شعار قسم مدونات

لا تقسوا على دمشق

blogs - syria Eid
كثيرة هي الأخبار… قنوات التلفاز وشبكات التواصل الاجتماعي تغص بها! أن تكون سورياً خارج حدود ما يسمى بالوطن! ستتأثر بتلك الأخبار بشكل أو بآخر حتى لو عملت على تجاهلها، فستجدها بأسئلة سكان هذا البلد… بنظراتهم المتعاطفة مع وجعك! وجعنا، أو حتى برسالة تصلك بعجلة على عكس هذا العالم الذي يسير ببطء من حولك، حاملة معها خبر استشهاد أحدهم أواعتقال الأخر!

صديقي لا تحاول! ما تعمل على نسيانه أو تجاهله هو جزء من واقعك، وإن كنت خارج دائرة تأثيره القريبة، والتي يبدو أن نطاقها كان أوسع بكثير مما توقعنا. أنا ومثلي آلاف اللاجئين الذين اختاروا، أو اجبروا على العيش بمفردهم، وأثناء قيامي بأكثر ما أمقت من المهام المنزلية -غسل الصحون- تلقيت إشعاراً من تطبيق الفيس بوك مما دفعني وكعادتي لتحديث صفحة الأخبار مراراً وتكراراً بحثا عن خبر جديد يرضي فضول عيني.

دمشق التي غصت أحياءها بنا في يوم ليس ببعيد، دمشق حيث تُسمع الله أكبر في الميدان ويرنّ صداها في المزّة، دمشق التي لم تبخل  على هذه الثورة بشباب تركوا فينا ذكرى لا تنسى.

بلا مقدمات تقفز في وجهي صورة لطوابير الناس التي تنتظر أن تملأ ما تملك من أوان وعبوات من صهريج للماء باتت رؤيته يمر في الشارع أكثر ما يسر الناظرين في العاصمة الأقدم! تلا تلك الصورة مباشرة منشور لأحدهم يسخر من حال عطشى دمشق بقوله: ذوقوا الحرمان ذاته الذي تذوقه مدن الشمال السوري! تركت هاتفي ونظرت إلى الحوض أمامي والذي يمتلئ بالماء حينما أريد، وأفرغه أيضاً كما أريد.

فكرت أن هذا الشخص الذي كتب تلك الكلمات يعيش تماماً كما أعيش، في مدينة لا تعطش، حيث متى ما أراد الماء وجده. هو لم يبدي سعادته مما يجري في دمشق؛ لا، بل ربط معاناة أهلها بما يعاني أبناء الثورة في شمال البلاد، وكأنه يجب على الجميع في هذا الوطن أن يعاني! لماذا؟ لماذا على الجميع أن يعاني؟ من سيقف إلى جانب الآخر حينها؟! إن كنت تظن أن من يعاني من نقص الماء في العاصمة هم رؤوس النظام وتجار الحرب الجُشّع، فهذه وللمعذرة قمة السذاجة في التفكير، فمن يعاني في دمشق هم من لا يستحقون المعاناة.

أنا لا أكتب هذا لأن دمشق عطشى فقط، وإن كان ذلك يغصّ في صدري كثيراً، ولكنني أكتب لأن الثورة علمتني أن أكتب كل ما هو حق بلا خوف من كلام هذا أو ذاك. في دمشق التي لطالما شتمنا رماديتها ورميناها بتهم انحيازها للنظام، دمشق الرقص فوق دماء الشهداء! دمشق وعيونها الخضراء! وغيرها من الشعارات التي رسمت في رؤوسنا صورة لدمشق كما أرادوها، صورة لا تشبهها، صورة صدقناها وتناسينا تلك الأجمل! 

دمشق وأهلها ليسوا عطشى للماء فقط! بل لوقوفنا معهم أيضاً. ولأننا تعوّدنا ألا نترك مدينة تعاني وحيدة! فكيف إذا كانت أم المدن؟ دمشق معتقلة، وليس على المعتقل في مأساتنا حرج!

من قال أن هذه دمشق؟ وأنّهم منها وإن ادعى الدخلاء ذلك فهم في نهاية الأمر دخلاء، ومصير الدخيل الرحيل. سيرحلون وتبقى دمشق! دمشق التي غصت أحياءها بنا في يوم ليس ببعيد، دمشق حيث تُسمع الله أكبر في الميدان ويرنّ صداها في المزّة، دمشق التي وكغيرها من المدن لم تبخل يوماً على هذه الثورة بشباب تركوا فينا ذكرى لا تنسى، تركوا فينا الصورة الأجمل لدمشق بغدّها وتغييرها!

ثورة دمشق لا تمحوها كرنفالات الألوان المزيفة. ظنوا بألوانهم تلك أنهم سيمحون ثورةً من تلك الأرض، لم يعلموا أن أقدام الثوار لا تمحى من هناك! ظنّوا أنّهم بأغانيهم التافهة سيمحون صدى أهازيج دمشق بصوت أولادها ودعواتها على قاتليهم بعد كل تشييع تودع فيه أحدهم. 

دمشق وأهلها ليسوا عطشى للماء فقط! بل لوقوفنا معهم أيضاً. ولأننا تعوّدنا ألا نترك مدينة تعاني وحيدة! فكيف إذا كانت أم المدن؟ دمشق معتقلة، وليس على المعتقل في مأساتنا حرج، دمشق لا تستحق منكم كل تلك القسوة! فلا تقسوا على دمشق…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.