شعار قسم مدونات

المرأة تخطب الرجل

blogs- الزواج
أدى تداول بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بحياء المرأة وكبرياءها، إلى اندثار إحدى السنن النسائية التي سنتها خديجة زوجة محمد صلى الله عليه وسلم ، هذه السنة هي خطبة الرجال، فإذا كان على الرجال التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فحري بالنساء الاقتداء بسنن أزواجه واتباع طرقهن، وإليكم إحاطة بهذه السنة وبعض حيثياتها.

خصوصيات خديجة:
-النضج والرشد: عند إقدامها على المبادرة كانت تبلغ الأربعين، حيث يصبح الشخص راشدا ومتزنا.
-المكانة الاجتماعية: كانت سيدة ذات حسب ونسب ووجاهة بين قومها. -الاستقلال المالي: كانت سيدة مستقلة، ذات مال وتجارة، ولا تخضع لوصاية أب أو ولي. -الذكاء: تعاملت مع موضوع الزواج بمحمد صلى الله عليه وسلم، بنوع من الذكاء والفطنة، فقد أدركت استحالة إقدامه على المبادرة نظرا للفارق المادي بينهما، حيث كانت صاحبة المال بينما هو تاجر في مالها.

قد ينتاب النساء بعض المخاوف التي ترجع في الأصل لبعض المفاهيم الخاطئة، كأن ترى في الأمر تنازلا عن كرامتها، ولكن كرامتها الحقيقية في صحبة رجل يؤويها ويحميها من بطش تقلبات الأيام.

-الأخلاق: كانت تدعى بالطاهرة، وقد تزوجت النبي وسنه 25، ولم يكن صاحب مال أو سلطة مما يستميل قلوب النساء، لكنه استأثر بقلبها لما رأت فيه من صدق وأمانة، ما يدل على سمو أخلاقها.
عندما تكون الأخلاق هي الجوهر والغاية، تطبع العلاقات بالرقي، ويسودها الحسن والجمال، وتحفها مباركة الرحمن، ويصبح الأهم هو الفوز بالشخص المناسب، دون اعتبار للطرف المبادر بالخطبة. لقد كان قرارها نتاج مركب من النضج، الاستقلالية، الذكاء والأخلاق، وقد أثمر فوزها بأفضل الخلق على الإطلاق.

قصة الزواج:
بعدما وجدت في نفسها ما يسرها من رسول الله، أفضت بسرها إلى صديقتها المقربة، فأرسلتها لتستعلم أخباره، فلما جاءته سألته عن ما يمنعه من الزواج فقالت: هل أدلك على صاحبة الشرف والمال والجمال. قال وكيف لي بذلك. قالت أنا أفاتحها في الأمر. فرجعت إلى خديجة تحمل إليها رغبته في الزواج، فردت عليه معلنة الساعة التي يأتي فيها لخطبتها، وأخبرت أهلها كما أخبر رسول الله عمه، فحضر الجمع وتم الزواج.

أبعاد الطريقة:
-اختيار من تفضي إليه بسرك من محارمك أو صحبة صالحة، ممن يرجون لك الخير ولا يبطن أي بغض أو حسد. -الاستعلام عن حال الرجل، هل يرغب في الزواج؟ هل أعطى وعدا بذلك لأخرى؟ حتى لا يقع أحد في أي إحراج. -جعل الأمر يبدو كأنه اقتراح أطراف وسيطة. كان قرارها معاكسا للأعراف والعادات، لكنه لا يناقد حياء النساء وكبريائهن، كما كان قرارا شجاعا، لكنه لا ينحدر إلى مستوى الجرأة والوقاحة، ففي الهيبة الخيبة، وفي الخجل المفرط الحرمان.

قد ينتاب النساء بعض المخاوف التي ترجع في الأصل لبعض المفاهيم الخاطئة، كأن ترى في الأمر تنازلا عن كرامتها، ولكن كرامتها الحقيقية في صحبة رجل يؤويها ويحميها من تقلبات الأيام. كما أن بعض النساء يمكنهن التنازل عن أشياء عديدة، لكن لا يمكنهن التنازل للرجل مطلقا إزاء طلب الزواج، ويعتبرنه سقوطا أو هزيمة، وكأن الأمر يتعلق بحرب خسرت أولى معاركها بهذه المبادرة.

هذه المفاهيم الشعبية التي يأتي أحد الأطراف محملا بها كالتحكم، السيطرة أو الهزيمة، تجعل من مؤسسة الزواج ساحة معركة، وتقوض هذا الرباط المقدس، وتؤدي إلى تفككه، وتجعل منه مشروعا لإنتاج الإنحلال في المجتمع. ونجد أن بعض النساء تسعى للزواج بطرق عدة، كالتحايل والإغراء، ويمكن أن تعرض حياءها وشرفها للخدش، سعيا منها لخلق جاذبية تستبقي الشريك، وتدفعه للتعود عليها، كما يمكن أن تذهب إلى حد الشعوذة، كل هذا يعد تنازلا واضحا عن القيم والأخلاقيات، في حين أن مبادرتها لطلب الزواج ليست تنازلا إلا بميزان الأعراف والعادات التي هي نتاج مفاهيم خاطئة لا تمت للدين بصلة.

