شعار قسم مدونات

رفقا بالقوارير..

blogs - women
أولئك الشبّان الذين يجلسون قبالة أجهزة الحاسوب وخلف هواتفهم الذكيّة، يقلبون في الفيديوهات المصورة وفي الصور من الصفحات الغربية والعربية، لتلفت أنظارهم تلك التي تغني وأخريات يعزفن، وترى بؤبؤ أعينهم قد اتّسع لمجرد رؤيتهم إحداهن تحاول أن تتكلم بالعربية رغم صعوبة اللغة، وتقفز قلوبهم نابضة لاهثة من صدورهم حين يروْن إحداهن ترقص وهي حبلى، وأخريات أجنبيات يرقصن على أغنيات عربية.

 

ليست مشكلتي في مشاعرهم الخاصة تجاه ما يروْن، ولكنّ مشكلتي تكمن في مشاركتهم لتلك المنشورات مع تعليقات لا تمتّ للرجولة بشيء، ولا لخفّة الظل ولا حتى لشيء سوى ارتفاع منسوب الفراغ في العقول الشابّة، وكونهم تابعون دوماً لا قياديون سوى بالترهات ومضيعة الوقت.
 

ليست الأنوثة سوى عفّة وطهارة، وقلب نقي، وملبس أنيق، ودين متزن، وجمال وعناية، وطاعة بما يرضي الله! فلماذا التجريح إذاً؟

وإن أكثر ما استفزني هو تعليق أحدهم على فيديو قام بمشاركته قائلاً "عزيزتي البنت العربية، إذا شفتي هاد الفيديو بوعدك رح تكتشفي إنك مش أنثى أصلاً". 

أجد في هذه الجملة المتهورة كمّا هائلاً من التعصّب، التعصب للفكر المنحرف، وللعقل المحدود، وأرى فيه كمية مهولة من التناقض الذي يصوّر الشرقية بمفهومها المعوجّ بأفضل صورة! كيف لك أن تقول هذا وأن تخط سطراً سريعا من بضع كلمات جارحة.. لا بل جائعة!
 

منشورات كهذه تؤكد لي مجدداً فكرة الجوع الفكري والنفسي لدى نسبة ليست بقليلة من شبابنا العربي، ذاك الشباب الذي يعوّل عليه المستقبل وينظر له بؤسنا من بعيد على أنه الأمل.. فترى الواحد من أولئك، يبحث عن فتاة، فيفرض كافّة سلطاته وعقده عليها بحجة الحب أو بحجة الزواج أو بحجة الرجال القوامون على النساء، ويخرج وحش الرجولة المكتسبة من مجتمع متناقض ذا تركيبة لا تشبه تركيبة أي من المجتمعات السويّة.. فإن كانت غير محجبة فرض عليها الحجاب، بحجة الشرف والدين والالتزام، وقد تراه يرقب بنطالها ودرجة اتساعه أو ضياقه، ولون حجابها إن كان ملفتاً، ويفرض عليها إزالة صورها عن الفيسبوك وإغلاق كافة الوسائل الاجتماعية، بحجة أنه رجل وهي أنثى وأن الطاعة هي الخيار الوحيد.
 

وإن كانت محجّبة، جعل من حجابها عثرة في سبيل تقدمها، وحوّلها لفتاة تلزم المنزل لا تخرج للعمل، ولا داعي للنجاح أو الطموح، وإن لم يفعل أي من هذا، تراه يهبط من معنوياتها دوماً، بأنها أقل من مثيلاتها، أو أنها لا تشبه تلك الفتيات اللاتي لطالما ركض خلف صفحاتهن على الفيسبوك وصورهن على الإنستغرام لاهثاً ليرضي مخيلته الجائعة، ومن ثم يجلس حالماً بفتاة مثلها، رغم أنه حين يحصل على فتاة، يسعى كل السعي أن تكون أي شيء إلا مثلها! لأنها ملكه وله ولأن مفهوم الشرف والأخلاق في مخيلاتهم تكمن في اللباس والتبرج وغيره، سيسعى جاهداً كي يحافظ عليهما.
 

ليست الأنوثة سوى عفّة وطهارة، وقلب نقي، وملبس أنيق، ودين متزن، وجمال وعناية، وطاعة بما يرضي الله! فلماذا التجريح إذاً؟
 

جوع النفس هو من يحمل شباب كهؤلاء على الركض نحو أي فتاة بشراهة، ليفترس أنوثتها باحثاً عن أنوثة بصورة واحدة لا ثاني لها، وبشكل واحد يرسمه له عقله ويسيره نحوه.. هو الجوع الذي لا يسكت أبداً، بل إنه يزداد كلّما حصل على فتاة ولم يجد فيها ما وجد على الصفحات وخلف الشاشات فيقتنع أنها ليست لأنثى حقّة ويعيش معها ويعيشها بتعاسة.

 

ولو تشبّهت إحدى الفتيات الـ"عربيات" بأخرى ممن ذكرناهم آنفاً، سيقضي وقته يعلّق على انفلاتها، وسيسهر ليال على صفحاتها يكتب تعليقات بذيئة أو جارحة لعله يردعها! فهل من صراع مبدأ أكبر من هكذا صراع؟!
 

النفوس الجائعة تلك، هي من وجدت لأجلها هذه المنشورات، كي تقضي وقتها محدّقة، تحلم بالهجرة هناك نحو عالم الأحلام.

تلك النفوس الجائعة، لن يشبعها فستان قصير ولا شعر طويل، ولا حجاب ملتزم، ولا لبس محتشم، هي نفوس لازالت صغيرة على الارتباط وصغيرة أمام الأنوثة وبعيدة كل البعد عن فهم عمق الأنوثة وأبدية الرجولة.
 

النفوس الجائعة تلك، هي من وجدت لأجلها هذه المنشورات، كي تقضي وقتها محدّقة، تحلم بالهجرة هناك نحو عالم الأحلام، للزواج بـ "أنثى"، ولكنها بعد سنوات وإن طالت، ستعود تتضور جوعاً لامرأة تصون وأنثى تكمّل نصفه التائه عبر القارات.. ستعود جائعة لتشبع بعد أن أضاعت عمراً ومجهوداً تحلم بالشبع!
 

و هنا أورد حديثيْن نبويين عن أبي هريرة، رواهما البخاري: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيرا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْء فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذهبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَة فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا".

فـ "رفقاً بالقوارير"..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.