شعار قسم مدونات

مؤتمر فلسطينيي الخارج يا زريف الطول وقف تا اقلك

مؤتمر
ينعقد هذه الأيام، المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، وقد سرني أنهم لم يذيلوا اسم المؤتمر برقم، فلم يكن المؤتمر الشعبي (الأول) لفلسطينيي الخارج، ولعل المنظمين لديهم من الأمل ما يدفعهم أنه سيكون الأول والأخير! إذ بعده ستفرج وسنخرج بنتائج ونعود إلى وطننا الحلم دون تثنية للمؤتمر.

إن أول ما أرجو أن ينتبهوا له هي الإمكانات التي تتوفر لدى الشعب الفلسطيني؛ فالفلسطينيون يتوزعون على مستوى العالم بجميع قاراته، وربما لا تجد بلدا في العالم إلا وفيه جالية فلسطينية صغيرة أو كبيرة، وهذا ما يعطي لهم إمكانات هائلة في التأثير على الرأي العام في بلدان إقامتهم – لو أرادوا وعملوا بخطوات صحيحة مدروسة – وتحدي التشويهات المصنوعة يهوديا وشرح القضية بشكلها الصحيح والواقعي بعيدا عن الإغراق في الرومنسية التي اشتهرنا بها نحن الفلسطينيين في التعامل مع الوطن وذكراه.

يندر أن تجد فلسطينيا غير منتم لاتجاه سياسي – حقيقة أو ادعاء – ففي الداخل يأكل الفلسطيني السياسة مع رغيف خبزه المرهون بفتح المعبر، ويشرب السياسة مع كأس الماء الذي ينتظر إذنا من الحكومة الإسرائيلية.

ثم إن المآسي التي تعرض لها هذا الشعب صقلت الفلسطينيين وعركتهم وجعلتهم يسعون إلى التميز في كل مجال يدخلونه، ليثبتوا وجودهم بالرغم من استلاب الوطن، وهذا جعل أغلب أفراد الشعب أناسا مثقفين محبين للعلم محترفين واسعي الحيلة، فمن علماء في أعلى الدرجات العلمية، إلى خبراء في أغلب المجالات التقنية، وحتى عمالة فنية خبيرة مدربة كفؤة. وهذه المقدرات على هذا المستوى لشعب مشرد هي كنز يجب أن يلتفت له ويوظف لصالح هذا الشعب.

ومعلوم أن الشعب الفلسطيني شعب مسيس في جميع مستوياته، ويندر أن تجد فلسطينيا غير منتم لاتجاه سياسي – حقيقة أو ادعاء – ففي الداخل يأكل الفلسطيني السياسة مع رغيف خبزه المرهون بفتح المعبر، ويشرب السياسة مع كأس الماء الذي ينتظر إذنا من الحكومة الإسرائيلية ليمر، وينير بالسياسة منزله الذي لا تصله الكهرباء إلا بموافقة أمنية على تشغيل محطة الكهرباء، وفي الخارج يعيش السياسة يوميا بكرت المؤن الذي يوفر له لقيمات الذل، أو عدم وجود رقم وطني يعطيه حقوق مواطنة كاملة، أو ذكر مكان ميلاد الأب ليعرف أنه ليس أصيلا في بلد إقامته، وحملة الوثائق وما أدراك ما حملة الوثائق!

إن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج شعب رتع في السياسة وخبر مجاهلها، واطلع على قذارتها وبات الكثير من أفراده في موقف اليأس من الحلول السياسية التقليدية، ويبحث عن مخرج جديد لقضاياه، غير ما درج عليه النفاق السياسي والبرتوكولات الشكلية. والمطلوب صيغة جديدة غير مسبوقة تراعي احتياجات الشعب الفلسطيني، وتصل ما انقطع بين الداخل والخارج. صيغة تتخلص من التسوية السلمية كثياب ضاقت على صاحبها فرماها في أقرب مكب نفايات؛ لأنها باتت تضايقه وتعيق حركته وتكتم أنفاسه، صيغة لامة مجمعة لا تترك لفصيل مهمة الأستاذ أو الأخ الكبير، بل تترك التسميات وتحجب الألقاب، ولا يسأل عن انتماء إلا الانتماء لثوابت جامعة لا يتلاحى عليها اثنان، وأن تكون ثوابت حقيقية بعيدا عن تفسير المسميات بغير معناها أو لي أعناق النصوص لتخدم مبتغى مشبوه.

من أهم ما نطلبه إسقاط مصطلح الممثل الشرعي والوحيد لأي جهة – ولا أقصد بذلك منظمة التحرير خصوصا – ذلك لأن هذه التسمية ترفع عمن أطلقت عليه المحاسبية وتجعله بعيدا عن القانون مهما أخطأ!

أما قدسية القضية الفلسطينية لكونها تعنى بأرض مقدسة لدى المسلمين والمسيحيين عامة وليس الفلسطينيين فقط؛ فهي من أقوى الأسباب الجامعة لشعوب الأرض حول القضية الفلسطينية، والاتفاق على هذه القدسية يقود إلى جعل هذه القضية رأس الحربة في المواجهة الحضارية الحتمية بين الحضارة العربية الإسلامية وغيرها من الحضارات. وأكرر حتمية حتى لو دفننا رؤوسنا في الرمال ألف قدم تحت مسميات التعايش وادعاءات السلام وغيرها ولنفرض جدلا أن السلام قائم والتعايش واقع أليس من الأفضل أن نكون مستعدين لأي طارئ أو تغيير في وجهة نظر الأخر أو طريقته في التعايش. 
 

