شعار قسم مدونات

رواية.. خاتم زواج.. وامرأة

مدونات رواية

ولد عام 1927، بدأ مساره التعليمي في مدرسة داخلية، اشتهر بين أقرانه بالانطواء والخجل الشديد، كان مولعا بالرسم الهزلي ونظم القصائد الساخرة، ولأنه لم يكن مهتما بالأنشطة الرياضية، وكانت الجدية مرتسمة على ملامحه طوال الوقت، فقد اتفق أصدقاؤه على تسميته ب "العجوز"! كان في الثالثة عشرة من عمره، عندما زار والديه ذات مرة، وشارك في حفل راقص للطلاب، هناك سيتعرف على فتاة جميلة أثارت إعجابه، فقطع على نفسه وعدا بأن يتزوجها فور إتمامه لمساره التعليمي.
 

هل وفى بوعده؟ أم أن ما تفوه به كان مجرد كلام مندفع لمراهق لا يعي ما يقول؟ لا، كان الفتى صادقا في مشاعره تلك، وفاز بحبيبته وتزوجها بالفعل عام 1958! كانت زوجته جميلة جدا، من أصول مصرية، فجدها مهاجر مصري قديم، حسناء طويلة، ذات شعر بني يرتخي على كتفيها، فيما حملت عيناها الواسعتان اللون نفسه.
 

بحث الشاب لعدة سنوات عن ناشر لروايته الأولى التي أسماها "الأوراق الذابلة"، إلى أن نشرها عام 1955، لكن الرواية لاقت نقدًا واسعًا، وظل عدد كبير من الطبعات في بالمخازن.

كان الفتى "الذي تحول إلى شاب ناضج طبعا" دائم الافتخار بها، ويصر على الإشارة إليها دوما بزهو واعتزاز، وقد رزقا بولدين، الأول بعد سنة من زواجهما، والثاني بعد بضعة أعوام. اشتغل الشاب في الصحافة، رغم دراسته للقانون في الجامعة، إلا أن ولعه الحقيقي كان بسحر الأدب.. بدأ بكتابة القصص القصيرة، وكانت باكورة أعماله مجموعة قصصية قام بنشرها في الصحف بين عامي 1947 و1952.
 

بحث الشاب لعدة سنوات عن ناشر لروايته الأولى التي أسماها "الأوراق الذابلة"، إلى أن نشرها عام 1955، لكن الرواية لاقت نقدًا واسعًا، وظل عدد كبير من الطبعات في بالمخازن، ولم يحصل الكاتب الشاب وقتها على أي شيء! عاش الروائي الشاب وزوجته ظروفا صعبة، لكنه لم ييأس، بل بالعكس، كان يحمل في قلبه وعقله وروحه مشروع رواية ضخمة، يتطلب العمل عليها صبرا كبيرا ومساندة ضخمة من زوجته، التي آمنت بقدراته، وكانت متأكدة من أن مستقبلا باهرا ينتظر حبيبها الموهوب.
 

استغرقت كتابة الرواية وقتا طويلا، وعندما فرغ منها الكاتب أخيرا، وجد نفسه أمام معضلة أخرى.. حجم الرواية الكبير سيجعل مصاريف إرسالها إلى الناشر عبر البريد باهظة أكثر، وهو الذي كان يعيش رفقة زوجته وولديه ظروفا صعبة كما قلنا! قام الكاتب بإرسال النصف الأول من الرواية، ولم يجد بعد ذلك سوى آلته الكاتبة ليرهنها، حتى يرسل النصف الثاني. هنا تدخلت زوجته، مقترحة رهن خاتم الزواج، إذ اعتبرت أن قيمة الآلة الكاتبة تفوق قيمة الخاتم أضعافا مضاعفة، فهي روح الكاتب ووسيلته الوحيدة لبث أفكاره الحبيسة في أعماقه، أما الخاتم فمجرد معدن تافه رغم أهميته الرمزية.

 

أثرت الرواية في معظم الروائيين الرئيسيين على مستوى العالم، وتمت ترجمتها إلى سبعة وثلاثين لغة، وبيع منها ما يقارب ال 25 مليون نسخة حول العالم، وكانت سببا مباشرا في حصول الكاتب على جائزة نوبل للآداب عام 1982

رفض الكاتب اقتراح زوجته، لعلمه بأن الخاتم عزيز على قلبها، كيف لا وقد خلد قصة حب قوية بدأت بنظرة عابرة في حفلة راقصة للطلاب قبل سنوات؟ هي أعظم تضحية يمكن أن تقدمها حبيبته، في دليل واضح على إيمانها بموهبته وإصرارها على الوقوف بجانبه حتى النهاية، لكنه لم يوافق على طلبها، باحثا عن طريقة أخرى لتدبر المبلغ المطلوب. وكان للزوجة رأي آخر.. غافلت زوجها الأديب الموهوب، وقامت برهن الخاتم، وأحضرت المبلغ وأرسلت الجزء الثاني من الرواية للناشر.
 

يوم الثلاثاء 30 ماي (أيار) عام 1967، خرجت للنور الطبعة الأولى من الرواية، وصدر الكتاب في منافذ البيع دون أي حملات ترويجية، لكن المفاجأة أن ثمانية آلاف نسخة بيعت في أسبوع واحد، وأحدثت الرواية انفجارا في العالم منذ يوم صدورها الأول، وأصبحت عنوانا لتيار الواقعية السحرية في أدب أمريكا اللاتينية، وأثرت الرواية في معظم الروائيين الرئيسيين على مستوى العالم، وتمت ترجمتها إلى سبعة وثلاثين لغة، وبيع منها ما يقارب ال 25 مليون نسخة حول العالم، وكانت سببا مباشرا في حصول الكاتب على جائزة نوبل للآداب عام 1982 ! إنها كما ترون حكاية مجد ونجاح بعد معاناة وتضحية لا يمكن أن تقدمها إلا زوجة أحبت زوجها وآمنت بقدراته رغم كل الظروف الصعبة.
 

مهلا!  هل نسيت شيئا؟ آه نعم! الكاتب موضوع حديثنا هو الأديب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز (توفي عام 2014)، زوجته تدعى ميرسيديس بارشا، أما الرواية المعنية فهي "مئة عام من العزلة"!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.