هناك مخاوف ما بعد الزواج، كأن يقلل الزوج من شأنها باعتبارها صاحبة المبادرة، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل خديجة بما هي أهل له، وهي الوحيدة التي لم يتزوج عليها، وحفظ لها فضلها حتى بعد مماتها، واستمر بالإحسان لصديقاتها وفاء لذكراها، ولا يزال يعدد مناقبها حتى غارت أمنا عائشة.

هناك بعض النساء مررن بعلاقات غرامية لم تتوج بالزواج، ما يخلف بعض الآثار النفسية كالإحساس بالغدر والخذلان، وهو ما أصبح يظهر بكثرة من خلال قصاصات الفيسبوك المتداولة، هذا النوع غير مؤهل للأخذ بزمام أي مبادرة، لأنه لا يتمتع باستقلالية المشاعر، حيث كل أحاسيسه خاضعة للماضي والذكريات، مما يجعل من مبادراته خبطات عشوائية لتملأ الفراغ الذي خلفه رحيل الحبيب، يجب التحرر أولا من قبضة الشجون والأحزان، حتى تعيد تقييمها للمصلحة الحقيقية وللمعايير التي تبني عليها اختيارها للشخص المناسب.

ماذا ننتظر غير هذا من وسط يسود فيه مفهوم أن من تزوج امرأة يكون قد أسدى إليها معروفا بإنقاذها من العنوسة؛ في حين أن الله ساوى بين الجنسين إذ قال: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.

بالنسبة لحديثات السن ممن لسن بعد مؤهلات للأخذ بزمام المبادرة، يجب أن يتولى الآباء وولاة الأمور البحث عن من يناسب بناتهم وخطبته وعرض الأمر عليه، وهنا نستحضر قصة زواج نبي الله موسى كما ورد في سورة القصص، لما سقى لامرأتان ثم جلس إلى الظل قبل أن تأتيه إحداهن على استحياء وتدعوه لمقابلة أبيها، فمدحته أمام أبيها بالقوة والأمانة، فما كان من الأب إلا أن فهم ميل ابنته إلى موسى، فعرضها عليه، وهذا من العادات المتجذرة في المجتمع المغربي، كما يظهر من خلال بعض الأمثال الشعبية من قبيل: "اخطب لبنتك ما تخطب لولدك"، لكن لا يزال الأمر يتسم بنوع من الحساسية والحرج.

قبل أن يعرض هذا الكلام على النساء يجب تعميمه بين الرجال، فأغلب الدراسات تؤكد أن الرجال يخافون من مبادرات النساء، هل هي فوبيا الارتباط؟ أم رهاب نساء؟ أم خوف من تحمل المسؤولية بشكل عام؟ إن معظم مبادرات النساء تقابل بالاستهزاء أو الشك من طرف الرجل، حيث يشتم رائحة المؤامرة تجاه أي تحرك من جانب المرأة، فيجعل منها موضوع سخرية. وماذا ننتظر غير هذا من وسط يسود فيه مفهوم أن من تزوج امرأة يكون قد أسدى إليها معروفا بإنقاذها من العنوسة. في حين أن الله ساوى بين الجنسين إذ قال : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.

قبل دعوة النساء لإحياء سنن زوجات الأنبياء، يجب أن يتم تهيئ الجو المناسب لاستقبال هذه السنن، سعيا لتثمينها بدل تقزيمها وتحقيرها. إن تغيير هذه المفاهيم، يقتضي تشخيص البنية الثقافية والفكرية للمجتمع، ورصد ما ترسخ من المغالطات التي وجب الثورة عليها، وإعلان ربيع أخلاقي لإسقاطها، وتبني مفاهيم صحيحة، تعيد إنتاج أعراف أخرى تنسجم مع قيم المساواة بين الجنسين، وتعيد رسم خطوط حمراء في مكانها الصحيح، تتيح الحرية والأريحية لتحركات النساء إزاء موضوع الزواج، ولن يتأتى هذا إلا بإزالة طبقات الكلس التي شلت حركة الفكر الإسلامي والعربي، وإعادة صياغة خطاب ديني وتوعوي يستجيب للتغيرات التي صاحبت الحداثة والعولمة. إن غياب إرادة قوية وصادقة في التغيير، سيفضي إلى إنتاج أجيال تعيد اجترار نفس الثقافة، وبالتالي تكريس الأوضاع القائمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.