إن النموذج الأمريكي أكبر برهان على حتمية هذه المواجهة؛ فالقارة التي اتسعت لشذاذ الأفاق وصهرتهم في بوتقة واحدة تحت العلم الأمريكي وحكمتهم بالديمقراطية المزعومة ضاقت على امرأة تغطي رأسها وكأن حجابها هو الذي يخنق ديمقراطيتهم! ولعل أخشى ما يخشى في هذه المرحلة اندساس أصحاب الأجندة الخفية بين المجتمعين ومحاولاتهم لتمرير نقاط وربما قرارات تخدم جهات مصلحية داخلية أو خارجية تلعب بأوراق المنطقة وتتمنى لو كانت الورقة الفلسطينية في يدها. إن المصلحة الوحيدة التي يجب أن يكرَّس لها العمل هي مصلحة الشعب الفلسطيني، وخدمة القضية الفلسطينية وإعادة الحقوق المشروعة إلى أصحابها بأيدي أصحابها وبرعاية إطار عربي اسلامي راع وداعم.

وقد عانى الفلسطينيون في الشتات الأمرَّين في العقدين الماضيين، فمن جهة غربة وتشتت وتشرذم في بلاد تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية – على أحسن تقد ير – إلى تغييب لدورهم في تحديد مصيرهم ومستقبلهم والضغط عليهم لقبول الواقع والرضا بما وصلوا إليه في بلاد الغربة وصولا بهم إلى الرضا بالوطن البديل. وآن الأوان ليكون لهم دور في قضيتهم ولهذا فإن على المؤتمر أن يجد صيغة عملية لدور واضح لأهل الشتات في حل قضاياهم المتعلقة بدورهم في بلدان الشتات خاصة العربية منها، وتبني قضاياهم ودراسة أوضاعهم المعيشية فيها، وصولا إلى شكل مقبول لوجودهم يحفظ كرامتهم، ويرعى إنسانيتهم ومصالحهم ويطمئن مستضيفيهم أن ليس من الأهداف إحلالهم محل سكان البلاد في الوظائف أو الأرض.

عيشوا بما اصطحبتم من خيرات فلسطين،شم فلا تفطروا إلا بزيت زيتون من جنين وزعتر من الخليل وخبز طابون من بيت لحم، واشربوا شايا بمرمية من الجليل وعند الضحى كلوا من برتقال يافا وموز أريحا وتمور الأغوار.

وعليكم أن تهتموا بدور الشباب الذين يشكلون الجيل الرابع بعد النكبة والذين لا يعرفون عن فلسطين إلا ذكريات ضبابية لدى أجدادهم وحكايات أسطورية لدى آبائهم. ولا ننس تأثير الربيع العربي على الشباب الفلسطيني وكل الشباب العربي وما وضع في نفوسهم من إحباط ونزوع إلى التطرف والعنصرية مما يجعلنا بحاجة إلى مؤسسات شبابية رائدة تستوعب الخلافات وتلعب على وتر الوحدة وتستغل الاختلافات والتمايزات في نسج لوحة ملونة جميلة مفعمة بالحياة والأبداع.

ومن أهم ما نطلبه إسقاط مصطلح الممثل الشرعي والوحيد لأي جهة – ولا أقصد بذلك منظمة التحرير خصوصا – ذلك لأن هذه التسمية ترفع عمن أطلقت عليه المحاسبية وتجعله بعيدا عن القانون مهما أخطأ وليكن عوضا عن ذلك هيئة ممثلة للشعب بشتى أطيافه دون جعلها وحيدة أو ممثلة منفردة على الساحة حتى لا يخوّن من يحاسبها أو يوقفها عند حدها إذا تجاوزت.

ونحتاج إلى إعادة كتابة للتاريخ الفلسطيني – لأننا نواجه مشكلة حقيقية في أن الكثيرين حتى من أشقائنا العرب يتبنون الرواية الإسرائيلية للأحداث- بمستوى لغة الخطاب العالمية وذكر الأحداث كما حصلت على أرض الواقع وليس بتخيلات أو آراء أو وجهات نظر تحلل التاريخ، وهذا يحتاج إلى مؤسسات علمية تعتمد الأساليب الحديثة والإحصائيات الدقيقة، تأخذ الروايات ممن عاصرها وتكتب القصص ممن عايشها ومن بقي من هذا الجيل الآن كبر سنه وهدته الليالي وبالتالي فإن الوقت ليس في صالحنا.

وأنتم في رحاب إسطنبول العريقة، اشكروا أهلها الكرام وعيشوا بما اصطحبتم من خيرات فلسطين فلا تفطروا إلا بزيت زيتون من جنين وزعتر من الخليل وخبز طابون من بيت لحم، واشربوا شايا بمرمية من الجليل وعند الضحى كلوا من برتقال يافا وموز أريحا وتمور الأغوار، وتغدوا سماقية غزاوية ومسخن من طول كرم وحلّوا بكنافة نابلسية، وتعشوا دقة من بئر السبع وجبنة نابلسية وزيتون من كل فلسطين، وقبل أن تناموا يمموا نحو الأرض المباركة وقولوا عليك مني السلام يا أرض أجدادي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.