شعار قسم مدونات

العاقبة المؤلمة لمساعدات الأمة إلى تركيا

blogs - ottoman

نشرت وسائل الإعلام التركية قبل حوالي عشرة أيام حوارا أجري مع القنصل العام الباكستاني بإسطنبول، يوسف جنيد، وجاءت فيه قصة واقعية أعادت للأذهان التبرعات التي جمعها المسلمون في أنحاء العالم الإسلامي وأرسلوها إلى تركيا أيام حرب الاستقلال وعاقبة تلك المساعدات.

القنصل العام الباكستاني في حديثه لقناة تركية ذكر أنه ذات يوم كان جالسا في حضن جدته، وكان عمره آنذاك سبعة أو ثمانية أعوام، ورأى أن شحمة أذن جدته مشقوقة، وسألها عن سبب ذلك، وأجابت قائلة "لا شيء"، ولما ألح عليها بدأت تحكي له القصة:

"في أيام شبابي، كانت هناك حرب بين تركيا ودول أخرى، وكانت الخلافة العثمانية تواجه مشاكل، ونحن كمسلمي شبه القارة الهندية ندعم أشقاءنا في تركيا. وقيل لنا إن تركيا بحاجة إلى المال والسلاح والذخيرة وحتى الجنود. وقررنا أن نساعدهم بكل طريقة ممكنة. لم نكن أغنياء، ولذلك لم أكن أملك شيئا كثيرا أقدمه. وكان لدي قرطان من الذهب. وكان الشباب يفرشون في بعض الأحيان شراشيف بيضاء لجمع التبرعات وسط هتافات داعمة للدولة العثمانية، وكان الناس يرمون عليها ما يملكونه من الأموال والذهب والفضة. وأردت أن أتبرع بالقرطين، ولكنهما لم يخرجا من أذني، لأني كنت ألبسهما منذ أربع أو خمس سنوات. ولما سحبت القرط بقوة انشقت شحمة أذني. ولم تكن لدينا آنذاك إمكانيات لإجراء عملية التجميل. ولذلك بقيت شحمة أذني هكذا مشقوقة."

مسلمو الهند كانوا يظنون أن مصطفى كمال يقاتل من أجل إنقاذ الخلافة الإسلامية، كما ظن الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي.

هذه القصة الواقعية تشير إلى متانة أواصر الأخوة الإسلامية ومدى استنفار مسلمي العالم وشبه القارة الهندية على وجه الخصوص لدعم أشقائهم الأتراك والدفاع عن الخلافة الإسلامية، كما تعكس تجسيد ما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، إلا أن تلك العملة لها وجه آخر يكشفه جواب هذا السؤال: "ما هو مصير تلك المساعدات؟"

مسلمو شبه القارة الهندية بذلوا آنذاك كل ما بوسعهم لإنقاذ الخلافة العثمانية، وجمعت حركة الخلافة في الهند تبرعات في المساجد والمدارس، وأرسلتها إلى مصطفى كمال، قائد حرب الاستقلال التركية. وتم صرف جزء من تلك الأموال في تمويل بعض المعارك، وما تبقى منها استخدمه أتاتورك في تأسيس "بنك إيش" التركي. وكانت حركة الخلافة في الهند جمعت حوالي 1.5 مليون جنيه استرليني، وأرسلت هذا المبلغ إلى مصطفى كمال، الذي أعطى 250 ألف ليرة تركية لتأسيس بنك إيش، ثم تم إيداع مبلغ آخر قدره 207 ألف 400 ليرة تركية في حساب ثانٍ فُتِحَ باسم أتاتورك في البنك الجديد.

مسلمو الهند كانوا يظنون أن مصطفى كمال يقاتل من أجل إنقاذ الخلافة الإسلامية، كما ظن الشاعر العربي الكبير أحمد شوقي الذي مدحه في قصيدة قائلا: "الله أكبر كم في الفتح من عجب، يا خالد الترك جدد خالد العرب"، إلا أن مصطفى كمال ألغى الخلافة الإسلامية في ٣ مارس / آذار ١٩٢٤، ثم أسَّس "بنك إيش" في ٢٦ أغسطس / آب ١٩٢٤، أي بعد أقل من ستة أشهر من إلغاء الخلافة، وكان الجزء الكبير من رأس مال البنك الربوي الجديد ما تبقى من التبرعات التي أرسلها مسلمو شبه القارة الهندية.

مصطفى كمال أتاتورك كان يملك ٢٨،٠٩ من أسهم بنك إيش، وأوصى قبيل وفاته أن يُعطٓى حزب الشعب الجمهوري تلك الأسهم من تركته، على أن يتم تقسيم فوائدها بين مؤسسة اللغة التركية ومؤسسة التاريخ التركية. وبناء على وصيته، يعين حزب الشعب الجمهوري أربعة من أعضاء مجلس إدارة البنك، إلا أن قادة الحزب يقولون إن حزب الشعب الجمهوري يشرف فقط على "أسهم أتاتورك" في بنك إيش ولا يأخذ شيئا من فوائدها.

مسلمو شبه القارة الهندية، رجالا ونساء، على الرغم من فقرهم، جمعوا ما بيدهم من مال وحلي، وأرسلوا تلك التبرعات إلى مصطفى كمال لإنقاذ الخلافة الإسلامية، لا لإلغاء الخلافة الإسلامية وتأسيس بنك ربوي خاص وحظر الأذان ومحاربة كل ما يمت للإسلام بصلة.

نحن، مسلمي تركيا، علينا اليوم أن نعتذر أولا إلى مسلمي شبه القارة الهندية، وأن نسعى ثانيا لسحب تلك الأموال من بنك إيش وإرجاعها إلى مسلمي الهند وباكستان وكشمير وبنغلاديش كمشاريع خيرية علها تزيل شيئا من ذاك العار الكبير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.