدولة. لا زال "الشيخ" في خانة التوظيف من قبل السياسي المحلي والدولي، وهذه بعض المعالم من المشهد المعاصر:

1- حين ظهرت القومية العربية واجتاحت المنطقة وقسمتها إلى دول "تقدمية"، وهي الدول التي ظهرت فيها الثورات وتحولت لجمهوريات، ودول "محافظة"، وهي الدول الملكية التي لم تجتاحها الثورات، وخاصة دول الخليج، استدعي "الشيخ" في إطار الصراع بين الكيانات السياسية الناشئة في المنطقة، والتي هي من مظاهر تفتيت الأمة تبعًا لرغبة الدولي المنتصر في الحرب العالمية الثانية. فالفاعل الدولي المنتصر في الحرب العالمية الثانية فتت العالم الإسلامي إلى كيانات صغيرة حسب رؤيته هو للعالم (دولة قومية)، تحت شعارٍ براق (الاستقلال)، والكيانات الصغيرة وقعت فريسة للطامحين للحكم من الساسة المحليين. والساسة المحليون استخدم بعضهم الصحويين في الصراع الداخلي بينهم، بالأدق في الحصول على شرعية مجتمعية ومحاولة سحبها من المنافسين لهم (الجمهوريين.. "التقدميين") باعتبار أنهم أعداء الدين والمتدينين.. وظهر ذلك في الإفادة من اضطهاد الحركات الإسلامية في الدول التقدمية وإيوائهم في دول الخليج والتي واجهت الحركات الإسلامية بعد ذلك.

2- واستخدمت "الأنظمة المحافظة" "الشيخ" في إيجاد نفوذ داخل الدول "التقدمية" عن طريق دعم الموافقين لها من أبناء هذه الدول بالمال وأدوات المعرفة (الكتاب، المساجد، المراكز الدعوية)، فنشأت كيانات "سلفية" في هذه الدول تهتم بالتفاصيل.. بإصلاح الفرد، وتعمل بشكل ما كأذرع لمن يمولها، أو يوافقها فكريًا، فـ "من يدفع للفرقة الموسيقية هو الذي يحدد اللحن"، أو "من يدفع يحكم".

حين تنبه بعض السلفيين وخرجوا لمصارعة السياسي الدولي وقبله المحلي بألسنتهم وأيديهم، كانت النتيجية أن وظفوا (استغلوا) من قبل الدولي في مخططٍ آخر أشد عدوانية، فقد كانوا أداةً في التصدي للتمدد الروسي!

3- وأفاد السياسي "التقدمي" ذو التوجهات الجمهورية من "الشيخ" الذي يتمحور حول إصلاح الفرد في تفتيت الصحوة الإسلامية التي اتخذت بعدًا سياسيًا يتهدد السياسي المحلي وخاصة بعد اخفاقه في حرب 1968، ففي الوقت الذي طرحت فيه أسئلة الدولة والأمة، واستئناف الحياة الإسلامية من جديد.. من عقر الأكاديمية السياسية في مصر على يد الأستاذ الدكتور حامد ربيع، وظهرت حركة الشباب الجامعي في سياق تنافسي مع الاشتراكية الأممية وفي حضور رؤية جهادية تعثرت في المغرب العربي (حركة خطابي ومجاهدي الجزائر وقد كان لهم حضور في مصر، وعمر المختار في ليبيا…) وأخرى تحاول النهوض في فلسطين (الإخوان الفلسطينين) ومصر (تنظيمات الجهاد الشبابية)، طلت السلفية برأسها تتحدث عن "الثياب" و"اللحية" و"الطاقية"، وتجد دعمًا من السياسي الخليجي الملكي والسياسي الجمهوري، بالمال وأدوات التعليم من الأول وبتوفير مساحة في أرض الواقع من الثاني، حتى تم بعثرت وتحجيم الحركة السياسية والجهادية الناهضة أو شغلها بصراعات داخلية.

4– تبع "الشيخ" "السلفي" من يموله في أحداث الربيع العربي، فكتب الأبحاث التي تبين "اختلاف الإسلاميين"، ووقف ضد الإسلامي السياسي، وشارك في دعم الخيار الذي تبناه السياسي الخليجي والداخلي، وإن كان ضد أخيه الصحوي، وإن كان بالاصطفاف مع المشبوهين بدعوى "الإنقاذ". ويدفع السياسي بموجات من "الشيوخ" الموظفين لحسابه، ولعل آخرها تلك التي تتحدث عن ضرورية"التمذهب".. تحي جاهلية القرون الوسطى في التاريخ الإسلامي والتي أغلق فيها الاجتهاد بدعوى أن الخير فيمن سلف. والثمرة الحقيقية لهؤلاء هي موجة جديدة من الصراع الداخلي في صفوف الصحوة الإسلامية، تأخذها بعيدًا عن الحكم والسياسة بعد أن وطئتها بقدميها.

5- وحين تنبه بعض السلفيين وخرجوا لمصارعة السياسي الدولي وقبله المحلي بألسنتهم وأيديهم، كانت النتيجية أن وظفوا (استغلوا) من قبل الدولي في مخططٍ آخر أشد عدوانية، فقد كانوا أداةً في التصدي للتمدد الروسي، حاربوا الروس على أرض الأفغان وانتصر الأمريكان (الفاعل الدولي الغربي بقيادة أمريكا)، وحاربوا في قلب أوروبا وكانت الثمرة للأمريكان (تأديب أوروبا وإرغامها على أن لا تسعى منفردة بعيدًا عن أمريكا في حل مشاكلها الخاصة، وأن لا تقف دون مخطط القضاء على بقايا الاتحاد السوفيتي وضم أوروبا الشرقية للمعسكر الغربي بقيادة أمريكا ثقافيًا وعسكريا)، ثم يستغلون اليوم ضمن خطة شيطانية لتدمير العمران الإسلامي في العراق والشام واليمن وليبيا، وإيجاد نقاط ارتكاز أخرى حول منابع الطاقة في سيناء. وأرجو أن يكون هذا موضوع تدوينة قادمة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.